صحيفة المثقف

الشرق في عيون الرحالة الاوربيين (2)

1231 ازياء نساء العراق سابقاكان المصورون في القرون الماضية يرافقون الرحالة وكذلك الجيوش المحاربة ويسجلون تلك الاحداث بفرشاتهم واقلامهم والوانهم بدقة متناهية، كما هو ما يحدث اليوم عندنا من دور المصور الفوتغرافي في تغطية الاحداث ونقلها ومرافقة الصحفيين والجيوش المحاربة في شتى بقاع العالم . وقد ذكرنا في الحلقة السابقة عن دور الرحالة في تشويه صورة الشرق ومنهم من كتب رويات وهمية عنه وهو لم يصل او يزور الشرق مثل الكاتب الالماني كارل ماي 1842 وقد نقل صور الاوربيين المرسومة في اذهانهم عن الشرق والتي رسمها الرحالة القدامى منذ الحروب الصليبية وهي صور تظهر بوضوح العدائية التي نقلها هؤلاء الرحالة حيث بقت مرسومة في اذهان الاوربيين منذ عدة قرون . وقد بيعت روايات كارل الوهمية حتى وصلت الى خمسين مليون نسخة .

ويذكر ان الرحالة الايطالي – ديللا فاليه 1586 -، زار تركيا عام 1614 وعاش فيها عدة سنوات وتعلم اللغة التركية، ثم رحل الى سوريا وفلسطين ومصر . وكذلك زار بلاد فارس والعراق . وكان يكتب ويسجل عن كل محطة ومدينة وآثار يمر عليها، وكذلك كان مولعا في البحث عن انواع الاعشاب، ويبدو انه كان مهتما بطب الاعشاب والعقاقير . وقد وصف المجتمعات الشرقية وصفا دقيقا لتقاليدها وعاداتها ومساجدها وازيائها ووسائل النقل وقوافل الجمال التي تخترق الصحاري والبراري.. وكان يرافقه مصور ويطلب منه ان يصور كل مكان يمرون عليه او يكتب عنه، ومن الطبيعي ان تكون تلك الرسوم تسجيلية وسريعة ومنفذة باسلوب واقعي اوربي . وعندما حل في بغداد استقر في احد البيوت الراقية وقد وجد سقفه مزين ومزركش ومزخرف بالرسوم الجميلة، وطلب من الرسام الذي يرافقه برسم وتصوير تلك التزويقات ونقلها معه الى روما لجمالها ورونقها والتي تحمل خصائص الفن الاسلامي .

1232 البصرة ومن الذين زاروا العراق ايضا في القرن السابع عشر هو الرحالة الفرنسي -تافر نييه – 1605-1689 ومن خلال قراءة كتاب هذه الرحلة نجد ان هناك مع الرحالة طبيب ومترجم ورسام وحراس وانه طاقم كامل للعمل والاستكشاف وتسجيل كل ما يشاهدونه بالقلم والفرشاة من تقاليد وعادات ولغات وثقافة وغيرها، وبالتالي تشعر انها مدعومة بالاموال والحراسة وان مهمتها التجسس على المجتمعات الشرقية . وعندما حطت القافلة في مدينة الكوفة كان مع الفنان الفرنسي مجموعة من الرسوم ذات الطابع الاوربي منها ما تمثل مغنيات، وقد اشترى منه اميران عربيان عشرين صورة تمثل الغواني وتركا الباقي. وهذا ما يوكد لنا بان قصور الامراء العرب كانت مزينة برسوم الراقصات والمغنيات وانها مجالس لهو وطرب وخمر..

1233 الكاظمية كذلك اشتهرت الرحالة الفرنسية – ديولافوا- في كتاباتها عن احوال العراق في نهاية القرن التاسع عشر وكانت رسامة بارعة درست الرسم في احد مدارس الراهبات، وكانت بين اعوام 1881 و1882 تتنقل مع زوجها عالم الآثار، بين بلاد فارس وبغداد والبصرة، ويذكر انها كانت لها شخصية قوية وترتدي البنطلون وتمتطي حصانا، وكانت تكتب يوميا وترسم وتخطط (اسكيجات) للاماكن التي تزورها خاصة الاماكن الاثرية والمساجد وعمارة الشناشيل، وكان برفقتها طاقم كامل من معدات التصوير والحماية والمرافقين وكانت معها كامرة تصوير كبيرة الحجم.. وعندما عادت الى فرنسا كان معها مئات الصور الفوتوغرافية والرسوم التخطيطية، وقد كلفت 35 حفارا بحفر 336 صور على الخشب ثم طبعها وتوزيعها على المراكز العلمية والتاريخية.. وكانت الصور تمثل مشاهد مختلفة عن المجتمع العراقي من احياء واسواق وازياء ومساجد، والاماكن المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف وانهار البصرة ونخيلها وكذلك طاق كسرى.. وعندما حلت في البصرة كتبت (.. ها انا في مدينة البندقية، سمائها صافية لا غيوم فيها، تختفي دورها وسط غابات النخيل، واشجار يثقلها برتقالها، ونباتات موز واسعة الاوراق، وشط يفوح عطر ازهاره ووتنحدر هذه المنازل احيانا نحو الماء، وتنسحب احيانا وراء رصيف ضيق يحفها، وربطت امام اجمل هذه المنازل قوارب نحيلة اشد اناقة من جندولات البندقية..) . وقد اشارت ديولافوا الى ان العثمانيين قد اهملوا البلاد فكانت الفيضانات تهدم السدود وتغرق المدن وتنشر الاوبيئة والامراض.. ويذكر ان ديولافوا وزوجها مكلفان من قبل الحكومة الفرنسية للبحث والتنقيب في العراق وبلاد فارس وقراءة احوال المجتمعات الشرقية.. ويبدوا ان هناك غياب كامل واهمال من قبل السلطات العثمانية للعراق واهله حيث الاجانب والرحالة والبعثات التجسسية تمرح وتسرح في ارض العراق بما يروق لها وبدون مراقبة او محاسبة . ولازالت هذه الظاهرة الاجنبية التجسسية منتشرة في العراق حيث تجتمع فيه كل الاستخبارات العالمية لخدمة مصالحها وتدمير اهل العراق وحضارته .

1234 قصر كسرا من ناحية اخرى كان للمصورين في الماضي دورا كبيرا في مرافقة الجيوش لتسجيل الانتصارات والبطولات التي يبديها المحاربون، منهم الفنان الفرنسي دافيد مؤسس المدرسة الكلاسيكية الحديثة حيث كان يرافق جيوش نابليون في غزواتها ومعاركها في اوربا وشمال افريقيا، وقد رسم عددا كبيرا لمشاهد تلك المعارك، ولازالت هذه الصور موجودة في متحف اللوفر في باريس.. كذلك كان الرسام الاسباني فرتوني كان يرافق الجيوش الاسبانية في احتلالها بلاد المغرب والصحراء الغربية، وقد سجل لنا تلك الاحداث بلوحات زيتية كبيرة الحجم، مثل لوحة – معركة تطوان – والتي نجدها اليوم معلقة في المتحف الحديث في برشلونة..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم