صحيفة المثقف

وعدُ الله.. حق

عبد الجبار العبيديلا تسكت أخي المواطن.. أنهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة..

انا واثق تماما اليوم ان محمدأً (ص) يبكي وهو في مرقده الشريف على أمة عمل من أجلها الكثير، واودعها ميثاقه الشريف.. لكنها خانت وما صدقت.. كفرت وما آمنت.. تخاصمت وما تصالحت.. وقفت مع الانصياع للباطل والتقديس.. وما احترمت المعاصرة والتحديث.. امة لسنا بحاجة لتعريفها أكثر فقد مللنا الكتابة فيها والتهريج.. حتى اصبحت اليوم في ذيل قائمة الامم الراقية في التصنيف..؟ فهل فعلا كان الاسلام امة.. أم خُرافة المتدينين..؟

الظروف الحياتية دوما تُخيفنا.. ونحن نستطيع ان ندرك بقلوبنا وأحساسنا سهولة الوقوع في الضعف، خاصة عندما نشعر ان الله قد تخلى عن وعدهِ لنا، أو نظن ان الله قد تخلى عن حماية مخلوقاته وسلمها بيد البشر، ولكن حاشا ان يفعل الله ذلك.هنا نفقد توازننا في هذا الظرف العصيب الذي يمر بنا في وطن مزقته الذئاب.. لكننا لم ندري نحن أقوياء ما دمنا نشعر بضعفنا أمام الله، والله لن يتخلى عن الصالحين ما دمنا أمناء على أنفسنا والوطن وسنبقى، ولكن لا شيء يؤذينا اذا اعتقدنا ان الله يراقبنا في القضاء والقدر، ولن يُهمل من اعتدى على الصراط المستقيم.لكننا نريد ذلك من القادر القدير بيانا لا وعيدا.. فلن تغرينا بعد جنةُ في الأخرة، ولا ترهبنا نارَ تخيفنا حرقاً.. بل وعداً صادقاً حين ينفخُ الله القدير في الصور.. "ويوم ينفخُ في الصورِفلا أنسابُ بينهم يمئذٍ ولا يتساءلون، المؤمنون 101"..

فهل تخلى المسلم عن الثقة بالله والتمسك الكلي بأرادته الجبارة القاهرة.. وهل تخلى عن العقيدة وبه واحترامه كخالق للعالمين؟ لا أعتقد..  لكن هذا حاصل اليوم في حكومات تخلت عن الوصايا العشر وضربتها عرض الحائط من اجل مصالحها الشخصية لا الناس، ولا زالت بدينه تلهج ليل نهاركذباً وزوراً، والوصايا تقول من نكث العهد فمصيره الى تدمير (الوصايا العشر، الانعام 151-153).من هذا المنطلق فقد تضاءلت قيمهم وكرامتهم وأصبحوا من جراء نكثهم للعهد والايمان.. لابناء الوطن الغني يستجدون الأخرين، حتى أمسينا في أعين أهل الديانات والأوطان الاخرى فقراء أذلة لا نستحق التقدير، فلم يعد بأمكاننا الدخول بمحاورتهم رغم ما نملك من قدرة الحوار معهم.. حتى أصبحنا اليوم نتوسل بهم لنكون من رعاياهم كلاجئين لا من رعايا المسلمين .وهذا هو عار التاريخ..

الاسلام قد يختلف عن الديانات الاخرى في العقيدة والاعتقاد حين يطلب من المؤمن به، الاعتقاد والتنفيذ بكل ما جاء به من قوانين (فطرة الله التي فطرَ الناسَ عليها لاتبديل لخلق الله، الروم30) اي لا تبيدل لأوامره ونواهيهِ. فالعبَدُ يُطيع وبالمقابل يريد منه الحقوق لا الوعود.. فقد استجاب لموسى فأغرق فرعون، ولعيسى حين صعد به الى السماء لينجيه من الظالمين،  ولمحمد حين نجاه من قريش وهو في الغار.. فلماذا لا يستجيب القدر للمظلومين اليوم أنتقاما من الظالمين وهو القادر القدير؟ بمعرفة الحقيقة – دون تدخل في الذات الآلهية - لكي نقود أنفسنا الى مستوى تفكير الاخرين.. نحن نجهل الكثير في فقه الدين، فليجيبنا فلاسفة الدين (قُدس سرهم)، وكُتاب الصدفة، والتأمل على ما نحن فيه اليوم من مذلة مؤسسة السلطة والدين؟ بعد ان انهارت قيم الحياة المقدسة عندهم حين أتخذوا من نظرية القوة وشيوع الفساد والتعامل معه بشطارة على المواطنين؟ هنا هم لا يختلفون عن فرعون موسى، ومن اراد صلب المسيح، وقتل محمد في غار الحجازيين.. حتى اصبحنا نحن والدين نعيش في لغة الناس، وليس في واقعهم.

فهل الدين والرسل والانبياء وكتبهم وقصصهم في التاريخ جاءت من اجل التسلية ام من اجل تطبيق القوانين، نريد ان نعرف حتى لا نبقى نُتهم بمعادات الدين..؟

علمنا التاريخ ان هناك علاقة جدلية بين الانسان والبناء الحضاري.. لأن كل منهما يولد في الأخر من جديد، وكلاهما يتطورضمن كلية تفاعلية واحدة.. اذن لماذا حدث هذا في الحضارات والديانات الاخرى، وعند المسلمين جاء مختلفاً ولا زال بعيدا عن التحقيق؟ فهل اصحاب الديانات الاخرى أفضل من المسلمين.. والقرآن يقول :"هو الذي أرسل رسولهُ بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كلهُ وكفى بالله شهيداً، الفتح 28".

ليس أمامنا اليوم الا ان نعترف نحن المسلمون اننا اصبحنا لا ندرك قيمة حياة الأنسان، لعدم استطاعتنا ادراك قيمة حياة الايمان، والتسليم لمن لا يعترف بقوانين الله والانسان، فهل بمسيرة النقص هذه نسير الى نهاية البهتان، أم نحن بحاجة الى التعايش مع نص القرآن.، المنافع الخاصة قد طغت على العامة، فاصبحنا لا نشبع من المال الحرام – وهذه كارثة حقيقية - نبني أيماننا على مصالحنا وليس على ما اراده الله لنا وأمرنا به، وهو الأيمان بما كتبه علينا نصاً وتطبيقاً، فحفظنا النص ونسينا التطبيق، ولعل هذاهو السر في المحنة الحياتية القاسية التي ما زلنا نعايشها .هنا اصبحنا بلا عقيدة ولا أخلاق ولا أيمان .فالشيوعية والبوذية من وجهة نظري الشخصية أصبحت افضل لنا من الأيمان بدين لا جدوى منه في الاصلاح والعرفان، بعد ان حققت دياناتهم ومبادئهم لمعتقديها قيمة الانسان فيها فعلينا ان نحترم شجاعة من يقول الحقيقة أو بعضها، فطلب الحق مطالبة ومحاولة وان قل؟.

علمنا الآيمان ان نكون دوما مطمئنين في حياتنا حتى وسط الظروف الحرجة او الطريق المسدود لاعتقادنا بان الله معنا في الخروج من المأزق الكبير، بينما الانسان الطبيعي يرى في الايمان مجرد وَهَمُ وتسليم أعمى، لانه لم يرَ شيئا قد تغير رغم صلواته لله واعتقاده بقوانينه الازلية. حقا ان امور الايمان وعمل الايمان لا يصادق عليها او يزكيها سوى العارفين بقدرة الله، لأنهم هم وحدهم الذين يدركون حقيقة الاساس المتين الذي يبنون عليه ثقتهم وطمأنينتهم، وهؤلاء هم الذين يستحقون قيادة المجتمع، ولكن اين القدر الذي يمكننا من تحقيق القضاء؟ وأين نجدهم في هذا الزمن الذي ضاع فيه الرجاء من قادة الأمل.. وأصبحت حتى مرجعيات الدين والغة في خطأ الزمان والتقدير؟.

نحن المسلمون اليوم اصبحنا مهزلة وسخرية اهل العالم الاخر..  بسبب تصرفاتنا الناشئة عن عدم الثقة والصدق في أعمالنا، وضعف الايمان بالله وبأنفسنا بعد ان خُنا الوطن.. وأكلنا المال الحرام، وتخلينا عن المؤاخاة بيننا، وضربنا الشورى الحقيقية عرض الحائط، وأستمرئنا الملك العضوض، وصنعنا لديننا فقهاء ومرجعيات، تفتي بالذي تريده دون مخافة الله.. والقرآن لا يعترف برجال الدين، ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس، وحتى لا يميزهم بلباس معين كما فعل كتاب العهد القديم.. فعلام نحن نطيعهم وهم في طاعة سلطة الظلم والعدوان..؟ فهل يعي المسلم الحقيقة اليوم.. بأن الاسلام منحنا حق التعبير عن الرأي وحرية الأختيار، وهما اساس الحياة الانسانية في الحياة لنتمسك بحقوقنا دون تغييرأنه هو الحل.. وهم ينكرون؟ فأين الحل؟ والفشل يلازمنا.. وفي هذه الحالة نركن على قوةٍ خارجية لناتي بها البديل كما فعل خونة التغيير.. ليستولوا على السلطة والمال وحكم المواطنين بسيف الفاسدين؟ فأين ما وعدنا به الله عبر السنين؟. فهل كانت رسالات السماء مجرد وعد لنا جاء به الانبياء والمرسلون؟أم حقيقة تطبق على الارض برضى الله والمؤمنين..؟

الأخرون من اصحاب الديانات يتمسكون بعقيدتهم حقا وحقيقة ويجنوا منها الكثير .اما نحن علينا مغادرتها الى عقيدة اخرى بعد ان ثبت انها عقيدة لا تنفع المتمسكين بها وبعد ان اصبح فكرنا وعقيدتنا تقوم على تصورات وتجريدات لا تمثل الواقع.. والتفكير يشغلني اليوم بهذا التوجه بعد ان فُقدت حقوق الناس في العودة اليه، واصبح الحاكم الباطل المترف يتباهى في المأكل والملبس والمشرب، والنازح يموت جوعا وهما الأثنان من نفس الوطن والدين.. فأين حقي في الاعتقاد والتطبيق؟ المشهد يكاد ينطق بصوت الكارثة القادمة من وراء حجب الغيب البعيد.

على اصحاب العقيدة الاسلامية وخاصة مراجعهم الكبار الذين تخلوا عنها وبقوا مقدسين بصومعاتهم اللامقدسة كما يتصورون.. عليهم ان يعلنوا فشلهم في عقيدتهم وتوجهاتهم ويمنحوا تابعيهم حق الانفكاك منها من عدمه الا في حالة أثبات التحقيق، لان العقيدة وكرامة الانسان ومستقبله كان يجب ان تقرن بعدالة الله المطبقة عليهم، وهذا هو الاساس الصحيح لتطبيق العقيدة والايمان بها.. ونحن اليوم نشعر بالسقوط الحتمي لما نحن فيه نؤمن ونريد . يبدو لنا ان كل فكرة نقلها لنا دعاة الدين.. كانت فكرة مميتة- لكنهم- من دون شرع العدالة لم يكونوا سوى أميين.. لا ولن يحسنون قراءة التاريخ.. فلا هم تعلموا ولا نحن تعلمنا منهم فولدنا ولادة غير حضارية ليس فيها من جديد.

يا ليت الله العزيز القدير، ان يهبنا القوة لنتمسك به وننظراليه في كل حين، مقابل ان نلمس منه ما أحل بالمعتدين من عاد وثمود واهل نوح وهود.. حين محقهم ولم يبقِ لهم من بقية (وثموداً فما أبقى، النجم 51) فهل هم يستحقون العقاب لخروجهم على الوصايا.. وخونة التغييرالعراقي الذين باعوا الكل بالبعض معفوين من العقاب الموعود؟.

نعم لقد وعدنا الله وعدا صادقا وأمينا في كتابه الكريم.. ووعد الله حق علينا واجب التطبيق.. وعليه الرأفة بالمظلومين فهم من عباده الصالحين.. فلماذا اصبحنا على مشارف الموت ولم نرَ من هذا الوعيد ما تحقق.. نريد ان نرى التصديق..؟ وهو ان الله هو الحق المبين..  لينزل نازلته بالمعتدين خائني وطني وسارقي حقوقي.. كما في قوله تعالى "ان الله لا يحب المعتدين" . نتمنى قبل ان نموت ان نرى وعده هو الحق.. ؟." وقبل ان نخرج الى عالم الأخرين.. وسيبقى التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الأخبار.. أما في باطنه فهو الاحداث الجسام..؟ نطلب ونرجو من المواطنين الشرفاء المخلصين ان لا تسكتوا عنهم . ولا تصدقوهم.. ولا تقبلوا منهم هدية..  فهم ذئاب.. هذه الآمة.. والذئاب لا تؤتمن حتى على صغارها.. فهل تعلمون..؟

نعم كنا هكذا.. لكنا الله يمهل ولا يهمل حين سخر الملائكة في شبابنا الغض اليوم ليري اللئام من حكام الوطن المصير الاسود غدا الذين جاؤا بالخيانة وهاهم يموتون فيها.. لكم التحية وروحي فداكم يا اعز ما نملك في الحياة.. لا تتوقفوا حتى تسقوهم ما سقوكم به من مُر العذاب.. تحية والف تحية لمن يتسلق جسسر الجمهورية والسنك والاحرار.. ولكل شهيد مات وهو ينادي اريد وطنا.. اريد وطنا.. ؟ً

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم