صحيفة المثقف

لا تخيبوا ظني بكم

صالح البياتي

ادهشتم العالم المتمدن

لكن الجالسين وراء مكاتبهم

المتفرجين عليكم من بعيد

الذين يرتشفون قهوتهم الصباحية

تلتمع أعينهم الزجاجية

تنظر إليكم بإحتقار

تشاهد وقائع إعدامكم العلني

تذكرني ان لم يخب ظني

بثوار كومونة باريس

الذين اعدم تيير* ثلاثين ألفا منهم

بثمانية ايّام آذارية حزينة

2

فتيان تشرين جاؤا

يرابطون ليلًا ونهارًا

وراء المتاريس الكونكريتية

يواجهون الموت بصدور عارية

أين انت يا غافروش* الصغير

اخرج اليهم من وراء ستار الدخان

تعال عانقهم، وارقص معهم 

هؤلاء الذين أستفاقوا من رقادهم

خرجوا من كهف النسيان

الى وهج الشمس وثورة الإنسان

3

سنوات عجاف

أمض بهم الإهمال

وفتك بهم السرطان

فظهرت آثارهما غضبا

تنادوا لإستعادة وطن مسروق

تزاورت عنه شمس الحقيقة

وانزوت عنه اضواء الأحداث

قذفت به رياح مميتة لنهايات مجهولة

4

هو الذي رأى كل شيء فغني لذكره يابلادي*

الفرح مصابيح ملونة، معلقة بخيوط الأمل

رسموا الخوف ضحكة وابتسامة

ولحنوا مراثي البكاء أغنية

هناك تحت نصب الحرية

تجمح الخيول المُطَّهمة غاضبة

ترمح في فضاء الساحة

ترعد، تبرق، تمطر صهيلاً

تُفزِعُ الأخشاب المسندة كالصلبان

على حواجز الغبراء

قرءوا أسطر التاريخ، قلَّبوا صفحاته القديمة

مقدماته المخطوطة بالجماجم البشرية

ومتونه الموبوءة بالحروب

ونهاياته التي تنذر بالويل والثبور

عرفوا كل شيء

قرءوا بين السطور التي محاها المزورون

تعلموا قبل ان يولدوا

اكتشفوا الأسرار الخفية

خرجوا من رحم ارض طيبة

أقوياء، حكماء بالفطرة

قرأوا أناشيد الثورة

هؤلاء الأحفاد، هم الذين رؤا كل شيء

فغني لهم يا بلادي

5

الوطن حي

الوطن ليس شعاراً عفا عليه الزمن

" و ط  ن حرٌ وشعبٌ سعيد"

الوطن حليب الأم

رضعوه فوجدوا مذاقه حلوا

أشهى من الخمرة

6

الأدوار..

هنا على مسرح الثورة

توزعت الأدوار

الفتيات يلعبن دور الأم

يبلسمن الجراح بالضمادات الطبية

بينما يقوم القاتل بدور الجلاد، والرصاصة

هذا العالم ملوث بداء الإنحطاط والقذارة

لذا صنعوا الروائح المعطرة

صغيرهم سارق أحلام الفقراء

وكبيرهم مصاص للدماء

7

الدموع: علمتني أمي ان امشي وره اللي يبكيني،لأنه يفيدني اكثر من اللي يضحكني، (لأنه يضحك عليَّ) .

ابكونا ولم نتعلم شيئا منهم

ضحكوا علينا وصدقناهم

عيون الأمهات يذرفن الدموع عشرة.. عشرة

وهم أتقنوا الكذب مئة في المئة

فأيهما غداً سيصدقه الله!

أخذونا للنهر مررا، وعادوا بنا عطاشى

استمطروا لنا السماء، مناً وسلوى

ملأوا جيوبنا مسكاً

ولآلئ من جزر الجان وعنبر

8

قسمة ضيزى

أوهام وأضغاث أحلام

حين خرجنا لنحتج

قالوا اختاروا بين اثنين

بالقرعة تؤدوا هذا العام، مناسك الحج

او نخرج لكم من أطباق الأرض

ابا يوسف، المعروف لديكم بالحجاج

يقذفكم بمنجنيق كما قذف الكعبة

وبغازات مسيلة للدموع غصبا

***

صالح البياتي

................................

- ملحمة گاگامش

- رئيس الحكومة الفرنسية التي قمعت كومونة باريس عام 1871 بمساعدة الجيش البروسي.

- احد شخصيات رواية البؤساء، لڤكتور هوجو.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم