صحيفة المثقف

إرهاصات الأنثوي في مجموعة: سر يعلمه الرجال فقط

احمد الشيخاويللكاتبة خيرة جليل

في مجموعتها التي انتقت لها عتبة "سر يعلمه الرجال فقط"، الصادرة حديثا عن جامعة المبدعين المغاربة، طبعة 2019، تطالعنا المبدعة المغربية خيرة جليل، بمنظومة أقاصيص تجود عن هوية الأنثوي، وتحاول الانتصار لوجود المرأة، إجمالا، مسلّطة الضوء على جملة من الأوبئة المعششة في الذاكرة، وكل فصول تلك المغامرة السردية تتم بأسلوبية عالقة مابين المعجم الخفيض الذي يعتمد نبض الشارع ونثاره، وتبصمه لغة البساطة والسلاسة والقريب جدا من الفهم العام، و مستوى الغموض المقبول الذي يمنح شعرية للسرد، ويضخ دماء جديد في شريان النص الحداثي الموقع بإيقاعات المد والجزر والتشاكلات الأجناسية.

نقتطع للناقد العراقي بعضا من تقديمه للمجموعة، إذ يقول: [الاستهلال في القصة بداية محفزة للقارئ وعلامة اصطلاحية يستعان بها في القص، لتوصيل دلالات توضيحية لما يريده القاص في مساعدة القارئ لرسم صورة بينة وواضحة لموضوع القصة.

ولعله من أهم الأشياء التي يمكن أن تجذب القارئ بعد العنوان، للاستمرار في القراءة.كذلك يعتبر الاستهلال البوابة للدخول إلى عالم القصة، وفي الوقت ذاته هو إبداع لنصوص موازية لجسد القصة.وقد صورت لنا المقدمة أو الاستهلال الذي ابتدأت به الكاتبة خيرة جليل لقصتها "سر يعلمه الرجال فقط " مدخلا لطيفا ومحفزا لينفذ من خلاله القارئ إلى تيمة القصة، وكانت إشارة جميلة تعبر عن قدراتها الإبداعية ومهاراتها اللغوية].

حاولت خيرة جليل من خلال مجموعتها التي بين أيدينا، ترتيب زخم الأوراق الحياتية في اختلاطها مابين المجتمعي والعقدي والوجودي، بحيث استطاعت تقديم مقاربات جديدة لمتتالية من الظواهر التي تمس الحضور الأنثوي بشكل مباشر، فأسهبت في جرد فلسفي يدحض كتلة من المفاهيم المغلوطة التي كرّستها الذاكرة الرجولية، إزاء الوجود الأنثوي.

فناورت بالعاطفي موبخة راهن الاغتصاب، وصاغت المواقف الملتزمة المتجذرة في ثقافة الانتماء والذود عن أقدس القضايا العربية والإنسانية، ونهلت من خلفيات التواصل الألسني، ضمن سياقات إنسانية صرفة، كما هو الشأن بالنسبة لقصة تهديها لروح الإيرانية ريحانة التي أعدمت لأنها قتلت مغتصبها، على حد تعبير صاحبة المجموعة.

تقول: [بكت وانهارت لكنها استجمعت قواها وكافحت ونجحت وتخرجت محامية وعزفت عن الزواج لأن ذلك الرجل ما هو إلا ذئب يقتنص لحظات نزواته في نظرها . مرض وانهيار صاحباها طيلة حياتها، لم تستطع التحرر منه لأنها ترى أن قصتها تتكرر كل يوم أما عينيها، والمساطير القانونية معقدة ولا تساير تطور الجرائم . والمغتصبون يجتهدون في اقتناص الثغرات القانونية. عادة ما يكون القناص في هذه الجرائم قد درس خطته لاستدراج الضحية بحبكة وذكاء حتى يضمن لنفسه الخروج من القضية كخروج شعرة من العجين، بكل براءة تامة ويطالب بتعويض مادي لجبر الضرر النفسي والمعنوي له إن جرته الضحية أمام القضاء بالمحاكم](1).

إن ذلك التنويع في المواضيع التي تكتب عالما موازيا، تتنفس من شقوقه الذات المبدعة أفقا للرقي بهوية الأنثوي، وحضور المرأة المختنق براهن أبجديات قوامة النوع الآخر، من زاوية إقصائية، لا تكميلية محققة لأضرب التلاقح والتفاعل والتناغم.

ومثله من ميكانزيمات آثرت خيرة جليل، استحضارها في بث طقوس هذا المنجز، لهو من ابرز ما يُحسب لها بكل تأكيد.

نقتطف لها قولها، أيضا: [إنهم يقتلون الأطفال مثلك لأنهم رمز المستقبل، إنهم يقتلون النساء لأنهم رمز الخصب والعطاء واستمرار المقاومة ، إنهم يقتلون الشباب لأنهم روح المقاومة، إنهم يقتلعون أشجار الزيتون بعد أن قطعوا عنها مياه الري فقررت أن ترتوي بدماء الشهداء وتنتج زيتونا تسيل زيته لتصنع قناديل المقاومة حين يقطعون عنهم الكهرباء، ويصنعون منه مرهمات حين تحرق جلودهم بنار القذائف](2).

إنها طاقة التخييل الذي يثري النفس الردي في التحامه بخطاب فروسي حماسي تحريضي، حتّى في غمرة السمو عن الواقعي، هناك ترجمة ما، يدشنها مثل هذا الانخراط في مستويات رمزية للمفارقة، وكأني بالقاصة تحرّض من ينفقون " فحولتهم" في غير محلها، استئسادا على المرأة العربية عموما، عليهم توفير ذلك وتوظيفه في أرض المقاومة ضد السياسة الصهيو/ أمريكية، والوقوف الفعلي في صف الشهداء ومن نذورا حياتهم للدفاع عن قضية العرب الأولى : فلسطين وأرضها وشعبها المضطهد.

نقرأ لها كذلك: [بعد أن قضى وطره منها تمدد بنشوة وحبور في سريره بينما هي قامت واقفة بعد أن كانت جالسة على الطرف الآخر للسرير ..مد يده فأغلق هاتفه النقال وأشعل سيجارة من النوع الممتاز ليمتص دخانه إلى آخر نفسه وينفثه بارتياح نحو سقف الغرفة الفخمة بهذا الفندق المصنف من درجة خمسة نجوم.

التفت نحو عشيقته ليدعوها بغنج ودلال، بينما هي عائدة من الحمام تلف نصف جسدها الأسفل بفوطة بيضاء ناعمة ونصفه الأعلى يتصاعد منه بخار الماء الساخن وقطرات الماء مسترسلة من أعلى وجهها نحو أسفل ذقنها لتسقط على نهديها العاريين](3).

هي ذي حواء في إحدى تجليات الغواية، ما أكملها وأقواها حين تفهم على أنها أبرز العناصر المحققة للتوازن والتكامل والتناغم مابين النوعين، بحيث لا تجنى قطوف ذلك بسوى الطواعية والتراضي ونبذ وصايا الذاكرة المضغوطة بتاريخ الاستبداد والهيمنة الذكورية.

إذ الأولى، وبعض تيمات المجموعة تعانق قضايا العروبة الأولى والمقدسة، نهج إستراتيجية تعيد للمرأة رمزيتها وحريتها وكرامتها وقدرتها على إنجاب الشهداء والأبطال، بدل استنساخ جحافل المتربصين بهوية الأنثوي، وكيف أنهم لا يألون جهدا في تلطيخ حضور النوع الناعم، بفحولة زائفة وفروسية مقنعة، تتغنى بالذاكرة الأصولية التي تهضم المرأة ابسط حقوقها وامتيازاتها.

بذلك تكون المجموعة، إلى حدّ ما، قد فاقمت أسئلة الأنثوي، وهيّجت بعض مفاهيمه في زمن تجاوز القضايا المقدسة المتوقفة على ثقافة الفحولة والفروسية العربية.

 

احمد الشيخاوي - شاعر وناقد مغربي

......................

هامش :

(1) مقتطف من قصة " ريحانة " صفحة26/27.

(2) مقتطف من قصة " عائدة إليك يا غزة " صفحة42.

(3) مقتطف من نص " لذة " صفحة 52.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم