صحيفة المثقف

للحمار ذيل واحد لاذيلان (1)

قصي الشيخ عسكرالمشكلة التي اتحدث عنها لم تكن تهمني في البدء إطلاقا، فنحن معشر الحمير لا نبالي بالشكل، ولا نشعر بالنقص لزيادة عضو في جسد حمار او نقصان عضو اخر.. تلك مشكلة الانسان نفسه، وعلى ضوئها حدثت مأساتي مع ذلك لا أنكر اني كنت ذات يوم محور احداث مهمة خطيرة استمرت فترة غير قصيرة.

المشكلة، أقول ذلك من باب المجاز، اذ لا تعد مشكلة بمفهوم الحمير، ان صاحب هذه الاعترافات ولد وله يذلنا، وانا هنا أسجل الحقيقة من دون زيادة او نقصان، فأقول:عشت سعيدا في المرج الواسع مع مجتمعي واترابي، وهو أشبه بغابة آمنة من شرور الحيوانات المفترسة، نتقاسم ما نجده من حشائش طول اليوم من غير نزاع او مشاجرة.

اعتقد اني لو كنت بشرا ولي ثلاث أياد، او ارجل، او ثلاث عيون لكنت مثار سخرية وهجاء، اما هنا في مجتمعنا فكنت أعيش دونما احراج، الشكل لا اثر له مطلقا في شخصيتك، الانسان نفسه يحاول الان ان يزيل الفوارق الطبقية والعنصرية، اي يروم الوصول الى مرحلة تجاوزناها نحن قبل آلاف السنين. طبعا نحن لا نرضى بالتشبيه الأدنى. لو ان حمارا سب اخر وقال له: انت إنسان، فتلك طامة كبرى، قد تصل الى الركل والرفس ولا اكثر من ذلك.

على أية حال كنت اشعر بإحراج من نظرات الناس .يأتون الى المرج في فصل الربيع للسياحة فيتركون بقية الحمير ويتجمعون حولي. أجدني مضطرا الى مجاراتهم: احيانا أحرك الذيلين معا، او أهز ذيلا واحدا فقط، مع العلم اني كنت اضحك منهم في سري.

كانت تصرفات بعض الناس مؤلمة لنا الى درجة تجعل اي حمار يفقد صبره الذي انحدر اليه بالوراثة، وفي مقدمة هؤلاء: الصبيان وبعض الشباب المراهقين . انهم يبتكروا وسائل مختلفة لتعذيبنا، لو فكرت بالطرق الخبيثة التي يخترعها أطفال البشر لتعذيبنا، لوقفت عاجزا حتى يراودني اعتراف خطير او قرار بان الجنس البشري اكثر ذكاء منا.

في احدى المرات رأيت مجموعة أطفال تسير خلف زوجتي، وبيد احدهم عصا طويلة.ظننت الامر عاديا، فالضرب لا يؤلمنا كثيرا، بل اعتدنا عليه الى ابعد الحدود . المهم رحت أراقب مجموعة الأطفال حتى اقتربوا مسافة كافور فيها آمنين من أية ركلة، عندئذ ادخل كبيرهم عصاه في موخزتها . حين احست المسكينة بالالم رفعت رجلها ترفس الهواء .كان الأطفال يضحكون، وكلما ابتعدت الاتان أعادوا الكرة مرة ثانية. المنظر جعلني افقد أعصابي .لعلني قررت وكلهم بكل قوتي، غير انهم انفضّوا مسرعين عندما رأوني مقبلا، وفي عيني حمرة الغضب.

فهل اكون مخطئا متحيزا اذا قارنت بعد ذلك بين أطفال الحمير الجميلة الوادعة التي لا تؤذي سواها واطفال البشر البشعين الذين تعودوا على العنف والخشونة.

***

قُصي الشيخ عسكر

........................

ملاحظات:

أودّ الاعتذار لأصدقائي في المثقف عن انقطاعي فترة في التواصل لظروف خارجة عن ارادتي كذلك اعتذاري لصحيفتناالراقيةالمثقف.

رواية للحمار مطبوعة في كتاب مصادفة عثرت عليها في مجموعة كتبي المهملة القديمة لذلك انتقلت صفحتين منها اي ورقة على الآي باد وطبعا هذا الجهاز يهمل همزتي الوصل والقطع والشدة وغير ذلك.

* رواية صادرة  عام ١٩٩٢عن دار الحضارة بيروت

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم