صحيفة المثقف

سرب الفراشات ..

علي صالح جيكورالى روح صديقي الشهيد علي مبارك،

بالأمس مرت ذكرى رحيله الرابعة والثلاثون

***

قال لي ونحن نجوب الشوارع والحدائق في ظهيرة نيسانية دافئة: تعال نقتل قطة..

قلتُ: لماذا؟

قال: لأنها أكلت حمامتي الأثيرة على قلبي!

وهل تعرف أي قطة كانت؟

ردَّ: لا، لا أعرف..

قلت: ربما ستقتل قطة غير التي أكلت الحمامة؟ قال: ربما..

قلت: وهل كانت جائعة، أم قتلتها لأنها عدوانية؟ قال: لا أدري!

قلت: لو تُهنا أنا وأنت في صحراء أو غابة وتقطعت بنا السبل وشارفنا على الهلاك من شدة الجوع، ثم لاحت أمامنا حمامات جميلة، هل سننقض عليها ونأكلها، أم لا؟ قال: بلى..

قلت: إذاً هيا بنا نطارد الفراشات، قال هيا..

جرينا خلف الفراشات طويلاً ولم نصطد أي واحدة، إرتمينا على العشب، سألني: هل قتلت يوماً فراشة؟

قلت: أبداً أبداً..

قال: لماذا تطاردها إذاً ؟، قلت: لألمس جناحيها الغضّين وأتأمل شكلها وألوانها ومن ثم أطلقها في الفضاء.

قال: وهل حدث أن تلفت أجنحتها الغضة بين يديك؟

رددت بحزن: بلى حدث، لكنها لم تمت..

قال: لنتفق من هذه الساعة أن لا نقبض على الفراشات ولنتأمل جمالها وألوانها وهي تُحّوم حول الزهور من بعيد، قلت: إتفقنا

ومن يومها لم يفكر هو بقتل قطة، ولم أفكر أنا بلمس فراشة..

كبرنا وكبرت محبتنا، طرقت باب دارهم الكائن في بداية الزقاق، كالعادة قبل ذهابي الى بيتنا في إجازتي الدورية.

فتحت لي الباب، إبنته البكر، سناء، التي دخلت ذلك العام صفها الإبتدائي الأول..

أين أبوك؟

قالت: مات ..

ضحكتُ ومددت يدي في جيب سترتي العسكرية، أخرجت قطعة حلوى، خذيها يا سناء،

ضمت كفيها الصغيرتين الى ظهرها وهزت رأسها بالرفض..

قلتُ: والآن أخبريني، كيف مات أبوك المشاغب؟

قالت: أعدموه في الساحة التي خلف مدرستنا، وجدتي أعطتهم ثمن الرصاصات!

ضحكت بصوت عال ومددت رأسي خلف الباب، قلت:

أخرج يا صاحبي وكفَّ عن هذا المُزاح الثقيل !

تناهى الى سمعي نواح أمهُ في الداخل ونشيجها المبحوح..

تسارعت دقات قلبي وسقطت الحقيبة من يدي، تطلعت بالطفلة، يا ويلي، كيف لم ألحظ إنكسار اليُتمْ في عينيها؟!

أعادت ما قالته لي باكية: عمو، بابا مات، أعدموه في الساحة التي خلف مدرستنا، وجدتي دفعت لهم ثمن الرصاصات!

حملتها بعنف ولوحت بها مثل دُمية نحو السماء، ثم صرخت:

يا أأأأأنت الذي تقبع هنااااااااااك، كيف تسمح للصغار بأن يتفوهوا بهذا الكلام الكبير؟!

ظل موت علي غصة في قلبي وكابوساً لايفارقني، رأيته آخر مرة في منامي، كان صغيراً، يركض وفي يده شبكة، يطارد بها سرب فراشات.

 

علي صالح جيكور

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم