صحيفة المثقف

حفتر يأمر بإسقاط حكومة الوفاق وتركيا تهدد بالتدخل العسكري لإنقاذ حلفائها!

بكر السباتيندخلت حكومة الوفاق التي يتزعّمها فايز السراج في مأزق استراتيجي كبير إزاء ما يتهدَّدها من خطر داهم من قبل المشير خليفة حفتر، رغم أنها تمتلك الشرعيّة الدولية التي تخولها بتسيير أمور البلاد على صعيد دولي ومن ذلك إبرام الاتفاقات الدولية وغيرها من الشؤون البينية؛ ومكمن الخطورة أن هذه الحكومة تفتقر إلى جيش نظامي فيما تعتمد فقط على الجماعات الإسلامية المسلحة، والتي نشأت كما يدعي الخصوم في عباءة الإخوان المسلمين، وهي شرعيّة غير مستقرة يحاول المشير خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات، ضربها عسكرياً في العمق من خلال التقدّم بقوّاته إلى طرابلس؛ لذلك أعلن حفتر بصفته القائد العام للجيش الوطني الليبي الذي يتكون من كتائب السلفية المدخليّة وبقايا كتائب القذافي ومرتزقة أفارقة، يوم أمس الخميس، بِدء المعركة الحاسِمة والتقدم نحو مدينة طرابلس، ودعا قواته المتقدّمة بالالتِزام بقواعد الاشتِباك قائلًا: “اليوم نعلن المعركة الحاسمة والتقدّم نحو قلب العاصِمة” إلى أن قال: "دقّت ساعة الصّفر".

وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها حفتر عن ساعة الحسم، وقد وعد أنصاره بالنصر في أيام قليلة منذ ثمانية أشهر، ومازال يراوح مكانه.. وهذا لا يعني أنه غير جاد في استهداف حكومة الوفاق عسكرياً، ما دام سيتلقى دعماً إقليمياً قوياً، لا بل ستكون لديه ورقة قوية ليشارك بها في مؤتمر برلين المزمع عقده منتصف الشهر الجاري، لذلك حذر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة السبت الماضي السابع من ديسمبر2019، قائلاً بإنه يمكن أن يكون هناك "حمام دم" في ليبيا في حال فشل المؤتمر الدولي المقبل في إرساء الاستقرار في الدولة التي مزقتها الحرب وخاصة بعد تبادل طرفي النزاع الليبي القصف بالطائرات المسيرة.

من جهة أخرى ندد مسؤولون سياسيون وعسكريون في حكومة الوفاق الوطني في ليبيا بالدعم العسكري المصري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في هجومه على العاصمة طرابلس المستمر منذ أبريل الماضي، وذلك بعدما أظهرت صور نشرتها وحدة إعلامية تابعة لقوات حفتر مدرعات مصرية-أميركية الصنع تستخدمها قوات حفتر في الحرب على العاصمة.

وقال عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر إن وصول مدرعات مصرية أميركية جديدة إلى حفتر يعتبر تصعيدا خطيرا للأزمة الليبية.

وأوضح الشاطر في حديث للجزيرة نت أن هذا الدعم المصري يهدف إلى إحلال أمر واقع قبل انعقاد مؤتمر برلين، لاقتراح صيغة سياسية للخروج من التوتر الذي يسود المشهد الليبي.

من هنا يمكننا القول بأن المصالح بين حفتر وحلفائه، وخاصة مصر، التقت بعد الإعلان عن الاتفاق البحريّ الذي وقّعته حكومة الوِفاق برئاسة فايز السراج مع نظيرتها التركيّة، وهي اتفاقية تقسم شرق المتوسط الغني بالغاز بين البَلدين. من هنا يمكن فهم إصرار حفتر على إسقاط حكومة السراج بدعم مصري معلن.

وعليه فإن الدعم العسكري المصري لقوات حفتر أخذ يتبدى في شريط فيديو نشره الإعلام الحربي التابع لقوات حفتر، ظهرت فيه دبّابة من نوع "تاغ تيرير" المصرية- الأمريكية الصنع كما أشار إليه الشاطر، وجاء هذا الظهور رداً على تهديدات تركية جادة بالتدخل العسكري بغية إنقاذ حكومة الوفاق الليبية.

وقد نجحت الدبلماسية المصرية في تحريض حلفائها الإقليميين الذين يكنون العداء لتركيا، لمواجهة الموقف التركي الليبي المشترك، الأمر الذي أخذ بالحسبان من قبل تركيا؛ لذلك أعلنت عن دعمها العسكري لحكومة الوفاق، وخاصة أن اللعبة أخذت دوائرها الإقليمية تنداح لصالح الموقف المصري المؤازر لحفتر من خلال نشوء تحالف جديد مناهض لتركيا في شرق المتوسّط ويضم اليونان وقبرص ومِصر والكيان الإسرائيلي وإيطاليا والسّلطة الفِلسطينيّة فيما حشر الأردن فيه رغم بعده عن منطقة الصراع البحرية.. تحت عنوان "مُنتدى غاز شرق المتوسّط" حيث تم استبعاد تركيا على اعتبار أنها تتدخل في منطقة ليست من شأنها، وأن التذرع بحماية حقوق القبارصة الأتراك لا يمنحها الحق في التنقيب عن الغاز فيها. والمستهجن في هذه التداعيات المتأزمة أن خصوم تركيا الأشد في معادلة الصراع على المياه الإقليمية شرق المتوسط، سوريا ولبنان قد رفضتا الانضِمام إلى هذا التحالف لسببين:

أولهما أنه في ظاهره يبدو صراعاً على الغاز الذي يمثل الثروة المستقبلية المضمونة لدول العالم، بينما في باطنه عسكري.

وثانيهما أن الكيان الإسرائيلي يعتبر لاعباً أساسياً في هذا التحالف وخاصة أن مصر أخلت له المنطقة بتنازلها عن إحدى الجزر لصالح اليونان ما يعني أن الكيان الإسرائيلي صار على تماس مع الحدود المائية المشتركة.. وهذا بدوره بات يشكل خطراً داهماً على تركيا كأنه ورم سرطاني ينمو في الخاصرة التركية لا يعالج إلا بالاستئصال.

هذه حرب ضروس منتظرة، ومصر أقحمت نفسها فيها رغم خروجها من المنطقة بإرادتها، ومن الطبيعي أن تركيا ستكون جادة في تهديداتها وهو ما يأخذه حفتر بالحسبان، ولولا مؤازرة حلفائه وتهيئة الأجواء الإقليمية لذلك ورغبته في فرض نفسه على مؤتمر برلين المقبل، لما أعلن عن نيته في إسقاط حكومة الوفاق وضرب التحالف الليبي التركي في العمق! ومن هنا يأتي الرهان على حصول المواجهة التي لا نتمناها للشعب الليبي الذي أنهكته فواتير الحرب الأهلية الطاحنة حيث تحولت في أتونها ثروات ليبيا إلى نقمة على الشعب الليبي المغبون.

 

تحليل استراتيجي..

بقلم بكر السباتين..

13 ديسمبر 2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم