صحيفة المثقف

لا تنتظري الخلاص

عاطف الدرابسةقلتُ لها:

ليتَ ليَ طريقٌ تأخذُني إلى الطَّريقِ، سألتُ قلبكِ الذي أغلقَ أبوابَه عليَّ: متى يفتحُ الطَّريقَ لجسدي حتى يتنفَّسَ؟ متى يفتحُ المَهاربَ لدمي السَّاكنِ الذي تجمَّعَ منذ سنينَ، في مستنقعاتِ هذا البلدِ، ولم يتنفَّسْ؟ هذا الدَّمُ الصَّامتُ كأنَّه في بئرٍ تُشبهُ مغارةً سحيقةً، أمَا آنَ له أن يثورَ؟ أن تخرجَ منه مخالبُ وأنيابُ؟

يا حبيبةُ:

أجسادُنا تنحني، ثمَّ تتجمَّعُ على نفسِها، كأنَّها صحونٌ لخِرافٍ مشويَّةٍ، أو محشيَّةٍ تُوضعُ على موائدِ المالِ، والسُّلطةِ، والقهرِ، والفسادِ .

يا حبيبةُ:

سئمتُ من النَّومِ في هذا السِّجنِ الكبيرِ، هذا النَّومُ أُحسُّه أبديَّاً، كأنَّه الموتُ، ليسَ لديَّ من النُّعاسِ ما يكفي، لأبقى نائماً إلى الأبدِ، ليس لديَّ من النَّحيبِ ما يكفي، لأُمارسَ طقوسَ البكاءِ على ما ماتَ منِّي ومنكِ .

يا حبيبةُ:

ألجأُ إليكِ لتُطلقِي يدي، كي أطويَ صفحةَ هذا الظَّلامِ، فقد سرقوا من عمريَ الفجرَ، والأصيلَ، والشَّفقَ .يا حبيبةُ:

أرجوكِ أن تفتحي عينيكِ، وتُطلِقي سراحَ الضُّوءِ، ليُمارِسَ طقوسَ العبورِ .

يا حبيبةُ:

أصغي معي إلى صهيلِ الوقتِ، كأنَّ الوقتَ جسدٌ، واسمعي ما يقولُه الرَّعدُ للجسدِ، وانظري إلى تلكَ الرِّيحِ كيف تقْدَحُ الشَّررَ، أصغي معي إلى صوتِ الحجرِ، وهو يُصلِّي لسماءٍ بلا سماءٍ، لأجسادٍ لا تقوى على الحِراكِ، لآلهةٍ كلَّ يومٍ بكتابٍ، وكلُّ كتابٍ لا يُشبهُ الكتابَ، لا تنتظري الخَلاصَ، فالقلوبُ المالحةُ لا تقوى على الخَلاصِ، والأرضُ التي لا تفتحُ أبوابَ ترابِها للشَّمسِ، ستبقى عقيمةً، عاقراً، إلى الأبدِ، مهما غمرَها الماءُ .

***

د.عاطف الدرابسة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم