صحيفة المثقف

الفساد في الجزائر.. المواجهة الكبرى

علجية عيشبعد 12 ديسمبر..هل بقي مجال لتغطية الشمس بالغربال؟

جزائر اليوم لم تعد جزائر الأمس، عشرون سنـــــ 20ـــــة أو أكثر انقطعت فيها الصلة بين الشعب والحاكم، نصبت السلطة نفسها بنفسها في انتخابات مزورة، وادّعت الشرعية، هذه السلطة التي تحركها أيادي خارجية تنكرت للمعارضة، ولم تفتح معها حوارا جادا، لإرساء مشروع المجتمع، ولكن بعد إجراء الإنتخابات هل سيواصل الرئيس الجديد محاكمة المتورطين؟، وهل سيترجع المال المنهوب؟، أي القضاء نهائيا على الفساد وإعادة الثقة للشباب، ما يفهم من تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت بلغة الأرقام، فإن الجزائر لن تتخلص من التقشف حتى 2022، وهذا يعني ان هذه الأموال لن تسترجع في الوقت الحالي ومحاكمة العصابة مؤجل إلى إشعار آخر

هل ستسكتُ الإنتخابات الرئاسية صوت الحراكيين؟ أم ستكون الإستمرارية؟ هل ستُوقِفُ العدالة محاكمتها للعصابة ويكون هناك عفو شامل؟ أم أن المحاكمات مستمرة؟ هل ستسترجع الأموال المنهوبة؟ هل سيعاد الإعتبار للشعب؟ ومتى يتحقق التشبيب؟ وهل يحقق الرئيس الجديد العدالة الإجتماعية؟ أسئلة تطرحُ بجديّة بل وجب أن توضع تحت المجهر، الفساد ليس وليد اليوم بل هو مُعَشَّشٌ منذ بداية الأزمة في 1988 أو قبل، أي منذ تسميم الرئيس الراحل هواري بومدين، أو منذ صيف 1962، وقد أفرخ وعمّر كما تفرخ الخلايا السرطانية لدى مريض السرطان وتعمر، وحين تحدث المضاعفات ويصل المريض إلى مرحلة الـخطر( metastase ) يصعب علاج المرض واقتلاع الخلايا من جذورها، كذلك بالنسبة للفساد، لقد بلغ الفساد في الجزائر القمّة، وأصبح يمثل عائقا كبيرا أمام النمو الإقتصادي، لأن العصابة أتت على كل شيئ ولم تترك شيئا.

لقد أثببت الدولة فشلها في محاربة الفساد، لأن الغالبية العظمى متواطئة، ومشتركة في عمليات النهب، أفقرت الشعب، جردته من سيادته، جعلته يتسوّل ويأكل من القمامة ويموت لأنه لم يجد المال للعلاج، جعلت الشباب يغرق في وحل المخدرات أو يموت وسط الأمواج من أجل الإنتقال إلى الضفة الأخرى، نعم فشلت الدولة في محاربة الإنتهازية والمحسوبية (بن عمّيس) والرشوة، ولم تضع حدًّا للولاءات في توزيع السكن، ومناصب الشغل والمراتب والترقيات التي تعتبر التربة الخصبة لتفريخ الفساد، انتشر الفساد وتسلل إلى باقي جسم الدولة، تلوث الدّم ولم تعد رئتا البلاد قادرة على التنفس، لأنها محاصرة بكل انواع الفساد، الفساد الإقتصادي، الفساد السياسي، التربوي، الفكري والثقافي والفساد الإعلامي وحتى المؤسسة الدينية تسيست وتراجعت عن أداء دورها، لم تأخذ تلك القوى الفاسدة وهي تمارس دكتاتوريتها في حق الشعب العبرة من العشرية السوداء، حاربت الإرهاب ونسيت أنها الإرهاب نفسه، فكان على الحراك الشعبي ان يقف في وجه المتاجرين بآلام الشعب ودمائه التي سالت طيلة العشر سنوات الماضية.

لقد استباحت تلك القوى السياسية الخبيثة المال العام وعاثت في الأرض فسادا، فكان على الحراك الشعبي في الجزائر إلا المواجهة العلنية، عن طريق التظاهر،كان يوم 22 فبراير 2019  بداية ثورة شعبية سلمية لا رصاص فيها ولا سفك دماء، خرج الجزائريون إلى الشارع في مسيرات سلمية، صوتهم سلاحهم، رافعين العلم الجزائري، المهمة صعبة والطريق محفوفة بالمخاطر " مْشَوْكَة" ولم تكن مهمة رجل واحد، بل "جماهير" حملت على عاتقها المسؤولية وتحملت الأعباء من أجل فضح المتورطين في الفساد، لم يعد شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام " مجرد شعار، بل تحول إلى ثقافة إلى موقف، ثم إلى ثورة شعبية قادتها الجماهير عن وعي بالقضية في كل شوارع البلاد من شيوخ وشباب نساء وأطفال استغنوا عن طفولتهم، أبوا إلا أن يتحملوا المسؤولية وهم صغار.

نعم.."رؤوسٌ قد أينعت وحان قطافها" العبارة الشهيرة التي رددها الحجاج بن يوسف الثقفي، تحمل في طياتها معاني كثيرة وقد يختلف تفسيرها من شخص لآخر، لكن كان على الدولة أن تقضي على رؤوس الفساد منذ ولادته، أن تقطع نفسه، وأن تقص رجليه ويديه، وتشل فكره، لكن السياسة المتبعة التي اعتمدت تغطية الشمس بالغربال والتكتم والتواطؤ وراء تأزم الوضع في الجزائر، وكان مشروع العهدة الخامسة ومرض الرئيس أيقض الشعب من سباته، وأحيا فيها الضمير الوطني، هذا الشعب الذي كان مخدرا باسم المصالحة الوطنية ولا يعلم لما يخطط من ورائه، الفضل يعود ليقظة الشباب، هذا الشباب الذي خاطب السلطة بالقول: "ماتخوفوناش بالعشرية أحنا رباتنا الميزيرية"، وهذا تعبيرا عن إيمانه بأن الجزائر في حاجة إلى نفس جديد، باقتياد رؤوس الفساد إلى المحاكمة، كنّا نظن أن قطار الشباب - قطار الثورة- قد انطلق، وأن مشروع التغيير والتشبيب سيتحقق لا محالة، وأن جزائر 22 فبراير 2019 ستضع رجلها على طريق الديمقراطية، حتى المؤسسة العسكرية انحازت إلى الحراك، وعندما نقول الحراك أي مطالب الشعب بضرورة إسقاط العهدة الخامسة ومحاكمة العصابة ثم استرجاع المال المنهوب.

وكعينة فقط كان ملف الكوكايين أول الملفات التي تكشف عن مساوئ النظام، وبه تم الكشف عن تورط أسماء ثقيلة في الدولة يشغلون مناصب عليا وفي وزارات سيّدة، وتبعه ملف استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وباستقالته اقتيدت رؤوس كبيرة إلى المحاكم، رؤوس كانت في السابق يحسب لها الف حساب، لا أحد يجرأ على اتهامها، كان لمحيط الرئيس دور كبير في جعل بوتفليقة مجرد دمية يحركونها كيفما شاءوا، مستغلين مرضه الذي اقعده عن الحركة، يتكلمون باسمه ويتخذزن القرارات باسمه أيضا، ويوقعون مكانه، من قال ان رجل مثل أويحي أو سلال ستكون نهايتهم السجن وأسماء أخرى محسوبة على حزب يمثل القوى السياسية الأولى في البلاد، هؤلاء الذين أساءوا لجبهة التحرير الوطني وشوهوا صورتها، رفعوا شعارات مزيفة (حقوق الإنسان، المواطنة، العدالة، التغيير، الحكم الراشد..الخ) ولم يراعوا حقوق الشعب باعتباره مصدر السلطات في كل الدساتير.

جزائر اليوم لم تعد جزائر الأمس، عشرون سنـــــ 20ـــــة أو أكثر انقطعت فيها الصلة بين الشعب والحاكم، نصبت السلطة نفسها بنفسها في انتخابات مزورة، وادّعت الشرعية، هذه السلطة التي تحركها أيادي خارجية تنكرت للمعارضة، ولم تفتح معها حوارا جادا، لإرساء مشروع المجتمع، والسؤال الذي يتجدد هنا هو: بعد إجراء الإنتخابات هل سيواصل الرئيس الجديد محاكمة المتورطين، وهل سيتم استرجاع المال المنهوب، أي القضاء نهائيا على الفساد وإعادة الثقة للشباب، ما يفهم من تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت بلغة الأرقام، فإن الجزائر لن تتخلص من التقشف حتى 2022، وهذا يعني ان هذه الأموال لن تسترجع في الوقت الحالي ومحاكمة العصابة مؤجل إلى إشعار آخر، صحيح انتخبنا ومنحنا صوتنا للجزائر لا للأشخاصن،لكن وجب إظهار الحقيقة للشعب، لو أحصينا عدد الذين خرجوا في الحراك الشعبي وتزايد عددهم منذ 22 فبراير إلى غاية 12 ديسمبر ومقارنتها مع عدد الناخبين نقول ان الإنتخبات فيها ضبابية، لأن أغلب الجزائريين لم يذهبوا إلى صناديق الإقتراع، بدليل نقص الإقبال، أم أن هناك خيانة داخل الحراك؟، إذا قلنا أن في الجزائر لا توجد معارضة حقيقية، وإن وجدت فهي معارضة شكلية.

و إذا كنا نعتقد أن الحراك الشعبي على حق ونحن نقف معه في بعض المسائل ونؤيده، لكننا ذهبنا مهرولين إلى صناديق الإقتراع وانتخبنا، فهل نحن إذن خنّا الحراك وخنّا الأجيال القادمة؟، في كل هذا وذاك نحن انتخبنا من أجل السلم والإستقرار وحتى لا نترك الأعداء يضحكون علينا، أما أن الإنتخابات مزورة أم نزيهة، التاريخ وحده يحكم ومع الوقت تنكشف الحقيقة، ما يمكن قوله في الأخير حتى وأن استطاع تبون (في حالة ترسيمه رئيسا بصفة نهائية وأدائه اليمين الدستورية) أن يحل كل المشاكل الداخلية ويخرج الجزائر من الأزمة، ويبني دولة تنبثق من أماني الشعب وإرادته، ويستجيب لمطالبه التي نادى بها قبل وأثناء الحراك ويتبناها تبنيا ملزما وعمليا، فهل هو قادر على استرجاع صورة الجزائر دبلوماسيا ويعمل على ترقية السياسة الخارجية، لمناصرة المظلومين في العالم ويتعامل مع الوضع الدولي الحالي تعاملا إيجابيا سياسيا وحضاريا؟، لأنه من الطبيعي أن يكون لأخلاق الحاكم المسؤول (الكذب، الغش، السرقة وربما الخيانة أيضا)، فكره وثقافته أثر في سمعته بين شعبه وبين الشعوب الأخرى، طالما أثر هذه السمعة ومدى فعاليتها كما يقال يختلف في رفع زعيم أو إسقاطه بين إقليم عربي وآخر.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم