صحيفة المثقف

اهديته طوق ياسمين

نشرت الشاعرة ميساء زيدان في دارة العرب الغرا، قصيدة حملت عنوان: اهديته اطوق الياسمين. وقد اوردته بهذه الصيغة التركيبية وما لهامن جمالية المضاف والمضاف  اليه ذات الدلالة ثرة،عارفة بما للعنوان من اهمية للنص فهو ثرياه وعتبته ومفتاحه، والدليل على ما اشتمل عليه من رؤى وافكار، وما ضم من جماليات المحسنات البديعية من استعارة وتشبيه وصور شعرية، منحت النص روحا ابداعية متميزة، فعنوان القصيدة مثقل بدلالته الاحتفالية والتكريمية، وهو يوحي بالتعدد والكثرة، وفي الوقت ذاته نفى عنه بالاضافة الى الياسمين الذي هورمز الجمال والخضرة والتفاؤل حتى غدا شعارا وبطاقة تعريف.

اختارت الشاعرة لقصيدتها وزنا عرف بالرصانة والحماسة وتمكنه من عرضه للافكار والمعاني الفخمة، وهو من بحر البسيط، بموسيقاه الجليلة وافقه الرحب،

لايزال وسيبقى الحب من اسمى المشاعر الانسانية التي تتغنى بالخير والتضحية والوفاء، وهو الذي يعلم المرء فضيلة الوفاء، لذلك يممت الشاعرة شطره لتبث لنا رؤاها، وهي مابين نجوى وخطاب الى من تحب ذلك الذي استحوذعلى وجدانها واحاسيسها ومشاعرها، فاعطت حبيبها ذلك الحبيب الذي جمع من الخصال ماجعلته سلطانا على النفوس المحبة، من غير مواربة، اعطته قلبهاوحبها وعشقها  بمحض ارادتها، لاعن خوف ولاطمع بل بايمان بحقيقة المحبوب واهليته، احبته بمشاعرها واحاسيسها، اشعل حبه نيرانه في وجدانها واعملت صبابته في روحها، فهامت وتولعت به

اعطيته القلب لاخوفا ولا طمعا    الا صبابة هيمان به ولعا

 

 

وعندما شعرت بانه يبادلها الحب، ويمنحها حمايته ورعايته، ضاعفت حبها وخوفها عليه  الى حد الذوبان فيه، والاستعداد لتقدم له كل مايريدمنها، ولو كان ذلك فوق طاقتها، فهي لوحمّلت حبها على جبل لخر منصدعا، وهي هنا توظف قوله تعالى (لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله)

حملته الحب اضعافا  مضاعفة    لو حملت جبلا لاندك وانصدعا

وفجأة تلتفت الشاعرة وهي تمتلكها الحيرة والدهشة والخوف على حبيبها فيثور داخلها شجن واحساس عاشقة خائفة على من تملك روحها وهيمن على مشاعرها، فراحت بلا وعي توجه سؤلها لذاتها متسائلة عما يجب عليها ان تقول اوتفعل لو صرع الحبيب اومات

حيرى وياخذني احساس مشفقة     ما ذا اعلق لوهذا الفتى صرعا

وبعد ان كشف عن مدى خوفها وقلقها على مصيرحبيبها، تجنح الى شاطيء الطمانينة، وتحاول ان تهدأ من روعها، لكنها لاتنسى ما يعتمل في نفسه من دوافع وارادات فهي ادرى من غيرها بما يعانيه وهويعيش حالة الوجد كانه متصوف واصل في مسلكه، يكاد ينكشف له الحجاب، وهو مصر على الوصول الى غايته من غير ملل.

ادري بما فيه من وجد يؤرقه     يذويه لكنه ما مل اوجزعا

فهو يستمر في طريقه لاينهنه عائق او تصرعه كبوة، فهورغم كل المعاناة ثابت مثابر يدوس النكبات، وازورار الايام التي تحولت  الى مطحنة تطحنه طحنا، وهي تشبه حاله بحال من يشرب عللا من الارزاء كانه يكرعها كرعا، وهو صابر واثق من نفسه.

باق ومطحنة الايام تطحنه    علا تسقيه من ارزائها جرعا

ومحبوبها ذلك المارد الذي ينصدع الجبل من ثقل حبه وما تنال مطحنة الايام منه، فلم يعد يقدر على الصبر، فما جلب عليه من مصائب هد عزيمته واضعفه، مما جعل الهم ينفرد به ويجلب له ما ليس في طاقته مهم وافكار محيرة، وهنا لي وقفة من الشاعرة اذانها احدثت انكسار فيما بدأت به وما قدمته من صفات تدل على الكمال والصمود وما يمتلكه من قوة تجاوزبها العقبات، لكنها تصدمنا بهذا النكوص الذي لايتوافق مع ما قدمته انفا.، بيد ان موقنا هذا يتبدد عندما ننعم النظر فيما بعد هذا البيت من رؤى وافكار بحيث يتكشف لنا المشهد ان ما يانيه الحبيب هو ليس تراجع، بل هواستراحة محارب واعادة حساب.

ذاب عرى الصبر وانفلت عزيمته    واسرع الهم يرميه بما وسعا

وعندما ذابت عرى صبره، يركن هذا المحبوب الى الوحدة والانزواء في وسط الغربة ووحشة الطريق، فلم يجد متنفسا غير الاهات الموجعة واستذكار ما فات.

قفر لياليه لا انس يوحشته      يجتر في نفسه الاهات والوجعا

وكان سحابة صيف قدمرة عليه، وهو في حالك السواد الذي حل بساحته، لم يصبه الياس، وان كان القنوط امرا لابد منه، فهو يسترق في غفواته على قلتها، طيوف حب بعيد جدا،  تاتيه باسمة تحمل بشائرا وهدية كان في انتظارها، نورا واسعا يوميء الى فجر جديد.

الاطيوف هوى شط المزار به    تترى فتمنحه للفجر متسعا

وتعود الشاعرة لنفسها، معاتبة اوشاكية او مخبرة عن حالها، التي تشتتب  بعد ان غادرها الاحبة / الربع، حتى القلب خرج من مكانه باحثا عن غائب بؤرقه غيابه، ولم يعد القلب المعنى من رحلته الى مكانه الذي فارقه بين الاحشاء.

مذ غادر الربع اوضاعي مبعثرة والقلب غادر احشائي وما رجعا وها هي تتجه بامنياتها الى المقادير، راجية منها رغم انها تجاوزت المعقول في فراقه وتباعده، ان تحن وتعيد ما انقطع وتوصله مرة اخرى.

ليت المقادير اذ غالت بفرقته    عادت وقد اوصلت ما كان قد قطعا

وباصرار صادق وايمان راسخ وبحريتها اختارت حبيبها، وهي لذلك لاترضي باي بديل عنه، فهو قمرها الذي يضيء لها الدربفي حالك الليالي، وهنا تنبثق امامنا صورة رائعة تمثل حالها وتحلق بخيالها لتجود على المتلقي بالدهشة.

وهواختياري ولن ارضى به بدلا وبدري التم في وسط الدجى سطعا

ثم تلجا الى الدعاء مستنجدة به، وهي المحبة الصادقة، وهي تستعطف الدهران لايفرق الدهر بينها وبينه، فهو مصدرسعادتها وقد عاشت بتلك السعادة وامتع والسرور والحبور وهي تلوذبه.

لا فرق الدهر ما بيني وبين هوى عشت السعادة في عطفيه والمتعا

وفي عودالى صفات ذلك الفتى الذي اصبح رجلا ومن خيرة الرجال، _ فتى الفتيان_  هيبة وجلالة، وشموخ ووجاهة واحترام وقيادة فهو الذي يخضع له الجميع بحضوره.

زين الرجال فتى هيبته  ان طل في محضر كل له خضعا

فهو كهف امان للداخل في حماه  وينعم بطيب الحياة وديمومتها، فلاخوف ولا هلع بل امن وامان وسلام، ونلحظ في البيت تناص مع بيت المتنبي الذي يقول فيه (كلتا يدية غياث عم نفعهما  يستوكفان فما يعروهما عدم).

كلتا يديه نعيم دائم وحمى  في ظله ما عرفت الخوف والهلعا

وهو مع كل تلك الصفات التي تشير الى كماله، جواد كريم، شح بخيل، وفواضله تفيض الى الجميع، وهو جامع صفات اهل الجود والكرم، فكل ما قيل فيهم نجده فيه .

هو الجواد الذي فاضت فضائله عن كل ما قيل في الاجواد اوسمعا

وتواصل مناجاتها ودعائها الصادق وتسال بخشوع الله ان يمكنها ولو بشيء مما حباه من مواهب، حتى يزيد حبها الى المدى الاوسع.

سألت ربي شيئا من مواهبه  يزيدني في الهوى ما كان منع

وفي اخر المطاف تقف على رابية الذكريات، تستعرض متذكرة عمرها الذي قضته ضياعا بالحرمان والجوع، وينتابها وهي هيكلها ومحرابها وهي ترى حبيبها فتاها رجلها وقد عاد منتصرا شامخا وقد استعاد كل ما فقده عبر الصراع،اندفعت  تسعى نحوه بكل احاسيسها لتهديه طوقا من ياسمين

 

احمد زكي الانباري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم