صحيفة المثقف

كيف ينقذ عبد المجيد تبون الجزائر! ما بين الممكن والمستحيل

بكر السباتينالثورة المجزأة لا تحقق أهدافها لذلك لا بد من رؤية شاملة.. والمعالجات الترميمية لا تقدم حلولاً شافية ولا تؤسس لتنمية حقيقية. ولعل من أهم مقومات نجاح أي ثورة في العالم هو اعتمادها على النتائج التي تنسجم مع تطلعاتها. وفي الجزائر كان الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون أحد أهم مخرجات الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر ضد الفساد والظلم الذي نخر البلاد في كل الصعد.. بقي عليه أن يتحرر من تبعات الماضي حتى يؤسس لتجربة ثورية نهضوية جديدة تنسجم مع مطالب الجزائريين الذين لم يخلوا الطرقات والساحات بعد.

وقياساً على ذلك، ورغم أن فوز الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون جاء بأغلبية ضئيلة، إلا أن الجزائر في تقديري المتواضع مقبل على تغيير جوهري اعتماداً على ما شدد عليه تبون في أول كلمة له، واعداً بتغيير الدستور وإخضاعه لاستفتاء شعبي، ومحاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، والنهوض بالاقتصاد الوطني وهو كما قال "أولويته الحالية وشغله الشاغل".

ولكن حسابات البيدر غير حسابات الحقل، إذ لا بد من شروط أساسية تؤدي إلى نجاح مشروع تبون النهضوي الموعود من خلال تنمية شاملة في كل الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتمتين النسيج الاجتماعي الجزائري والحفاظ على وحدة البلاد ووضع أسس تكنوقراطية لتشكيل أية حكومة في البلاد للتعامل المجدي مع الملفات الجزائرية المتعطلة.

ولنجاح رؤيته الرئاسية، على تبون قبل كل شيء أن يعالج الأزمة الجزائرية دستورياً واقتصادياً.

فمن ناحية الدستور لا بد من مواجهة الكثير من الملفات بموجب دستور معدل يناسب المرحلة ويستفتى الجزائريون عليه، وعلى الرئيس الجديد أن يحدد في الدستور الجزائري المنتظر ما يثبت تحرره من عباءة منظومة بوتفليقة، من خلال تقديم حل سريع لمشكلة حكم "الأوليغارشية" المالية الفاسدة التي تضم نخبة فاسدة من رجال الأعمال التي أفرزتها الدولة العميقة..

وعليه فيمكن تبني المقترحين التاليين كخلاصة لما يتداوله الخبراء عبر المواقع المتخصصة؛ لتأسيس قاعدة تنموية جزائرية شاملة تأخذ في عين الاعتبار بنية الجزائر الفسيفسائية وتطلعاته إلى المستقبل الآمن.. والمقترحان هما:

أولاً: المقترحات الدستورية، وهي بلورة الوعود التي أطلقها الرئيس الجزائري تبون من وحي ما يجري في الجزائر ويمكن إدراجها في عدة نقاط على النحو التالي:

1 - معالجة ملف البرلمان الجزائري والاحزاب السياسية من خلال تغيير قانون الانتخاب الذي وضعه بوتفليقة لصالح المقربين من القصر الرئاسي "حكم الأوليغارشية المالية الفاسدة"

2- تثبيت الهوية الجزائرية وفق ثنائية منصفة.. وفتح باب الحوار مع كل الأطياف في الجزائر تحت عنوان:

الجزائر الموحدة فسيفسائياً بهوية عربية رسمية تمثل هوية البلاد بحكم الأغلبية العرقية العربية، وأمازيغية عاطفية تمثل اللغة الثانية والمكون الثاني لهوية الجزائر الفسيفسائية في كل الصعد. ومعالجة ما قام به بوتفليقة عام 2016 حينما شرع ثنائية اللغة دستورياً بدعم فرنسي الأمر الذي أدخل الجزائر في أزمة الهوية.. ولإنقاذ الموقف لا بد من جعل العربية هي اللغة الرسمية واعتبار الأمازيغية هي اللغة الثانية وتفعيلها على صعيد المعاملات الحياتية والثقافية غير الرسمية، حتى لا يسلخ الجزائر عن محيطه العربي مما يؤدي إلى فرض الانقسام في الجزائر كأمر واقع يغطيه دستور مشوه.. وبناء على ذلك الإفراج فوراً عن المعتقلين في الجزائر على خلفية الاحتجاجات المتضاربة بين القوميتين العربية والأمازيغية ومعالجة الأمر بالحوار القائم على ما يستفتى عليه شعبياً في الدستور الجديد المنتظر.

3- تحديد صلاحيات الجيش الجزائري وإبعاده عن مركز القرار السياسي، ومنع اتصال قادة الجيش بالأجندات الخارجية تحت طائلة القانون، وخاصة ثبوت اتصال الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري، ونائب وزير الدفاع الجزائري مع الإمارات التي تتهم بأنها تدعم المشروع الصهيوأمريكي التغييري في شمال أفريقيا.. وهذا لا يمنع من الإشادة به كونه حافظ على الدم الجزائري إبان ما تمر به البلاد من أزمات ما زالت مستفحلة.

4- فك الارتباط بالمشروع الفرنسي القاضي بترسيخ الفرنكوفونية في الجزائر التي يناط بها ترسيخ اللغة الفرنسية والارتباط جوهرياً بالثقافة الفرنسية وبناء العقل الجزائري وفق الرؤية البنيوية الفرنسية وهذا استلاب مخيف للشخصية الجزائرية.

5- عدم الاعتراف بالعدو الإسرائيلي والتطبيع معه حفاظاً على مكانة الجزائر في قلوب الشرفاء العرب.. وانسجاماً مع ما يريده الشعب الجزائري من خلال شعاراته التي علت هامات المتظاهرين.

هذا بالنسبة لتغيير الدستور توطئة للنهوض بالجزائر وحل مشاكله الجذرية تحت مظلة دستور يعيد تعريف الهوية وفق مقتضيات الواقع وتداعياته غير المبشرة.. ولكن تبقى هناك المشكلة الاقتصادية قائمة لأن التحكم بها يتم من خلال المعطيات المتاحة للحل والخيارات المتوفرة لمعالجة جذور الأزمة ودون الاكتفاء بالترميم الظاهري.

ثانياً: مقترحات اقتصادية تساعد في بناء الاقتصاد الجزائري النهضوي

اعتماداً على معالجة الملفين التاليين:

الملف الأول: ملف الفساد ومواجهة "حكم الأوليغارشية المالية الفاسدة"

وهذا الأمر يرتبط كذلك مباشرة بمواجهة الفساد الذي تضخم في البلاد مؤخرًا، وفي تقرير التنافسية العالمية 2017- 2018، احتلت الجزائر المرتبة 92 من بين 137 دولة في مؤشر "المدفوعات غير النظامية والرشاوى"، وهكذا يساهم الفساد في تشويه مناخ الأعمال في البلاد كل مرة وينفر المستثمرين.

لذلك لا بد من تقديم حل سريع لمشكلة حكم الأوليغارشية المالية الفاسدة والتي تعني وجود السلطة السياسية بيد فئة محدودة من رجال الأعمال كما هو سائد في الدول الفاشلة عموماً. وكما يشير المراقبون إلى أن هناك نفوذًا كبيرًا، وشبكة مصالح واسعة أنشأها رجل الأعمال القوي المتنفذ علي حدّاد في عهد الوزير الأول السابق عبد المالك سلّال، في إعادة منه لتشكيل بنية الدولة العميقة وضخ روح شبابية فيها لتستمر أطول مدة ممكنة، وذهب البعض إلى حد وصف هذا النفوذ ب"حكومة الظل الموازية"، ويتذكر الجزائريون كيف أن هذه الحكومة التي يتحكم بها وطاويط الجزائر في الظل، هي السبب في إقالة الرئيس الحالي تبون الذي كانت محاربة الفساد أبرز أولوياته حينما كان وزيراً في وقت سابق، ولعل تداعيات ما جرى آنذاك دفع بمؤيديه إلى انتخابه كي يتصدر المشهد الجزائري باقتدار.

الملف الثاني: الإصلاح الاقتصادي والنأي بالجزائر عن أجندة صندوق النقد الدولي

الاقتصاد والسياسة صنوان متلازمان، فمخرجات تشخيص المشكلة هي التي تحدد العلاج المقترح.. وعلى هذا الأساس دعونا نتذكر كيف أن العامل الاقتصادي هو المحرض الأول على تثوير الشارع الجزائري، حيث تتركز أزمة الاقتصاد الجزائري في هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014، فمنذ ذلك الوقت تقريبًا لم يجد اقتصاد البلاد طريقه نحو الاستقرار، إذ أن نحو 95% من الإيرادات في الجزائر تأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من قطاع الطاقة، وهو ما جعل البلاد تفقد أكثر من نصف إيراداتها من النقد الأجنبي. وعليه فأن القطاع الإنتاجي بالجزائر يبقى هامشيًا، ويمثل أقل من 5% من الناتج الداخلي، وهو ما يقوّض فرص البلاد في التنوع الاقتصادي الحقيقي، والفشل في الخروج من التبعيّة للنفط بشكل شبه كامل لتغطية مصروفات البلاد. ومن خلال الحلول التي اقترحها خبراء مهتمون بالشأن الجزائري عبر منشوراتهم في مواقع متخصصة منها موقع "ساسة SAS" الجزائري (بتصرف شديد)، سنتحدث عن عدة إصلاحات اقتصادية محددة، أهمها:

1- وجوب فصل المال عن السياسة؛ حتى لا يسمم أحدهما الآخر ومنع التقائهما بمؤسسة الجيش حتى لا يتحصن الفاسدون بها، ما سينفر المستثمرون من دخول الاقتصاد الجزائري بثقة.

2- التعامل بحذر مع أجندة صندوق النقد الدولي حتى لا يتغول في الجزائر

حيث أن الاعتماد المصيري على الصندوق سيُدخل الاقتصاد الجزائري في معاناة كبيرة، ومن المنطقي الآن المطالبة بعدم اعتماد الرئيس عبد المجيد تبون أجندة الصندوق طريقًا وحيدًا للإصلاح دون توفر بدائل مساندة.

وفي ذات السياق فإن "صندوق النقد الدولي" يرى بأن لجوء الجزائر إلى خفضٍ تدريجي في سعر الصرف، بوصفه إحدى أدوات تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والمالي، قد يقضي على سوق الصرف الموازية (السوق السوداء)، التي تعدّ أحد العوائق أمام الاستثمارات الأجنبية، كما يرى أن الاستدانة من الخارج ستؤدّي إلى توفير السيولة اللازمة للنفقات الاستثمارية، إلا أن نتائج هذه الإصلاحات ستكون صعبة على المواطن الذي لا تحميه الحكومة في الغالب من نتائج صدمة فقدان العملة لنسبة كبيرة من قيمتها، لذلك يمكن وصف مطلب عدم اللجوء إلى النقد الدولي أنه بمثابة حماية للجزائريين من دوامة كبيرة من التضخم والتقشف.

على ألا يأخذ المستشارون الرئيس إلى طباعة النقود كحل بديل، وللعلم فإن السوق السوداء التي يتذرع صندوق النقد الدولي بضرورة محاربتها هي من صنع "حكم الأوليغارشية المالية الفاسدة" التي يجب على الرئيس الجديد اجتثاثها حتى لا تتعثر خططه التنموية.

3- ترشيد طباعة النقود.. لقد اتجهت الحكومة إلى طبع النقود بكثرة منذ الربع الأخير من 2017، وذلك في محاولة لعلاج عجز الموازنة دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، فإن المبالغة في الطباعة دفعت معدلات التضخم إلى الزيادة بسبب زيادة المعروض من النقود..

وفي سياق ذلك طالب النائب عن حزب "جبهة التحرير الوطني"، الهواري تيغريسي، الحكومة ومحافظ بنك الجزائر في وقت سابق، بالتوقف فورًا عن عملية طبع النقود التي بلغت أكثر من 55 مليار دولار على حد تقديره، موضحًا أن هذا الرقم مؤشر خطير ينذر بارتفاع ضخم في رقم التضخم سيرافق الجزائر والخزينة العمومية لـ 10 سنوات كاملة.

ويؤكد المحللون أن طبع النقود مؤشر خطير ينذر بمشاكل اقتصادية متفاقمة، لذا فمن الضروري أن تطالب الانتفاضة الحالية الرئيس الجديد بتخليه عن هذه السياسة الاقتصادية فوراً..

4- وقف الاعتماد الحصري على السياسة النقدية لتنويع الاقتصاد

خلال السنوات الماضية لم تنجح السياسة النقدية في علاج أيّ من المشاكل المزمنة، سواء من العجز التجاري أو التضخم، بل فشل المركزي في الحفاظ على مستوى الاحتياطي النقدي، الذي وصل في 2013 إلى نحو 194 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى قرابة الـ 76.2 مليار دولار أواخر 2020، وهو ما يوضح أن السياسة النقدية لم تنجح في إيجاد حالة استقرار حقيقة، وحل المشكلة الأساسية التي تتلخص في الاعتماد على النفط دون غيره.

وخلاصة القول أن المهمة التي أنيطت بالرئيس الجزائري المنتخب ثقيلة وغير عادية، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يستطيع رئيس خرج من عباءة بوتفليقة تحقيق ذلك؟ ولو منحناه علامة إيجابية كونه حاول محاربة الفساد فدفع ثمن ذلك في وقت سابق، فلا بد إذن من تبني سياسة الانفتاح مع الشعب لتبني دستور قوي يساعده على إنقاذ الجزائر ومنع وقوعها في أشداق التقسيم القومي، أو شروط صندوق النقد الدولي المتغول في التفاصيل الجزائرية، أو ضرب الاقتصاد الجزائري من خلال إغراق البلاد بالعملة الوطنية غير المدعومة والتي لا قيمة لها، وعدم إيجاد البدائل الإنتاجية لاستغناء التنمية الجزائرية عن عوائد النفط، خشية السقوط في تجربة مثيلة بفنزويللا، بينما تتربص بالجزائر أجندات خارجية مكشوفة؛ لذلك لا بد من تضافر الجميع في الجزائر لبنائه على أسس قوية، تقوم على كفاءات قادرة فنياً ومخولة سياسياً من أجل مستقبل البلاد.. الرهانات على ذلك تعتمد على صوت العقل في بلد أنهكته الصراعات.

 

دراسة تحليلية شاملة

بقلم: بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم