صحيفة المثقف

تهديد العراق

كاظم الموسوييتعرض العراق، وطنا وشعبا الى تهديد خطير، يتجدد كل فترة منذ عقود، وربما منذ تشكل الدولة الحالية، مرورا بمراحلها أو تسمياتها، وخصوصاً بعد الجمهوريات، والقيادات المتسلطة التي قادت إلى هذه الحالات، واعطاء مؤشرات محفزة أو مبررات كاذبة لمخططات التهديد. ولم يخف المستعمرون ودول الإمبريالية والمتخادمين معها نواياهم في الوصول إلى هذا التهديد المتجدد، كل فترة.

ليس مشروع السناتور الأمريكي جو بايدن (نائب الرئيس الأمريكي أوباما سابقا والمرشح الديمقراطي للرئاسة حاليا) في تقسيم العراق هو الاخير ولكن هو الرسمي والسيف المسلط والمخبأ  على رقبة العراق. حيث أعلن بصفاقة تقسيمه إلى ثلاثة اقاليم، كيانات، كانتونات، على أسس اثنية ومذهبية، والغاء هويته وتاريخه وتجمعه الوطني وتهديد تشكيله الجغرافي ومحيطه السياسي.

طرح وصوّت عليه في الكونغرس الأمريكي  عام 2007 ورفع على الرف "مؤقتا"ً، ليكون موضوعا تحت النظر في اي ظرف تختاره إدارة أمريكية ويتوافق مع المخططات التي ترسم للمنطقة العربية. وتكرر التهديد اكثر من مرة بعده وتحت عنوانه أو اسمه أو باي اسم اخر أو بممارسة لتجسيده، وعادت فكرته وتجدد تداوله، مشروعا صهيوامريكيا بامتياز. لاسيما عند منعطفات جغراسياسية وتدهور أوضاع السلطات العربية، وقد لا تجد الادارات المعادية ظروفا افضل مما تعيشه المنطقة الان.

كالعادة تبدأ المشاريع في طرح اعلامي ومناقشات مراكز بحث وغيرها أو خلالها تجري الممارسات العملية والإجراءات اللازمة للتنفيذ والتطبيق. وليس آخرها ما نشرته صحيفة الاوبزرفر البريطانية يوم 2019/12/01 لمراسلها مارتن شولوف المختص بشؤون الشرق الأوسط،  في تقرير بعنوان “العراق يواجه خطر التفكك، والعشائر تقف في وجه ميليشيات إيران”. وهذا العنوان يفضح المكتوب، كما يقال بتغير مكان الكلمات، اذ كتب شولوف إن العنف الذي تبناه الأمن العراقي في التعامل مع المتظاهرين أشعل المزيد من الغضب عبر البلاد بين النخبة السياسية والمتظاهرين الغاضبين. واضاف أنه “منذ العام 2003 اتسمت الحكومات العراقية بالنزعة الطائفية بينما حول الوزراء مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات يعود ولاؤها الاول لجماعات سياسية محددة أكثر من الدولة نفسها”. ووضح شولوف أنه “كنتيجة لذلك شاع الفساد والمحسوبية في كل مؤسسات القطاع العام التي نهبت ثروة البلاد من النفط وتركت العراقيين بعانون الفقر ولا يجدون أي فرص عمل، وبالتالي كان التصدي لنهب القطاع العام هو المطلب الأول لحركة الاحتجاج التي بدأها شباب محرومون سرعان ما انضمت إليهم طوائف أخرى من المجتمع”. وبعيدا عن التضليل الإعلامي والاستهداف فإن ما يراد أو الهدف من الموضوع هو المطلوب، والذي يركز على غسيل الأدمغة المنشودة رغم المغالطات والدجل السياسي في اسطره.

ونقل شولوف عن أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والمختص بشؤون العراق البروفيسور توبي دودج قوله إنه “عندما تأسس النظام السياسي في العراق بعد 2003 تضمن في داخله بذور الفساد والطائفية والقمع، لكن هذا النظام بدأ في التهاوي الآن وكنتيجة لذلك تزايد العنف في البلاد”. واكمل دودج ” الأسس التي أقيم عليها النظام العراقي هي تقسيم المجتمع على أساس طائفي بشكل متواز مع توزيع الغنائم على النخبة السياسية وأصبح ذلك علنيا بشكل تدريجي، وهو ما نزع عن النظام شرعيته، فقد توقف العراقيون عن النظر إلى هؤلاء الساسة على أنهم أبطال وبدأ يراهم كانتهازيين فكان على النخبة السياسية أن تعتمد على الميليشيات والعنف لقمع المظاهرات المعادية لهم والبقاء في السلطة، نحن نرى أن هذا الأمر وصل ذروته اليوم”.

هذه مقدمة لما وضع في العنوان، ملخصها تهديد العراق بالتفكك على ضوء مشروع بايدن، والاعلام والمختصون جاهزون لتسهيل المهمة. وعلى الأرض تمت خطوات للمشروع، أنجزها نائب الرئيس الأمريكي الحالي، مايك بنس، في تسلله السري المعلن ولقاءاته باطراف محلية دون الزيارة الرسمية للعراق. والحضور الى عاصمته واللقاء الرسمي بالسلطات التي أسهمت الإدارة الأمريكية في رسم خرائطها السياسية. وفي تسلله الأول للعراق، (2019/11/23) حط بنس على متن طائرة عسكرية في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار بغرب العراق. ومنها اجرى اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، قبل الانتقال إلى مدينة أربيل مركز إقليم كردستان/ شمال العراق، حيث التقى رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني. وبنس هو أعلى مسؤول أمريكي يزور العراق منذ زيارة الرئيس دونالد ترامب في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018، والتي اقتصرت على تمضية ساعات قليلة مع القوات الأمريكية في القاعدة نفسها. وأثارت زيارة ترامب جدلا كونها لم تشمل لقاء أي مسؤول عراقي. ونشر بنس عبر تويتر صورا له برفقة زوجته كارن وجنود خلال الزيارة التي تأتي قبيل احتفال الأمريكيين بعيد الشكر .

في وسائل الإعلام، وبحسب مكتب رئيس الوزراء العراقي، نشر أن بنس بحث في اتصاله مع عبد المهدي "تعزيز العلاقات بين البلدين وآفاق التعاون المشترك، إلى جانب بحث التطورات التي يشهدها العراق وجهود الحكومة وإجراءاتها الإصلاحية استجابة لمطالب المتظاهرين". وأوضح المصدر نفسه أن الزيارة كانت بعلم عبد المهدي، ومثلها قرار بنس زيارة أربيل. في المقابل، أكد مكتب الرئيس العراقي برهم صالح، وهو كردي، لوكالة الأنباء الفرنسية، أنه لم يكن على اطلاع مسبق على الزيارة. وانتقل بنس من القاعدة العسكرية في الأنبار إلى أربيل حيث اجتمع مع رئيس الإقليم نيجرفان برزاني ورئيس وزرائه مسرور برزاني. بعد أن اجرى لقاءا مع رؤساء عشائر من الانبار في القاعدة العسكرية، عين الأسد. وتتوالى اخبار عن لقاءات وتدريبات وتجهيز ما بين ألفين الى اربعة الاف مقاتل من أبناء محافظة الانبار وتسليحهم في معسكرات الحبانية والفلوجة والرمادي واغداقهم بوعود كثيرة، شارك فيها مسؤولون رسميون ايضا، إضافة إلى وظائفهم الاتحادية، كما تسمى. ونشرت اخبار اخرى عن ارسال معدات عسكرية وسيارات وأسلحة الى الرمادي عن طريق الأردن والى اربيل بطائرات وصلت من الامارات، دون علم حكومة بغداد.

زاد في التأكيد زيارات ميدانية مكثفة وغير معلنة لوزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر و رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي، والاجتماع بالقيادات العسكرية المماثلة والقيادات العسكرية الأمريكية المتواجدة في القواعد الأمريكية المنتشرة على الأراضي العراقية والسورية، والتنسيق فيها مع الكيان الإسرائيلي علنا.

يبدو من هذه الزيارات أن الولايات المتحدة، لا تعبر اهتمامها رسمياً علنيا لما يحصل في الشوارع العراقية، لاسيما الحراك الشعبي في العاصمة والمحافظات الوسطى والجنوبية، مثلما تخطط لترميم تحالفها مع الأكراد العراقيين والسوريين أيضا. وذلك بعدما اهتزت الثقة بينهما في أعقاب الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا والغزو التركي الذي استهدف الأكراد؛ لإنشاء ما سماه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمنطقة الآمنة. فضلا عن توجيه رسائل واضحة إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، ومقابلتها بانشاء قواعد عسكرية جديدة وإعادة انتشار للتواجد العسكري الأمريكي في البلدين، سوريا والعراق. وتأكيد النفوذ الأمريكي العسكري والسياسي في العراق أساسا، بالتهديد الدائم بتقسيم العراق، والمنطقة حسب المخططات والمشاريع التي لم تعد سرية.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم