صحيفة المثقف

العالم يحتفل باليوم العالمي للغة العربية.. ما سر ذلك؟!

بكر السباتينيحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن من ديسمبر من كل عام.. جاء ذلك من خلال ما بذله أنصار هذه اللغة العظيمة من جهود مضنية لتثبيت حقوق لغة الضاد على صعيد أممي.

لقد اتخذت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو، بتاريخ 18 ديسمبر 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة..

مقرة بذلك بأن اللغة العربية تعتبر من اللغات الحية وتمثل إحدى أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 290 مليون نسمة من سكان المعمورة.

وجاء التعامل مع اللغة العربية عالمياً بمثابة الاختبار المفتوح والتقييم الفني من خلال المعنيين بها، كونها تحمل في طياتها إرثاً ثقافياً متنوعاً، وأنجبت عمالقة في كل الصعد، وتجلى إبداع اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء والأديان السماوية.

وخضعت اللغة العربية لتقييم "فلسفة اللغة" بشكل غير رسمي، من قبل مؤسسات أكاديمية ومفكرين تعاملوا معها بموضوعية في الجوانب المختلفة للغة مثل الكلمات ودلالاتها، واشتقاق الكلمات والمصطلحات المستحدثة، بما في ذلك العلاقة بين المبنى الفكري للتعبير اللساني وقدرة اللغة على التعبير عن حقيقة معنى الكلمات والجمل التي يستعملها الإنسان في حياته، إلى جانب قدرة الترجمة من وإلى العربية على نقل دقيق للمعنى، ناهيك عن المفارقات اللغوية.. حيث ثبت للمهتمين باللسانيات بأن اللغة العربية قادرة على أن تكون لغة إبداعية في كافة المجالات وخاصة الأدب والفنون والعلوم.

وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي. وكانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، لا بل مثلت طليطلة شمال الأندلس منطقة تفاعل حضاري قائم على القبول بالآخر ورفد الحضارة الغربية بخلاصة التجربة الفكرية والمعرفية والإبداعية العربية الإسلامية وتقديم الترجمات اللاتينية لأهم المخطوطات الفلسفية والمعرفية فاتحة الطريق أمام الغرب ليقيموا قاعدة نهضوية على النتائج والمخرجات.

ومن أهم التطورات التي طرأت على تقنيات استخدام اللغة العربية هي تطويعها للحوسبة وبرمجتها لتناسب تطورات علم لحاسوب والذكاء الاصطناعي.

وتحتفي منظمة اليونسكو باليوم العالمي للغة العربية لعام 2019 تحت عنوان: "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي" في مقرها الكائن بباريس اليوم.

وستنظم في هذا اليوم الدولي عدة موائد مستديرة، تناقش دور الذكاء الاصطناعي في صون اللغة العربية وتعزيزها، كما ستتعرض لمسائل متعلقة بحوسبة اللغة العربية.

ولكن هذا لا يمنع أيضاً قيام مجمع اللغة العربية برفد هذه الدوائر المستديرة بتقديم دراسات حول المخاطر التي تكتنف اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) سواء بتسطيحها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو محاولة تهميشها والتعامل معها على أنها لغة القرآن الكريم فقط، وإعطائها الصبغة الدينية الإسلامية فقط، دون احتسابٍ لما احتوته هذه اللغة العظيمة من موروث ثقافي متنوع (فكري وديني) ضم في طياته مخرجات الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والفرعونية وغيرها.. أي أنها لغة ثرية جداً وقادرة على استيعاب المستقبل بكل نتاجه على كافة الصعد.

 

بقلم بكر السباتين..

18 ديسمبر 2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم