صحيفة المثقف

الثورة الرابعة أو الفلسفة وتكنولوجيا المعلومات

علي المرهجصدر في (سلسلة عالم المعرفة) الكويتية كتاب "الثورة الرابعة، العدد/ 452، 2017، تأليف: لوتشيانو فلوريدي ـ أستاذ فلسفة الأخلاقيات والمعلوماتية ـ ترجمة: لؤي عبد المجيد السيد.

يشتغل مؤلف الكتاب على تفعيل "فكرة التفاؤل"، عبر كشفه عن قيمة ومستقبل "الثورة العلوماتية" وما قدمته وما ستُقدمه لنا.

إنه كتاب في "فلسفة التفاؤل"- كما أعتقد - وسعي من المؤلف لكسر قيود وأسوار الأكاديمية عبر تمثله ووعيه الاميز في الدفاع عن مجتمع المعلوماتية.

الثورة المعلوماتية بكل ما قدمته وما ستُقدمه تُمثل صدمةً للوعي "الاستاتيكي" أو الجامد، فهي تغيَر بسرعة البرق أو الصوت، وفيها تغيير لقيم واستحداث لقيم، بل تقويض لقيم وصناعة لقيم جديدة. إنه تغير لا يمكن لنا تحديد (مآلاته)، فهي ثورة نافعة في طموحنا ومطلبنا ودعواتنا الاصلاحية للآخرين وفق قاموسية (اليجب) و(الينبغي) أخلاقياً، وكأن لا ثورة في حال مراجعة (تاريخ الثورات) التي قيل عنها مقولة أثيرة (الثورة تأكل أبنائها).

الثورة الكوبرنيكية والثوررة الدارونية والفرويدية، ومن ثم "الثورة المعلوماتية".

قسمَ (فلوريدي) في كتابه المجتمعات إلى قسمين:

ـ مجتمعات تعيش بأسلوب التاريخ، ألا وهي المجتمعات الزراعية ونقل المعلومة عبر زمن وتاريخ طويل.

ـ مجتمعات تعيش أسلوب "التاريخ المُفرط"، وهو تاريخ لا مركزية فيه ولا سلطة غير سلطة المعلومة.

إنه زمن تضخم المعلومات الذي ـ ربما أو عادة ـ يكون للهامش دور في صناعته، أو تشكيله.

1269  الثوةرة الرابعةفلم يعد في زمن "التاريخ المُفرط" هناك دور لمرجعية تراثية أو حداثية، إنما المرجعية للمعلومة في جدَتها وابداع قائلها لا بوصفها قول شعري أو خطابي، إنما بقدر احداثها أثر وحضور يحظى بمقبولية (براجماتية) و "تداولية" يكشف عنها مقدار التفاعل في "وسائل التواصل الاجتماعي" وفضاءات الرحابة في المتاح من فيوضات "الشبكة العنكبوتية".

(دعه يعمل، دعه يمر) جملة وشعر كان له أثره في تغيير نمط الحياة في التحدي بين منظومتين فكريتين (الرأسمالية) و (الاشتراكية)، لا سيما بعد انهيار (الاتحاد السوفيتي) و (سقوط جدار برلين) وخفوت الصراع بين قطبي الرحى (أمريكا) و (روسيا) بعد (البيروسترويكا)، وبزوغ فكرة "العولمة" التي قوضت فكرة الصراع بين القطبين، لتكشف لنا عن قطب أميَز، ألا وهو تسيد "الليبرالية" عرش العالم كما يؤكد (فوكوياما) في كتابه "نهاية التاريخ".

أظن أن "الثورة الرابعة" هي من معطيات وهبات "النظام الليبرالي"، فكلما شعرنا بقيمة الحرية، كلما خرج العقل من قيود التقاليد والتحجيم، لتجده يسيح في عوالم الفكر الحر (الرحب).

إن فضاء التخزين في "الفكر المُنغلق" أو (الدوغمائي) لهو فضاء محدود ومُقيَد، فيما تجد في فضاء الفكر الرحب "الليبرالي" أو الحر" ابداعات إنسانية وخلق فني مُستمر، لا هيمنة فيه لمركز (سلطوي).

إن ما أسماه (فلوريدي) بـ "التأريخ المُفرط" إنما هو تاريخ لذاكرة فرد أو جماعة بقصد التخزين، وهذه من بقايا العيش في "أسلوب التاريخ"، أما العيش وفق مقتضيات التحول و"صدمة المُستقبل" بعبارة (ألفن توفلر)، فلفظ التاريخ المفرط هنا وصف "آخر " لمحاولاتنا للانفلات من سطوت التاريخ بوصفه ماض فقط، نرتكن إليه ونقدسه ونحتمي بين جدرانه لا لعلم ودراية بعد تعقل لأهميته، بل لحب ووجدان وعاطفة ورثنها من فيض وجدانه ووجوديته.

لا أتحدث عن أجيال "الثورة المعلوماتية" فهذا موضوع يطول شرحه، ولكن تخيَل "الربط الشبكي" لعشرات المليارات من كيانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتصوَر عالم "التاريخ المُفرط".

إنه رسم جديد لخريطة العالم جغرافياً، واعادة تبويب لعوالم التواصل اجتماعيا.

في العراق شباب يثورون، ومن أدوات ثورتهم الأساسية، هي (وسائل التواصل الاجتماعي)، إذ أثبت لنا ما أسميناهم "شباب البوبجي" استهجاناً، أنهم يعيشون في عوالم هي ليست عوالماً لنا، فنحن أبناء (مجتمعات أسلوب التاريخ) نسير على هديه وهدايته ووصاله، ولكن شبابنا إنما هم أبناء "التاريخ المُفرط".

في عوالم شعوب أهل "التاريخ المفرط" تتداخل الأزمنة، ويشتغل الماضي فيها والحاضر لبناء وعي بمستقبل أفضل، أما في (عوالم أسلوب التاريخ) فالتاريخ واحد يتوقف الزمن، فيكون الحاضر والمستقبل فيه لخدمة الماضي.

في "الثورة الرابعة" تنوير يشهد له جهاز كومبيوترك، وتطور أجهزة (الديجتل)، فصرنا نتصور عوالم الأجهزة وكأنها عوالم حية، لا تختلف، إن لم تكن تتفوق بتفرد عنَا نحن "الكائنات الحيوانية".

"الثورة الرابعة" تجاوز فيها للثورة الزراعية والثورة الصناعية وما سُميَت بـ "الثورة الرقمية"، وهي استكمال لنتاج الثورتين السابقتين، ولكن فيها مضمر، بل وحتى ظاهر، من فرط ما أحدثته من فعل تغيير.

ينسجم (فلوريدي) في تقسيمه هذا مع أطروحة (آلفن توفلر) وتقسيمه للثورات الإنسانية وترابطها مع الثورات العلمية.

أشرنا لتقسيم (فلوريدي) للثورات، وهو تقسيمٌ ينتمي لتحديات الحاضر، بل وقُلَ لتوقع ما لا يُمكن توقعه في ضوء تسارع التغيرات وانعدام القدرة عندنا في التمييز بن عالمين: عالم نعيشه (الواقع) ومتغيرات أحداثه.

وعالم يخترقنا، يعيش فينا ولا نستسيغ العيش فيه نحن (الآباء)، فـ(أولادنا خُلقوا لزمان غير زماننا).

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم