صحيفة المثقف

التظاهرات كلمة حق عند السلطان الجائر

معراج احمد الندويالمرء ضعيف بمفرده وقوي بجماعته، وإن صوت الفرد قد لا يسمع، ولكن صوت المجموع أقوي من أن يتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون بأصواتهم، وكانت معهم شخصيات بارزة لها وزنها، وكان صوتهم أكثر اسماعا وأشد تأثيرا، لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد.

إن المظاهرات وسلية هامة في إبلاغ رأي الجمهور لدي الحكومة، فما الذي يقصده الشعب بهذه الوسيلة إلا اظهار الحق ورفض الظلم والطغيان عن عامة الشعب وشحذهمم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأصواتهم بما يملكون فعله، كما أن في هذا التظاهرات صناعة وحدة في الموقف ورأي الأمة.

إن المظاهرات التي تشهدها الهند هي كلمة الحق عند السلطان الجائر، وهي تعبير عن عدم الرضاء والقبول لممارسات النظام الحاكم، وأسلوب حكمه وعلاقته بمن يحكمهم. ولا يخفي على أحد تأثيرات المظاهرات وخطورتها في العصر الحديث، وهي سلاح الجهمور ضد الحكومة الهندية الظالمة التي أرادت وأقرت التعديلات في قانون المواطنة لمنح حقوق المواطنة إلى أي شخص ينتمي إلى الهندوسية، أو السيخية، أو البوذية، أو الجاينية، أو البارسية، أو المسيحية الذين هاجروا إلى الهند قبل31 من ديسمبر 2014م ولن يتم التعامل معهم كمهاجرين غير شرعيين طبقاً لمقاصد هذا القانون.

لقد صاغت الحكومة الهندية هذا القانون بأسلوب ذكي يُظهر أنها تهتهم بقضية إنسانية بتقديم مساعدة الأقليات الدينية المضطهدة في بلدان الجوار، بينما الهدف الأصلي هو تحويل ملايين من مسلمي الهند إلى "البدون" في بلدهم. وكانت الخطة هي أن أي هندوسي يُحرم من جنسيته بسبب فشله في تقديم الوثائق المطلوبة سيُعطى الجنسية من الباب الخلفي باستخدام هذه المادة الجديدة.

يقدم هذا القانون الجديد مسلمي الهند إلى هامش الحياة ويعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، وسيسحب جنسياتهم لكي يعيشوا على هامش الحياة لأنهم لن يتمكنوا من الرحيل إلى دولة أخرى؛ فلن تقبل بهم باكستان أو بنغلاديش ناهيك عن البلاد الأخرى، أو الغرب الذي لن يستطيع استيعاب أعداد كبيرة بدون زعزعة أمنه الاجتماعي.

يستهدف هذا القانون الجديد على القضاء المبادئ العلمانية المكفولة بالدستور، وكما هومعروف أن الدستور الهندي يحظر التمييز الديني ضد المواطنين، ويضمن المساواة للجميع أمام القانون الذي يوفر الحماية للجميع بالتساوي. فإن القانون الجديد سيقوم بترسيخ التمييز الديني في القانون ويعمل ضد مبادئ دستور الهند العلماني.

إن الاحتجاجات المستمرة في كل أنحاء الهند لا يشترك فيها المسلمون فقط، بل هناك أعداد متزايدة من غير المسلمين ينضمون إليها وخصوصا في الجامعات الهندية، حيث تقوم المظاهرات كل يوم في مئات من الجامعات والكليات الهندية بكل أنحاء البلاد.  ومن المؤكد أن المظاهرات السلمية تجبر السلطة على الرجوع بتحقيق العدالة وإصلاح الأحوال وارجاع الحقوق ورفع الظلم والاستبداد.

إن التظاهرات السلمية قد أصبحت في هذا العصر وسيلة ناجحة في التغيير والإصلاح، وهي في عامتها تحقيق مصالح الشعوب وتردع السلطة عن جورها. والاحتجاجات الشعبية السلمية في شوارع المدن والقرى الهندية دليل على أن إرادة التغيير بدأت بجدية، ولن تتوقف هذه المظاهرات إلا بعد الحصول مطالبها وأهدافها، ولدعمها وتمكينها من الخلاص من هذا القانون الأسود الذي هو ضد دستور الهند.

لقد شهد العالم أهمية التظاهرات كيف أنها أزالت أنظمة مستبدة وأقلعت أخرى وأحرزتها وجعلت البعض يتراجع عن سياسيته الظالمة واستبداده وفساده. لقدأجبرت التظاهرات السلمية الحكومة أن تتغير مواقفها ضد الشعب والجمهور وضد روح دستور الوطن.

إن هذه التظاهرات التي أصبحت حركة وطنية تهدف إلى القضاء القانون الأسود ضد المسلمين مباشرة أو غير مباشرة، كما تهدف هذه الحركة الشعبية إلى إعادة الهند العلمانية وإلى بناء المجتمع الهندي الذي يتساوى فيه الأفراد تحت مظلة جماعية واحدة وهي مظلة القومية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

  جامعة عالية ،كولكاتا - الهند

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم