صحيفة المثقف

تداعيات الإمامة بين الأصول والفروع

بدر الدين شيخ رشيدحول علاقة الأعمال بالإيمان عند الأشاعرة والإماميّة:

إن العمل فرع عن العقيدة، حيث إن العقيدة هى ألآساس للعمل.إذ لا يتصور عمل بدون عقيدة. وبناء على هذا فما هي علاقة الإيمان بالعمل عندالأشاعرة والإمامية؟ وما هو دور الإنسان بالعمل؟ وذلك هل هو الموجد به أم الله سبحانه وتعالى؟. وما مدى تأثير تلك العلاقة على الإمامة بين الأشاعرة والإمامية؟

إن بيان أصول الإعتقاد عند الأشاعرة يرجع إلى مؤسس المذهب الأشعريّ الشيخ أبي الحسن الأشعري [ت:324ھ/935م] ، ثم إلى كبار أئمة الأشاعرة الذين هذّبوا المذهب الأشعري، كالباقلاني، [ت:403ھ/1012م]، والبغدادي [ت429ھ/1037م]، والجويني [ت:478ھ/1085م]، والغزالي [ت:505ھ/1111م]،والشهرستاني [ت:548ھ/1153م] ، والرازي [ت:606ھ/1219م]، والأمدي [ت:631ھ/1233م]، والإيجي [ت:756ھ /1354م] ، والتفتازاني [ت:791-792ھ/1388م-1389 م]، والشريف الجرجاني [ت:816ھ/1413م]، والقوشجي  [ت:879ھ/ 1474م] ، وغيرهم من متكلمي الأشاعرة.

بينما يرجع بيان أصول الإعتقاد عند الإماميّة إلى الأئمة الإثنى عشرية. يقول الشيخ السبحانى في بيان المرجعية للعقائد الإمامية:« وأما عقائد الشيعة الإماميّة، فليست حصيلة الإحتكاك بالثقافات الأجنبية ولاما أنتجته البحوث الكلاميّة طوال القرون، وإنما هي عقائد مأخوذة من الذكر الحكيم أولا، والسنة ثانيا. وخطب الإمام علي بن أبي طالب، وكلمات العترة الطاهرة المأخوذة من النبي الأكرم ثالثا. فلأجل ذلك يحدد عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمتهم الطاهرة» [1].

تشير كتب الملل والنحل إلى أن الإمام الأشعري كان في بداية أمره معتزليّ الإعتقاد في مدة تقرب أربعين سنة، رغم ضعفها عند الشيخ السبحاني  [2]. ثم قرر ترك المذهب الإعتزالي وتأييد مذهب الفقهاء، وأهل الحديث مع إضافة التنزيه والتأويل، في بعض الصفات الأخبارية المتعلقة بصفات الله سبحانه وتعالى، والتي تدل في ظاهرها التشبيه [3].

ولمّا كان خلاف الأشاعرة والإماميّة من حيث الأصل، يرجع إلى ماهيّة الإختيار للإمام وذلك؛ هل الإختيار مختص لله؟ أم للإنسان دور فى الإختيار؟. ينبغي أن نشير إلى جانب من علاقة الإيمان بالأعمال، مقارنا بين رؤية الأشاعرة والإمامية، لندرك مدى تأثير جدليّة علاقة الإيمان بالعمل على مبدأ الإختيار والنص في إشكالية الإمامة؛ لأن البحث فيها سيدفعنا الوقوف على حقيقة علاقة الإيمان بالعمل، كما نشير أيضا إلى جدليّة علاقة الإنسان بالعمل المبنيّة هل الإنسان هو الموجد للعمل أم الله سبحانه وتعالى؟.

البحث في علاقة الإمان بالعمل، سنكتفي إيراد كلام الإمام ابن حزم الظاهري  [ت:456ھ/1063م] والإمام النسفي الأشعري [ت:508ھ/1114م]. ثم نقارن مضاعفات هذه العلاقة في جدليّة الإمامة هل هى من الإيمان؟ أم هي من الأعمال عند الأشاعرة والإماميّة؟.

يقول ابن حزم [456ھ/1063م]:«إختلف الناس في ماهية الإيمان: فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو: معرفة الله تعالى بالقلب فقط، وإن أظهر اليهوديّة، والنصرانيّة، وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته. فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة، وهذا قول أبى محرز الجهم بن صفوان وأبى الحسن الأشعري البصريّ وأصحابهما. وذهب قوم إلى أن الإيمان هو: إقرار بالله تعالى وإن إعتقد الكفر بقلبه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة، وهذا قول محمد بن كرام السحستاني وأصحابه.

«وذهب قوم إلى أن الإيمان هو: المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معا، فإذا عرف المرء الدين بقلبه وأقر به بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام، وأن الأعمال لا تسمى إيمانا، ولكنها شرائع الإيمان. وهذه قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه، وجماعة من الفقهاء.

«وذهب سائر الفقهاء، وأصحاب الحديث، والمعتزلة، والشيعة، وجميع الخوارج، إلى أن الإيمان هو: المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، وأن كل طاعة وعمل خير، فرضا كان أو نافلة فهى إيمان. وكلما إزداد الإنسان خيرا إزداد إيمانه. وكلما عصى نقص إيمانه. وقال محمد بن زياد الحريري الكوفي: من آمن بالله عز وجل، وكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس مؤمنا على الإطلاق، ولا كافرا على الإطلاق، ولكنه مؤمن كافر معا، لأنه آمن بالله تعالى فهو مؤمن، وكافر بالرسول فهو كافر» [4].

يقول الإمام النسفي [ت508ھ/1114م]، فى بيان حقيقة الإيمان:«الإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب عند أكثر أهل السنة والجماعة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والعمل بالأركان. وقالت الكّرامية، وهم أصحاب أبي عبد الله محمد الكّرام: الإيمان مجرد الإقرا دون التصديق. وقال أبو منصور الماتريدي: الإيمان مجرد التصديق» [5].

دافع الإمام النسفي مذهب الأشعريّ في حقيقة الإيمان،حيث إعتبر أن العمل ليس من الإيمان. مستدلا في ذلك بقوله تعالى: ﴿قل لعبادي الذين أمنوا يقيموا الصلاة﴾ [إبراهيم:31]. حيث سماهم الله مؤمنين قبل إقامة الصلاة، وفصل بين الإيمان والصلاة، وكذلك، إستدل بقوله تعالى:﴿يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة﴾ [المائدة:6]، حيث سماهم مؤمنين قبل إقامة الصلاة. مؤكدا على:« أنه لو وجد منه الإيمان قبل الضحوة، ثم مات قبل الزوال، يكون من أهل الجنة، فلو كان العمل من الإيمان، لم يكن من أهل الجنة؛ لأنه لم يوجد منه العمل. وكذلك أصحاب الكهف وسحرة فرعون، أجمعنا على أنهم من أهل الجنة وإن لم يوجد منهم العمل فثبت أن العمل ليس من الإيمان» [6].

فإذا نظرنا إلى حقيقة العلاقة بين الإيمان والأعمال عند الأشاعرة، نفهم مدى تأثير تلك العلاقة على الإمامة، حيث إعتبرت الأشاعرة الإيمان مجرد المعرفة فى القلب، دون القول باللسان والعمل بالجوراح. وهذه بلا شك تولد الإنفصال الكليّ بين الإيمان والعمل. وقد تؤدي إلى كون الإيمان مجرد لاهوتى عقدي فراغ عن الواقع من حيث التأثير.

من جانب آخر، نجد أن الإمامية، وجمهور الفقهاء، وأهل الحديث، والمعتزلة، والخوارج، كلهم إعتبروا علاقة الإيمان بالعمل جزء لا يتجزء، بحيث لم يكتفوا مجرد المعرفة بالقلب فقط، بل علاوة على ذلك إعتبروا أن عناصر الإيمان يشمل في معرفة الدين بالقلب، والإقرار باللسان والعمل بالجوارح.

وهنا إشكال يرد فى هذا الصدد، مفاده، كيف نحدد مفهوم علاقة الإيمان بالعمل عند الأشاعرة ؟ هل نحدد الأخذ بقول الإمام الأشعري؟ أم نحدد الأخذ بقول جمهورالفقهاء؟.لأن الوقوف على وجه هذا الإشكال يساعدنا الوقوف على معرفة حقيقة الإمامة عند الأشاعرة. لأننا وجدنا من الأشاعرة من يقول: الإمامة من الفروع، بينما نجد من يقول إنها من الأصول.

فإذا نظرنا إلى هذا الإشكال بدقة، نجد أن القائلين بأصوليّة الإمامة يغلب عليهم الطابع الفقهيّ الأصوليّ أكثر من الطابع الكلامى الفلسفيّ، عكس القائلين بفرعيّة الإمامة، حيث نجد أنهم متكلموا الفلاسفة. فعلى سبيل الميثال، نجد القائلين بأصولية الإماميّة من الأشاعرة مثل: القاضي الماوردي [ت:450ھ/1058م] ، والقاضي الفضل بن روزبهان الشيرازي [ت:927ھ/1520م] والعلامة علاء الدين على بن محمد القوشجي [ت:879ھ/1474م] والقاضي البيضاوي [ت:685ھ/1286م].

بينما نجد القائلين بفرعيّة الإمامة مثل: الجويني [ت:478ھ/1085م]، والغزالي [ت:505ھ /1111]، والإيجي [ت:756ھ/1355م] وغيرهم من كبار الأشاعرة.

ويظهر لي أن جدليّة الإمامة بين الأصول والفروع، عند الأشاعرة تتعاعس بين رؤية فلاسفة المتكلمين وبين رؤية فقهاء الأصوليين. وبذلك يمكن أن نقيّم نظرية الأشاعرة فى الإمامة من منظورين؛ منظور فرعيّ فقهيّ عند فلاسفة المتكلمين ومنظور أصوليّ عقديّ عند الأصوليين.

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم

............................

 [1] - السبحانى، بحوث فى الملل والنحل، مؤسسة النشر الإسلامى قم، إيران ط3/1417ھ، ج،6 ص246.

 [2] - المصدرالسابق،ط7/1420ھ ج2/24-25.

 [3] - المصدر السابق، ج2/24-25.

 [4] - ابن حزم، الفصل فى الملل والأهواء والنحل ، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، ط2/1999م ج2/ص209.

 [5] - النسفي، ميمون بن محمد النسفي بحر الكلام، تحقيق، د/ ولي الدين محمد صالح الفرفور، مكتبة دارالفرفور،دمشق ،سوريا،ط2/1421ھ/ 2000م ص151.

 [6] - المصدر السابق،ص152-153.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم