صحيفة المثقف

نحو نظام عالمي جديد.. خلق قارة أوراسيا

طالب محمد كريم نحو نظام عالمي جديد.. خلق قارة أوراسيا

تلقى الغرب في ٢٥كانون الاول ١٩٩١، اعظم هدايا الميلاد ودون ان تطلق رصاصة واحدة عبرالستار الحديدي، الذي عزل بين قطبي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. حتى أعلن الكرملين رسمياً انه لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية عدوه. وانهار الاتحاد السوفيتي، واختفت مظلته الوقائية من فوق الدول التابعة له، حتى بدأت عملية لتسوية قضايا إثنيةودينية قديمة في شرق أوروبا ودول البلقان.

عشية حرب الخليج الأولى، كان جورج بوش الأب يحضِّر لإلقاء خطاب على جلسة مشتركة للكونجرس

معنون: نحو نظام عالمي جديد.

ربما كانت هذه إشارة واضحة الى بدء العمل لما ذهب اليه المفكر الأمريكي الجنسية الياباني الأصل "فرانسيس فوكو ياما " إلى ولادة عصرجديد هو : عصر "الليبرالية" التي جاءت بعد موت الايديولوجيات والآلهة الحزبية والتي طالما ما كانت تبرر لوجودها وبقاؤها تحت مقولة:

 تكوين وإنضاج المشروع السياسي الاجتماعي لصناعة دولة عادلة تستطيع ان تلبي طموحات الشعوب بقدر متساوي والسير نحو مستقبلافضل.

الا اننا هنا، لابد ان نفصل بين الخطاب الفكري الفلسفي والخطاب السياسي الشمولي الذي نعتقد في انهما يختلفان بالدرجة الموضوعيةوالنوعية في مقياس الزمن الفكري والسياسي للتعقيدات المتداخلة التي تصعب من تطبيقها على ارض الواقع.

ولذلك عندما نقف عند شعار مرحلة التسعينات من القرن العشرين : نحو نظام عالمي جديد.

علينا الدخول في عمق تركيب المفاهيم التي أسست للعبارة السياسية والتي صيغت وحبكت الكثير من الخطوات المرحلية التي تنبني علىتحقيقها مستقبلاً .

عند ذلك بدا الخطاب الاعلامي الغربي يعتمد على تصريحات كبار السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوربي، يحاول انيصنع وعياً عالمياً جديداً واستعداداً نفسياً عالياً لتقبل الافكار الثقافية التي تتأصل على موضوعة التطهير العرقي، والهجرة الجماعية،وانتشار تقنية أسلحة الدمار الشامل، والجريمة المنظمة، وسباق التسلح، والدول المارقة، في إشارة إلى دول محور الشر بحسب تعبير البيتالأبيض (العراق، سوريا ، ايران، ليبيا، كوريا الشمالية).

ومن هنا فقد اصبح الوعي الإنساني أمام رؤية استشرافية جديدة طرحها المفكر الأمريكي صوموئيل هنتنغتون في كتابه "صدامالحضارات" والتي تبشر بحرب ايديولوجية أو ثقافية بين العالم الغربي/امريكا من جانب والعالم الشرقي /الجماعات الإسلامية-الكونفوشيوسية من جانب اخر .

حتى استفاق العالم صباح الثلاثاء على اكبر هجوم ارهابي في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ هذا الهجوم الذي حقق رؤية كتاب "صدام الحضارات".

اظهرَ هذا الحدث البارز عدة عوامل مهمة نحو الطريق إلى الهيمنة السياسية والعسكرية، وتحديدا مفهوم جديد لشن الهجمات العسكريةتحت مصطلح " الضربات الاستباقية" التي ابتكرها الأمن القومي الأمريكي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والدفاع الاستباقي عن النفس. هذا المفهوم الذي يتعارض إلى حدٍ كبير مع مفاهيم القانون الدولي والمواثيق التي تنظم بين الدول.

وسرعان ما دعت ادارة بوش الابن إلى مرحلة التحضير للحرب على العراق. وفي هذا النقاش يمكن ان نعرض ما ذكره وزير المالية بول أونيلفي الكابينة الحكومية للرئيس بوش : كانت " ملاحقة صدام الموضوع (أ) بعد عشرة أيام من تنصيب جورج دبليو بوش، وقبل ثمانية أشهرمن أحداث ١١ سبتمبر " كما جاء ذلك في مقال الكاتب الأمريكي جوردون براثر والموسوم:

"تمكين حروب بوش العدوانية".

ومن ثم دخل العالم الكوني مرحلة جديدة من المفاهيم السياسية والدبلوماسية التي كانت ترسم شكل الدول الجديدة بعد مغادرة المفاهيم التيجاءت بعد الحرب العالمية الاولى والثانية، وبات امام مفهوم جديد " للسيادة " الذي استفز العقل الآلي والماكنة السياسية للدولة الحديثة. (هذه أشارة إلى القرار الأمريكي المنفرد لإعلان الحرب على العراق من جانب واحد رغم الاعتراضات التي وجهت من قبل أعضاء مجلس الامنالدولي).

ان مرحلة تحقيب الفترة التي بدأت مع انطلاق الاصطلاح (نظام عالمي جديد) وما تربت عليها من احداث كبيرة كلها عملت على صناعةمنطقة عالمية جديدة يمكن ان نضعها في خانة الكولنيالية المعاصرة حتى الوقوف امام بزوغ مفهوم جديد لتنظيم علاقة الدول مع بعضهاوترتيبها ضمن الخارطة الجيوسياسة الراهنة ونحو نظام عالمي جديد قد يؤلف بين أوروبا واسيا ليشكل قارة جديدة هي أوراسيا.

نلفت النظر إلى ان في الوقت الذي انشغلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها في إنشاء النظام العالمي، كان الفيلالهندي والتنين الصيني بعبارة الكاتبة " روبين ميريديث" يرسمان لمشروع اخر يختلف نوعيًا و إجرائيًا عن المشاريع الجيوسياسة السابقة. على الرغم من بطيء خطوات التنين الا ان أهدافه تكون دقيقة وصائبة، كذلك نعومة التنين الذي يمتاز بعضلاته المطاطية والتي تعطيه قابليةواسعة في ابتلاع طعامه مهما اختلف حجمه أو مساحته.

كذلك مرونة الوقت والتسامح قد أعطى فسحة جيدة للاعب الصيني أن يطور من نظريته القادمة التي هي بمثابة اعلان عن بداية عصر جديدهو : "القرن الصيني" المؤطرة تحت نظرية :"نحو نظام عالمي جديد - يقوده الصين " والذي صرح به الرئيس الصيني "شي جين بينج" بإحياء فكرة طريق الحرير القديم، فأثناء زيارته جامعة كازاخستان في سبتمبر2013، اذ أعلن من هناك عن عزمه إنشاء حزام اقتصاديجديد، وبعد شهر من ذلـك أثنـاء زيارته لإندونيسيا، أقر إنشاء "طريق الحرير البحري للقرن الحادي و العشرين"، و يشار إلى المشروعين معاباسم "مبادرة حزام واحد و طريق واحد"، ليتغير هذا الاسم إلى "مبادرة الحزام والطريق الصينية". التي تعمل على زيادة الترابط من خلالتحقيق ممر اقتصادي وتجاري يمر عبـر أوراسـيا لـربط الصين بأوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.

وضعت ثلاثة مراحل للمبادرة الصينية هي:

١- ٢٠١٣ - ٢٠١٦ دراسة تاريخية/جيوسياسية/استشرافية

٢- ٢٠١٦ - ٢٠١٩ اجراء مسح شامل والعمل على تنظيم ملتقى تحت اسم ملتقى " الحزام والطريق" الذي يلبي الراغبين من الدول الانضماملها.

٣- ٢٠١٩ - ٢٠٤٧ هي فترة العمل وتقييم المشروع.

 من اللافت جدا ان نشير إلى أمرين مهمين هما:

الأولى: الكلام يطول وذو تفاصيل كثيرة قد يغرق المقال بمصطلحات ومفاهيم كثيرة، جعل منا ذلك ان نترك الخوض في التفاصيل إلى مقالاتأخرى.

الثانية: "الحزام والطريق" ليس هو المشروع الوحيد والمطروح في وقتنا الحاضر، إنما هناك مشاريع اخرى وقد يتداخل البعض منها مع المشروع الصيني ومنها:

مشروع "قرن الغاز" الذي جاء بعد "قرن الفحم" و" قرن النفط"، والذي يبحث عن رسم خارطة جيوسياسية مختلفة كليًا عن المشروع الصيني. والذي يتناسب مع انتقالات الموجات التاريخية للمجتمع، الموجة الزراعية، والموجة الصناعية، والموجة التكنولوجية بعبارة ألفين توفلر.

السؤال الذي يطرح من خلال هذه القراءات هو:

هل نحن امام تقيم للعودة إلى الماضي واحياء التاريخ الذي يترك عندنا انطباعاً اوليا ، بعد معرفة ان مشروع الحزام والطريق هو محاكاة كليةللمشروع الصيني التاريخي القديم " طريق الحرير"، وإذا كانت هذه تنطبق مع الإجابة ، إذن هل نحن امام حوار حضارات ام صراعحضارات؟

كما جاء ذلك عند هنتنغتون الذي ذكر ان الكونفوشيوسية ربما سيكون العدو المستقبلي المؤجل؟

هل نحن أمام تنافس جيوسياسي جديد؟

 

د. طالب محمد كريم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم