صحيفة المثقف

مناقشة رؤية القائلين بفرعيّة الإمامة من الأشاعرة

بدر الدين شيخ رشيد«الإمامة أصل من أصول الدين وأحد أركانه الرئيسية. فالإنسان حيوان سياسي بقدر ما هو حيوان عاقل». د. حسن حنفي.

الحلقة السابقة عرضنا جانبا من التعليلات حول فرعيّة الإمامة من عبارات بعض متكلمي الأشاعرة كالإمام الغزالي والجويني والشهرستاني والآمدي والإيجي والشريف الجرجاني. إلا أننا إذا نظرنا إلى تعليلاتهم حول نفي أصوليّة الإمامة، نجد أنها لا تعتمد على برهان وجحة ثابتة، يمكن أن يعوّل عليه ويطمأن به. فغاية ما عوّلوا عليه أن الإمامة أصبحت موضع التعصب والهوى، ومثار الجدل والفن. فهل هذه حجة كافية؟ أم أن الدليل يؤخذ من الأحداث والوقائع في تاريخ الخلافة عند المسلمين؟

فالجواب عن هذا السؤال من جهة الأشاعرة لا بد أن نفرق بين الواقع التاريخيّ، في سياق الإمامة وبين مفهوم النظريّ الذى طوره متكلموا الأشاعرة وفقهائهم. فمن ناحية النظرية نجد، أن الإمامة عند الأشاعرة، تتم عن طريق إختيار أهل الحل والعقد. وحددوا مفهوم أهل الحل والعقد «على أهل الإجماع». وذلك، فيما قرروا في مبحث «الإجماع»، المعتبر عند أهل السنة الأصل الثالث من الأدلة الشرع، من أن أهل الإجماع هم«مجتهدوا علماء الأمة»، ومن هذا المنطلق، يتم إختيار الإماَمِ مِنْ قِبَلِ أهلِ الإجماع المتصفين بصفة الإجتهاد وغيرها من الصفات اللازمة للإمام عند الأشاعرة.

إن إعتبار الإمامة من الفروع لشبهة كونها مثار جدل وتعصب كما أشار الإمام الغزالي، يظهر ضعفه حين تقيّم مركزية الإمامة وموضها القياديّ في الأمة. وقد إنتقد نظريّة فرعيّة الإمامة، الدكتور حسن حنفي، فقال:«إن معظم الحجج التي تقدم لإعتبارالإمامة فرعا القصد منها إيهام الناس بأنها أمر صعب لا يمكن أن يعرف، كله تعصب وهوى، عليه خلاف، لا يهمّ في الدين كما تهم الأركان الخمسة.! وهل الخلاف عليها يمنع من كونها أصلا من أصول الدين؟ وأي شيء لم يحدث عليه خلاف حتى التوحيد، والعدل، والوعيد، والنبوة،والأسماء والأحكام، وهي أصول الدين، وقد وقع فيها الخلاف، ولم يمنعها ذلك من أن تكون أصولا للدين؟ وهل الخلاف عليها يقلل من شأنها ولا يجعلها أصلا؟. والخلاف في الراوية وارد في كل العقائد... وكيف لاتكون معلومة بالدين ضرورة، والقرآن كله حديث حول الإمام، والطاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثير من الموضوعات السياسية؟. وكيف تكون الإمامة غير معلومة في الدين؟ وهي الموضوع الأول الذي إختلفت عليه الأمة وكان سبب نشأة علم أصول الدين؟. ولما ذا تكون أقل من الأركان الخمسة؟ وما قيمة الشهادتين في العبادات دون إمامة أوجهاد في المعاملات؟. إن إستبعاد الإمامة مثل إسبعاد الجهاد كأحد أركان الدين إنما كان محاولة مقصودة لعدم تسييس الدين وإعتبار السياسة حكرا على السلطة وإبعاد الجماهير عنها حتي يستأثر بها الحكام. ولما ذا لا يكفر منكرها، كما يكفر منكر السمعيات. وهي موضوعات نظرية خالصة، لاتعم بها البلوى؟ وأيهما أولي بالكفر: من ينكر الملكين، أوعذاب القبر، أو الصراط، أو من يقهر المسلمين ويستذلهم ويسلط عليهم ويستغلهم ويصالح الأعداء؟. وبطبيعة الحال يشوب الموضوع حماس وإنفعال. فالسياسة ليست فقط علما نظريا فحسب بل هي ممارسة عملية، وتحزب ومواقف وتعارض مصالح وتصادم قوى. فمن الطبيعيّ أن يسود الهوى في الممارسة وأن يتدخل في صياغة النظرية. ومع ذلك فإن نظرية العلم قادر على الفصل بين العلم والهوي، وبين اليقين والظن. فالإمامة إذن أصل من أصول الدين وأحد أركانه الرئيسية فالإنسان حيوان سياسي بقر ما هو حيوان عاقل»1 .

البحث في الإمامة عن الواقع التاريخي المبنيّ بالغلبة والقهر، هو أمر خارج عن الإطار الشرعي في الحكم الإسلامى الصحيح؛ لأن العلماء فرّقوا بين الأشخاص الممثلين للخلافة وبين ماهية الخلافة. بحيث إن الخلافة كانت رمزا وشعارا للدين. أما الأشخاص فلم يكونوا«موضع إحترام»2 .

ومن هذا المنظور أكد الشيخ الغزالى رحمه الله أن ضابط الحكم الصحيح في الإسلام يقوم على قاعدتين:

الإختيار الصحيح؛ لأن الإختيار من حقوق المسلمين، فعليهم أن يختاروا من يمثلهم، ويترجّم عن نياتهم وأمانيهم، ومن يدفع عن حقوقهم وحدودهم، ومن يشارك أحزانهم وأفراحهم.

أن يكون الحكم إسلاميا؛ لأن« كل حكم يبعد الإسلامَ عن دستوره، أو يذكر الإسلام ذراّ للرماد فى العيون، ثم يمضي شاردا عن صراطه، بعيدا عن هٌداه، فهو حكم فقد شرعيته؛ لأنه فاقد لرضوان الله وتأييد الناس»3 .

وإذا نظرنا إلى ضوابط الإمامة من حيث كونها خلافة النبوة في الحكم عند كلاسيكي الأشاعرة، يظهر أنه يصدق بهذا المفهوم عند تحديد أهل الإختيار على « أهل الإجماع»،لكونهم قائمين مقام الأنبياء في أداء الرسالة الإلهيّة، وذلك لإتصافهم بالعلم والحكمة. فهم الحبل الواسط بين الرب والأمة؛ لأنهم ورثة الأنبياء من جهة العلم. فبهذا الإعتبار يمكن توظيف مفهوم الإمامة عند الأشاعرة من حيث النيابة عن الله ورسوله.

ويؤيد ما قررنا، نظريةُ الإمام الماوري[ت:450ھ/1058]، في الإمامة، حيث عاش في عصر نفوذ دولة البويهية الشيعيّة في العراق وما يتصل بها من بلاد فارس من فترة [ت:321ھ-447ھ/933م-1055م]. فرغم هذا كله تجد أنه قرر سيادة الخلافة في أراضى المسلمين، بإعتبار كونها رمزا للوحدة بين المسلمين. إضافة إلى ذلك، فأنه إشترط شروطا على الإمارات المستولى من قبل بعض الأمراء التابعة للخليفة. وذلك للخروج من الفساد إلى الصحة، ومن الحظر إلى الإباحة. وعلَّله في تصحيح إمارة المستولى- بعد تنفيذ أحكام الله- بأنها حالة إضطرار؛ لأنه «إن خرج عن عرف التقليد المطلق في شروطه وأحكامه، ففيه من حفظ القوانبن الشرعية وحراسة الأحكام الدينية ما لا يجوز أن يترك مختلا مذخولا، ولا فاسدا معلولا. فجاز فيه مع الإستيلاء والإضطرار ما امتنع في تقليد الإستكفاء والإختيار، لوقوع الفرق بين شروط الممكنة والعجز»4 .

وهذه القوانين من حيث الإلتزام، يشترك فيها الخليفةُ والمستوْلِيْ، إلا أن المستوْلِي فى حفظها أغلظ، وهي تعتبر عند الماوردي سبع قوانين:

حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوّة وتدبير أمورالملة، ليكون ما أوجبه الشرع من إقامتها محفوظا، وما تفرع عنها من الحقوق محروسا.

ظهور الطاعة الدينية التى يزول معها حكم العناد فيه، وينتفى بها إثم المباينة له

إجتماع الكلمة على الألفة والتناصر، ليكون للمسلمين يد على من سواهم.

أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة، والأحكام والأقضية فيها نافذة، لا تبطل بفساد عقودها، ولا تسقط بخلل عهودها.

أن يكون إستيفاء الأموال الشرعية بحق تبرأ به ذمة مؤديها، ويستبيحه آخذها

أن تكون الحدود مستوفاة بحق، وقائمة على مستحق؛ فإن جنبى المؤمن حمى، إلا من حقوق الله وحدوده.

أن يكون الأمير في حفظ الدين ورعا، عن محارم الله، يأمر بحقه إن أطيع، ويدعوا إلى طاعته إن عصي5 .

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم:

.........................

1- حنفي، حسن، من العقيدة إلى الثورة، مكتبة مدبولي القاهرة مصر، 1988م، ج5/ص167-169.

2- الغزالى، محمد، جهاد الدعوة ببن عجز الداخل وكيد الخارج، دارالقلم، دمشق، سوريا، ط1/1411ھ/ 1991 م ص 82.

3- المصدر السابق، ص118.

4- الماوردى، الأحكام السلطانية والولايات لدينية، تحقيق، خالد عبد اللطيف السّبع العلميّ دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، ط1/ 1410ھ/1990م، ص77.

5- المصدرالسابق، ص39-40.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم