صحيفة المثقف

الاقتصاد في العراق القديم

حسيب الياس حديدبقلم أج ليمت

ترجمة الدكتور حسيب حديد

وضعت الوثائق التي تركتها لنا الادارة السومرية في اور الثالثة تحت تصرف الباحثين معلومات حول الحياة الاقتصادية في تلك الفترة. ولدينا اقتباس من هذه الارشيفات لاشارات عديدة حول أسعار المعادن والعطور والسلع والبضائع الاخرى وكذلك حول نشاط  رجال التجارة (dam. gar). ومن ناحية اخرى، ندرك جيداً المشكلات الاساسية للاقتصاد السومري : نقص الاخشاب الخاصة بالبناء والاحجار والمعادن ووفرة الحبوب وازدهار الرعي وتربية الحيوان. وليس من المجدي حقاً العودة إلى هذه المسائل ثانياً ويكمن هدفي هو التحقيق لفترة محددة من العموميات المسموح بها ومعرفة فيما اذا كانت تعكس الحقيقة والتحقق من مناظير معينة. وبصورة خاصة، هنالك نقطتان ينبغي تفحصهما:

1-  التمييز بين السلع التي تمثّل الحاجات الاساسية، السلع المفيدة والسلع الترفيّة.

2- حجم التجارة واخلاقياتها.

في الحقيقة ليس بالامكان اجراء مقارنة بين قيم المجتمع السومري وطرائق حياة بابل مع ما موجود لدينا. كما ان  خططنا النظرية لاتعدّ تطبيقاً. ولفهم آلية التجارة السومرية الحديثة وينبغي بذل المزيد من الجهود لاظهار الدوافع الاجتماعية والبيانات الجغرافية. ونبدأ من الفكرة الجوهرية : ان كل مجتمع لكي يتمكن من الاستقرار في مكان محدد لابد من الاكتفاء بالمواد الاساسية من الغذاء والمأكل والملبس والمسكن. فإذا لم تستطع أن تتغلب على المشكلات التي تجابهها فلابد أن تتحرك للبحث عن طرائق للعيش والوسائل الكفيلة بذلك. هذا من جهة ومن جهة أخرى، يعمد الناس في هذه المرحلة الى البحث عن الراحة وتحسين ظروف العمل وخاصة تشجيع التجارة والتبادل التجاري.

كما هو معروف كان لدى  للسومريون ما يكفيهم من الغذاء ويسد حاجتهم. ويعتمد الغذاء لديهم على الشعير بالدرجة الاولى (še) مع وجود كميات من القمح (gig) وحنطة النشاء (ziz). ويتم استهلاك هذه الحبوب باشكال مختلفة : الطحين والخبز وغير ذلك وهذا ليس موضوع دراستنا. وتعزى وفرة هذه المنتجات إلى الري الواسع الذي يتطلب عملاً دؤوباً فأن الكميات كبيرة والمجاعة نادرة. ونلاحظ منذ البداية ان الخطة مختلفة  من الناحية التجارية كما هو متّبع في التجارة الاتينية (أي في أثينا) القديمة ولكنها تشبه الطريقة المتبعة في اوربا الغربية في العصر الوسيط.

وتشكّل الخضراوات والتوابل كمية لا يمكن تجاهلها. ففي بعض المجالات في لكش نجد زراعة القمح والحمّص والعدس وكذلك الخردل (gazi) وأنواع عديدة من الكمون ونباتات عديدة. وسوف نلاحظ مقارنة مع فترات سابقة هناك (úše.l) موجودة بكثرة وهناك تطور كبير في الذوق المطبخي. ونجد في الغالب مصطلحات سامية موجودة  يتردد حولها الكتبة السومريين zi- bi-a-num/ zi-bi-tum ربما تشير إلى صفة حضارية غربية. وقد اعتاد السومريين على زراعة أنواع عديدة من النباتات المعطّرة في حدائقهم ويعد هذا المجال مستثنى من التجارة. ويبدو هناك أشجار النخيل وبساتين العنب التي تجهز بانتاج كبير واستهلاكها واضح حتى يومنا هذا الا ان ذلك لم يكن يشكّل الغذاء المعتاد.

أما الحاجات التي كانت تتطلب الزيوت فأنها كانت تعتمد على الزيوت النباتية السمسم (I.giš) وشحم الخنزير (i-šah) وزيت السمك (i- ku6) يضاف إلى ذلك منتجات الحليب والاسماك. أما بالنسبة لاستهلاك اللحوم فأنه واضح تماماً ولكن بصورة نادرة. وبنفس الاتجاه تقتبس النصوص مواد دسمة كثيرة تثير هي الاخرى مشكلات مثل المشكلات التي تثيرها الفواكه.

ومع ذلك. وكما هي الحال مع جميع العصور وحتى التاريخ القريب لا نعرف تماماً ما يقدمه الانتاج الخاص للفلاحين : خضراوات من حدائق وبساتين صغيرة والزواحف والصيد البري والبحري الذي كان مصرحاً به. وتدل هذه الاشياء على الاقتصاد ولكن لم يكن من المؤكد وجود استيرادات. وينطبق ذلك على الملابس حيث كانت هناك ورش (ومحلات) خاصة بالنسيج وفي الغالب كانت النساء هن اللواتي كنّ يعملن  في (الخياطة) أو النسيج.

يعتمد النظام الاقتصادي وبدرجة كبيرة على اعادة توزيع العوائد وبصورة خاصة يستفيدون من (šguru) و (gemé). أما نظام الرواتب فقد كان قائماً بصورة فعلية اذ تم تنظيم الرواتب بموجب سلّم يعتمد على الدرجات الوظيفة. أما النشاط التجاري فكان يزاوله الذين تتجاوز مدخولاتهم حاجاتهم والحركة التجارية كانت محلية. وطبقاً للوثائق الموجودة من نفر (نيبور) والتي نشرت أصبحنا على بنية من شراء العبيد والحيوانات والبيوت والحدائق. وهناك مفردات كثيرة تدل على ذلك مثل (šàm) (يشتري) (ni- šam) (سعر الشراء). وكان لهذه التجارة تأثير على الاحداث السياسية مثلما حدث عند سقوط (lbbi- sin) وهناك تأثير أيضاً على تنوع الانتاج في خضم ما نطلق عليه بالاقتصاد الجزئي (micro- économie).

وفي فترات معينة – مثل اور الثالثة -  ولاسباب لم يتم تحليلها بصورة جيدة تمتعت المنطقة بازدهار سمح لها بالكثير من التنمية والتطور. وفي تلك الفترة كانت التجارة العامل المهم حيث كان يتم الاتّجار  مع الدول المجاورة وحتى الدول البعيدة جغرافياً حيث كانت تزود بالاحجار والمعادن والعطور والتوابل. أما آليات هذا النوع من الاقتصاد المعروف بالاقتصاد الكلي (macro- economie) الذي كان يضم منطقة (الشرق الاوسط) فأننا لا نعرف الكثير عنها. أما بالنسبة للاسعار فكانت تتم حسب ما كان سائداً وطبقاً لمعايير نجهلها. وعلى سبيل المثال في ديلمون (Dilmun) كان يؤمها السومريين في الفترة قبل السرجونية وكانت تربطها علاقات وطيدة مع السومريين في اور الثالثة.

أما فيما يتعلق بالاستيرادات نجد ان القائمة تتضمن المعادن : النحاس بالدرجة الاولى والقصدير الذي لم يعد من الاحجار الكريمة منذ فترة أكد. فقط كان النحاس شايع الاستعمال حيث  كانوا يصنعون منه الادوات الزراعية والاسلحة. أما القصدير فقد بقي سعره مرتفعاً وهناك مواد مصنوعة من البرونز تبقى جزءاً من "الكنوز". كما كانوا يستوردون كميات من الكحل. (su- gan).

أما من المنتجات الضرورية فهو القار ومشتقاته علماً ان مصادره الرئيسة موجودة في هيت وعلى الفرات الاوسط وفي الشمال في منطقة كركوك. ومن بين المشتريات والمواد الضرورية الجص الذي يستعمل للبناء ويستعمل أيضاً للتلوين. وهناك أيضاً أنواع من الخشب لم يكن بالامكان معرفة أنواعه وليس من المستبعد أن انواع من الخشب يتم جلبها من المناطق المجاورة بدون أية صعوبات علماً ان مصادر الخشب في بلاد سومر كثيرة. ومن المواد المهمة التي تدخل في التجارة هناك العطور والاخشاب النفيسة غير القابلة للعفونة وغالية الثمن. وسوف نجد أيضاً التجارة مع أماكن أخرى ويتعلق الامر بالمواد الترفيّة.

ونود هنا ان نحلّل بعض الحالات الخاصة. أولها الملح حيث كان يتم استيراد (11) درخمة (مينا) وأحياناً (17) مينا ولم يتم حساب الا كميات محددة. ولم نعرف الملح الا على شكل "طابوق" (Sigs) أي قوالب ولم يتم ذكر الملح ضمن التوابل. والملح المعروف لدينا لم يدخل ضمن الاستعمالات المطبخية من قبل عامة الناس حيث كان يستبدل عادة (الكالين) المتأتية من النباتات (naga). (naga.si.e). ونؤكد على وجود الغذاء المعتاد للسومريين مثل الخبز والزيت النباتي والبصل ويقال الشيء ذاته حول العسل (làl) الذي كان يستعمل بدلاً من السكر الذي يشتق من قصب السكر في الوقت الحاضر. ومن المحتمل ان كلمة (làl) تعني "شراب" يشتق من الفواكه وبصورة خاصة من التمور التي كانت تشكل الحلوى، أما العسل أي عسل النحل فلم يتم ذكره الا بكميات قليلة ويبدو انه غالي الثمن عندما يتم جلبه من قبل التجار. وتعد الواح ماري أكثر وضوحاً من الواحنا حيث ان هذه الالواح تؤكد على ما يأتي: أن العسل يشكّل أحدى المواد المهمة المستعملة في الهدايا التي يبعثها كبار الموظفين واصحاب الدرجات في المناطق التي تقع شمال أو غرب ماري. (2) 

 

.............................

  1. Limet: Les schemas du commerce neo-Sumerien

المصدر:

  1. Limet: Les schemas du commerce neo-Sumerien

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم