صحيفة المثقف

علاقة علم أصول الدين بعلم الفروع (الفقه)

بدر الدين شيخ رشيدرؤية  د. حسن حنفي نموذجا

إن علم أصول الدين، كعلم عقائدى يقابله علم أصول الفقه. ويتفرع الأخير منه علم الفقه، وهو ما يعرف بالفروع عند المذاهب الفقهية.

بحث الدكتور حسن حنفي العلاقة بين علم أصول الدين وعلم الفقه ووظيفة كل منهما فذكر أن  مهمة علم أصول الدين، هو البحث عن أصول الدين وهو عند القدماء أصول عقلية، يتم الحصول عليها عن طريق تأسيس العقائد فى العقل. والعقل عند القدماء  يشمل، الحس، والعقل، الحدس، والإستدلال، الإستنباط، والإستقراء، والمعرفة العقلية، والمعرفة التجريبية، والمعارف النقلية وشهادات التاريخ1 .

ويقترن علم أصول الدين بعلم آخر، وهو علم أصول الفقه. والعنصر المشترك بينهما هو الأصل. وبلغتنا المعاصر التأصيل. وهو البحث عن ألأسس النظرية التى يقوم عليها العلم، وفى نفس الوقت، تكون هذه الاسس هي بناء الواقع ذاته، وإلا كانت مجرد إفتراضات نظرية لا أساس لها في العقل أو فى الواقع.

والتأصيل هو البحث في المبادى الأولى. وهي في نفس الوقت القوانين التي تتحكم في بناء العالم. والعلاقة بين العلمين عند القدماء، علاقة أصول النظر بأصول العمل. فأصول النظر موضوع علم أصول الدين، في حين أصول العمل موضوع علم أصول الفقه. ولما كان الهدف من تأصيل النظر توجيه السلوك، يكون علم أصول الدين نظرية السلوك، ويكون علم أصول الفقه معيار السلوك. وعلم أصول الدين، يحدد  التصورات للعالم، ويحدد رسالة الإنسان في الحياة، وموقفه من العلم وعلاقته الأخرين. بينما علم أصول الفقه يعطيه مقاييس السلوك، ويصف له كيفية تحقق الأفعال في مواقف معينة. فهو إذن، علم معياري عملي في حين أن علم أصول الدين هوعلم نظري خالص يكون نظرية المعيار وأساس القياس2 .

ويكون التقابل أحيانا بين أصول الدين وعلم الفقه، أي دون توسط علم أصول الفقه. وفي هذه الحالة، تكون مهمة علم أصول الدين النظر، ومهمة علم الفقه العمل. فإذا كان الفقه هو العلم العملي الخالص الذى يصف أفعال الناس ويقنِنُ سلوكهم، وكان علم أصول الفقه هو العلم النظري العملي الذي يعطينا نظرية العمل، ومنطق السلوك ومنهاج الفعل، فإن علم أصول الدين هو: علم النظري الخالص الذى يضع الأساس النظرى للسلوك. فهو إذن نظرية النظرية العملية، أو علم العلم العملي وبتعبير أبسط يكشف التقابل بين علم أصول الدين وعلم الفقه، أنّ علاقة التوحيد بالشريعة هي علاقة النظر بالعمل.

ولما كان النظر أصل العمل، فعلم أصول الدين أصل علم الفقه. لذلك تنقسم الفرق إلى أهل الاصول وأهل الفروع. وبالتالي يكون علم أصول الدين هوعلم الفرق فى الأصول، وعلم الفقه هو علم الإختلاف في الفروع. والأول أخطر من الثانى وأهمّ. وكان نتيجة فصل العلمين عند القدماء إلى علم للأصول وعلم للفروع،  أنه لم يحدث أن تبين لأحد كيف تُخْرَجُ العلوم العلمية من الأصول النظرية. بل قد تحول التوحيد إلى عقائد نظرية مغلقة على نفسها، وكأنها حقائق مستقلة بذاتها، وليست أيضا دوافع للسلوك وبواعث على العمل، كما تحول الفقه إلى مجرد طاعة للأوامر واجتناب للنواهى، على نحوعملى خالص يصل إلى حد العادات والأعراف. مع أن المهم في التأصيل أيضا هو كيفية خروج العمل من النظر، وتحقق النظر في العمل خاصة، وأن كليهماعلم الأصول. ومن ثم تكون تفرقة القدماء بين الإعتقادات بإسم التوحيد والعمليلات بإسم الفقه قد أدت إلى جعل الإعتقادات مجرد إيمانية منفصلة عن العمليات، دون أن يكون لها أي أسس عقلية، كما تجعل العمليات مجرد عبارات وشعائر تتم ممارستها بالعادة والتكرار.وأيضا، كيف تكون العقائد كلها نظريا لا صلة لها بالعمل، ويكون الفقه وحده هو العمل لا صلة له بالنظر؟.

وبالرغم من محاولة القدماء الربط بين الإثنين عن طريق الصلة بين اليقين والظن - وهى صلة نظرية منطقية خالصة. إذ الأصول يقينية يمكن الإستدلال عليها والبرهنة على صدقها، والفروع ظنية؛ لأنها مجرد إجتهادات عملية لتحقيق مصالح الناس- إلا أن الصلة ظلت أيضا مبهمة.  فكيف يخرج الظن من اليقين ؟.

وإذا كانت الأصول النظرية يقينية - لأنها هي الأسس التى تعتمد على إتساق العقل وقوانين المنطق، وكانت التطبيقات العملية ظنية؛ لأنها الفروع التى تقوم على المصلحة، و التي قد تختلف من فرد إلى فرد ومن جماعة إلى جماعة، ومن مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر- فكيف يكون أساس العمل يقينا ويصدر عنه عمل ظنى؟. وكيف يمكن من هذه الأسس النظرية الواحدة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ولا تختلف باختلاف الشعوب والأوطان إستخراج عمليات تختلف بإختلاف الزمان والمكان وبإختلاف الشعوب والأوطان3 .

إن أهمية الأصل هو البحث عن الأساس. والأساس في العقل المصلحي هوالذى يجتمع فيه علم أصول الدين وعلم أصول الفقه أو علم الفقه. والعقل المصلحي هو الذى يجمع بين العقل النظري والعقل العملي. لقد أدى الفصل بين العلمين في حياتنا المعاصرة إلى الفصل بين العقيدة والإستدلال، وبالتالى غياب التأصيل في العقل وتحول العقائد إلى عواطف إيماتية خالصة، تعوضنا عن نقص العمل، وإنزواؤنا في دائرة الوجدان وإنغلاقها وتحولها إلى شئء بدلا من إنفتاحها على العالم، كبواعث للسلوك ومقاصد للفعل. كما أدى الى توقف الإجتهاد في العقيدة وحصره في الشريعة وحدها، وإعتبار أن العقائد لها أسس واحدة ثابة لا تتغير مما أدى إلى ضمورها وقدمها وعدم تعبيرها عن واقع الأمة وظروفها الراهنة. ثم حدث الفصل بين العقيدة والمصلحة، وتحولت العقائد إلى بدائل عن المصالح، وضاقت مصالح الناس ولم ترعها إلا الحركة العلمانية التى نشأت أساسا بسببها، وكرد فعل على العقائد الإيمانية اللاعقلية الفارغة من أىّ مضمون. وقد أدى ذلك كله في النهاية إلى فصل النظر عن العمل، وبقاء العقيدة دون شريعة. فضاعت الشريعة ولم تغن عنها العقيدة شيئا. ومادامت العقيدة مقدسة من الله والشريعة لصالح الإنسان فقد إنتشر فى عقليتنا الفكر اللاهوتي، وغاب الفكر الأنساني المصلحي فتأكدت محورية الله وهامشية الإنسان4 .

 

د. بدر الدين شيخ رشيج:

........................

1-  حنفي، حسن حنفي،  من العقيدة إلى الثورة مكتبة مدبولى، القاهرة، مصر، 1988م، ج1 /ص 63

2 -  المرجع السابق ج1 ص 63-64

3 - المصدر السابق ج1 /ص 65

4 - المصدر السابق ج 1 ص 66

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم