صحيفة المثقف

لا تُحوِّل حرفك!

عاطف الدرابسةقالت له :

لا تتحدَّث إليَّ

بصوتِ الأنبياءِ

أو الأولياءِ

أو الأبرياء ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتِ النَّبيذِ المُعتَّقِ

بصوتِ الخمرِ

أو بصوتِ آخرِ كأسٍ

تذوَّقتُها معكَ ..

 

أعدنِي إلى عهدِ مراهقتي

أعدنِي طفلةً

على عتباتِ العشرين ..

 

أعدنِي أُكمِلُ بجسدي

حين أرقصُ

آخرَ النَّغمات ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوت الطَّباشيرِ

على الجدرانِ ..

 

بصوتِ الفراشاتِ

لتُعيدَ إليَّ

أوَّلَ الذَّاكرةِ

وأوَّلَ الأُمنيات ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتِ العصافيرِ

قُبيلَ الغروبِ

لأملأَ اللَّيلَ معكَ

بالأغاني

بالرَّقصِ

بالآهات ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتِ المقموعينَ

المقهورينَ ..

 

بصوتِ الوطنِ

المُنتحِبِ

المُختنِقِ

بصوتِ الجوع ..

 

تحدَّث إليَّ

بأصواتِ المُهمَّشِينَ

على الأرصفةِ

وفي الممرَّاتِ الضَّيِّقةِ

وفي فناءِ الحارات ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتكِ المطعونِ

بخنجرِ الخيانات ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتِ القضبانِ

التي تختزنُ في خلاياها

آخرَ أسرارِ السجناء ..

 

تحدَّث إليَّ

بصوتِ أمِّي

وصوتِ أُمِّكَ ..

 

تحدَّث إليَّ

وأصغِ جيداً

كيف تبكي العذارى

وكيف تبكي الحوريَّات ..

 

كُفَّ عن الشَّكوى

كُفَّ عن الألمِ

ففي ظهرِي

آلافُ السَّكاكينِ

المغروسةِ

كسنابلِ القمحِ

كالرِّماحِ في الرِّمال ..

 

كُفَّ عن الشَّكوى

كُفَّ عن التَّذمُّرِ

كُفَّ عن الضَّعفِ

كُفَّ عن العجزِ

وتعالَ معي نتجوَّلُ

في أنحاءِ الوطن

أو في أنحاءِ الذِّكريات

لنستعيدَ معاً

آخرَ القصائدِ المنفيَّةِ

آخرَ اللَّوحاتِ المهاجرةِ

آخرَ الأنغامِ النَّاقصةِ

آخرَ المدنِ المُحترِقة ..

 

تعال لنزورَ معاً

كلَّ الملاجئِ

وكلَّ المقابرِ

وكلَّ السُّجونِ

وكلَّ المدارسِ المُعطَّلَة ...

 

هاتِ يدكَ

وامضِ معي

نستعيرُ أقصى الألمِ

من صدورِ الأُمَّهات ..

 

لا تُحِوِّل حرفكَ

عن الجرحِ العميقِ

في جسدي

وفي جسدِ البلد ..

 

لا تُحِوِّل حرفكَ

عن قصورِهم

وحدائِقهم

فكلُّ حجرٍ

بُنِيَ بدمِنا

بدمعِنا ..

 

وكلُّ سُورٍ

شُيِّدَ بحرمانِنا

وجوعِنا ..

 

وكلُّ زهرةٍ

أينعت في حدائِقهم

لا تُثمِرُ إلا آلامَنا

أحزانَنا

يأسَنا ..

 

لا تُحِوِّل حرفكَ

عن نهارِنا الحزينِ

فحرفُكَ يا سيِّدِ الحرفِ

كالنَّارِ

تُشعلُ ما تبقَّى من ذاكرتِنا

وذاكرةِ أيَّامِنا القاسيةِ

فالذَّاكرةُ يا سيِّدي

كالأرضِ

تحمي الجذور ..

 

د.عاطف الدرابسة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم