صحيفة المثقف

إشكاليّة صفة العدالة للإمام ومناقشتها عند الأشاعرة

بدر الدين شيخ رشيد

مفهوم العدالة: العدالة من حيث اللغة مأخوذة من الإستقامة، والعدل مأخوذ من الإعتدال، وسمى العدل عدلا لإستواء أفعاله، حتى لا يكون فيها ميل عن الصواب[1]. وعرّف الجرجاني العدالة من جهة اللغة بأنها الإستقامة[2].

أما من حيث الشرع فهناك عدة تعريفات متعددة وردت من كبار متكلمي الأشاعرة وفقهائهم. هذا، وسنكتفي بتعريف الإمام الماوردى للعدالة[ت:450ھ/1058م]: حيث عرف صاحب العدالة، ب- «أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفا عن المحارم، متوقيا المآثم، بعيدا من الريب، مأمونا فى الرضا والغضب، متصفا للمروءة اللازمة فى دينه ودنياه. فإذا تكاملت فيه فهي العدالة التى تجوز بها شهادته وتصح معها ولايته. وإن إنخرم منها وصْفٌ مُنِعَ من الشهادة والولاية، فلم يسمع له ولم ينفّذ له حكم»[3].

أقسام العدالة:

العدالة عند الأشاعرة قسمان: عدالة كبرى وعدالة صغرى. أما الكبرى فهي تجنب فسق الأعمال والمعتقد. وأما الصغرى فهي تجنب فسق الأعمال [4]. وأقل درجة العدالة من حيث الرتبة عند البغدادي، هي عدالة الشاهد، من حيث التحمل والأداء[5].

فالبحث فى حقيقة إشتراطية صفة العدالة فى الإمام عند الأشاعرة يُعَدُ مشكلاً . وحقيقة هذا الإشكال يرجع إلى صفة العصمة، لِمَاْ أن العدالة والعصمة بينهما علاقة قوية وثيقة. ولما كانت صفة العصمة للإمام غير معتبرة بها أصلا عند الأشاعرة، يظهر أنها أثّرت صفة العدالة بشكل قوي إلي حد أن بعضهم لم يعتبرها صفة أساسية للإمام. وإشكال صفة العدالة يظهر عند الأشاعرة، إمامة الفاسق في حالة الإنعقاد أو إذا طرأ عليه الفسق في أثناء الخلافة.

إن مناقشة إشكالية صفة العدالة عند الأشاعرة، سنقارن أراء بعض متكلمي الأشاعرة

وفقهائهم مثل: الباقلاني [ت:403ھ/1012م] والبغدادي[ت:429ھ/1037م] والماوردي [450ھ/ 1058م]، والجوينى [ت:478ھ/1085م]، وابن خلدون [ت:808ھ/1405م].

الإمام الباقلانى [ت:403ھ/1012م]: لم يعتبر صفة العدالة كصفة أساسية لازمة للإمام، عند بحثه في شروط الإمام[6]. وقد سلك الإمام الجويني [ت:478ھ/1085م]،مسلكه في عدم إشتراطيّة العدالة للإمام[7].

فإذا نظرنا إلى صفة العدالة للإمام نجد أن الإمام الماوردي[ت 450ھ/1058م]: أعتبرها صفة أساسية للإمام[8]. كما إعتبر أيضا ابن خلدون [ت:808ھ/1405م]، وذلك لما أنّ الإمامة«منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها، فكان أولى باشتراطها فيه. ولا خلاف في إنتفاء العدالة فيه بفسق الجوارح من إرتكاب المحظورات وأمثالها، وفي إنتفائها بالبدع الإعتقادية خلاف»[9]. أما الإمام البغدادي [ت:429ھ/1037م]: فقد إعتبرهاعلى قدر عدالة الشاهد، وهي أقل مراتب العدالة التي يمكن للقاضي أن يحكم من خلالها القضيّة [10].

إن إشكالية إشتراط صفة العدالة للإمام عند الأشاعرة، تظهر إمامة الفاسق في حالة الإنعقاد أو إذا طرأ عليه الفسق كما أشرنا لاحقا، فالإمام الماوردي، قسّم الجَرْحَ في عدالة الإمام إلى قسمين:

منها مايتعلق بأفعال الجوارح، كإرتكابه بالمحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيما وإنقيادا للهوى، فهذا فسق يمنع من إنعقاد الإمامة ومن استدامتها. أما إذا طرأ على من أنعقدت إمامته خرج منها، فإن عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد.إلا أنّ بعض المتكلمين جوزوا الإمامة إليه إذا عاد إلى العدالة من غير أن يُسْتأْنَفَ له عقد ولا بيعة، لعموم ولايته ولحوق المشقة في إستئناف بيعته.

ومنها ما يتعلق بشبهة إعتقادية، تعترض عليه، حيث يتأول الحق بغير وجهه. وقد إختلف العلماء فيها. فذهب فريق من الفقهاء إلى أنها تمنع من إنعقاد الإمامة ومن إستدامتها، ويخرج منها بحدوثه ؛ لأنه لما إستوى حكم الكفر بتأويل، وجب كذلك أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل. وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من إنعقاد الإمامة ولا يخرج منها كما يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة[11].

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم

.............................

[1] - ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد، معالم القربة فى طلب الحسبة، الشهود وما يتعلق بهم ج1/274 أنظر: الموقع:

http://www.al-islam.com

[2] - الجرجانى، التعريفات، تحقيق، إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان ط1/1405ھ، ص191.

[3] - الماوردى، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق، خالد عبد اللطيف السّبع العلميّ دار الكتاب العربي بيروت لبنان، ط1/ 1410ھ/1990م، ص131.

[4]- الطرطوسى، نجم الدين إبراهيم بن علي،تحفة الترك فيما يجب أن يعمل  في الملوك، تحقيق، الحمداني، د/عبد الكريم محمد مطيع،ط2/ ص18 ،أنظرالموقع:  http://www.alwarraq.com

[5] - البغدادى، كتاب أصول الدين، دار الكتب العلمية، بيروت بيروت، ط3/ 1981م ص277.

[6] - الباقلانى،التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، تحقيق،محمود الخضيرى، و محمد عبد الهادى، دار الفكر(بدون تاريخ) ص181-183.

[7] - الجوينى، الفياثى غياث الأمم فى التياث الظلم، تحقيق، عبد العظيم الديب، كلية الشريعة، جامعة قطر، ط2/1401ھ/ 1981م، ص76-88.

[8] - الماوردى، الأحكام السلطانية والوولايات الدينية،، تحقيق، خالد عبد اللطيف السّبع العلميّ دار الكتاب العربي بيروت لبنان، ط1/ 1410ھ/1990م ص31.

[9] - ابن خلدون،مقدمة ابن خلدون، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، ط4/(بدون التاريخ)ص193.

[10] - البغدادى، كتاب أصول الدين، دار الكتب العلمية،،بيروت، لبنان، ط3/1401ھ/ 1981م ص277.

[11] - الماوردي، الأحكام السلطانية والوولايات الدينية، تحقيق، خالد عبد اللطيف السّبع العلميّ، دارالكتاب العربي،بيروت، لبنان، ط1/ 1410ھ/ 199 0م، 53-54.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم