صحيفة المثقف

الهويّة والحضارة في مواجهة استراتيجيّات النّفوذ الغربي

لكلّ شعب من الشّعوب هويّته الاجتماعيّة و خصوصيّته الحضارية التّي تميّزه عن غيره وهو السّبب الملحّ لتأسيس أنثروبولوجي يضمن تفاعل الهويّات والأنساق الاجتماعيّة ضمن قيم مشتركة تأسّس لإيتيقا الحوار والتّعايش السّلمي بين الجميع في ظلّ الاعتراف المتبادل بالهويّة والاختلاف.

ما طرحناه صراحة يعتبر هلاميّا بالنّسبة للواقع الحياتي فبمجرّد أن نذكر" المركزيّة الأوروبية" يسقط هذا الحلم الجميل للخصوصيّة الثّقافية التّي اندثرت في الكونيّة الثّقافيّة نتاجا للممارسات العنصرية والهيمنة الاستعماريّة واحتكار الكونيّة من قبل الخصوصيّة القوميّة والثّقافيّة، على اعتبار أنّ أوروبا الدّاعية لحقوق الإنسان وحقوق القوميّات والأقلّيات تمارس الهيمنة الامبريالية والاستعماريّة والميز العنصري الذّين أثّروا في علاقة المجتمعات الغربيّة ببقيّة الأمم .

وعليه فلا مجال لنكران أنّ الكونيّة الامبرياليّة المحابية للمركزيّة الأوروبيّة تمثّل خطرا على العالم وتنذر بالانزلاق في الحروب والصّدامات .

فهل أنّ الاختلاف الثّقافي بين الأمم سيبقى رهينة التّفاوت في القوّة وتعميم إستراتيجيا السّيطرة؟ أم أنّه سيتّجه إلى تأسيس حضارة عالميّة تعترف بالجميع لتشكّل حضارة الإنسانية؟

أ- احتكار الكونيّة من قبل الخصوصيّة القوميّة والثّقافيّة وتبعاتها:

تعتبر مركزيّة المجتمعات الأوروبيّة النّاتجة عن الحداثة والتّقدّم العلمي والاجتماعي والسّياسي والاقتصادي السّبب الرّئيس الذي مكّنها من فرض تبنّي هويّتها الفكرية والحضاريّة التي تزعمها على سائر المجتمعات الأخرى ، بيد أنّ هذا الفرض التّعسّفي يعتبر فاقدا للشّرعيّة الأخلاقية على اعتبار وأنّه من المنظور الإيتيقي لكلّ فرد و شعب الحق في الوعي بكيانه القومي والتّاريخي من خلال خصوصيّته وتفرّده واستقلاليّته التّامة عن كل الشّعوب والحضارات الأخرى، فالأصل في ذلك هو الاعتراف بالتّنوع والاختلاف وهو الأمر الذي تتجاهله هذه المركزية الأوروبيّة لتفرض بذلك على غيرها تبنّي نماذج أخرى في التّفكير والسّلوك محابية لثقافتها الغربية تقوم على فرضيّة عدم التكافؤ والتّفاوت بين ثقافات قويّة متقدّمة وأخرى ضعيفة متأخّرة، تفرض عليها إلزاما التّنكّر لهوّيتها بكلّ مقوّماتها التّاريخية   الحضاريّة أو النّفسيّة الاجتماعيّة.

ممّا سيؤدّي إلى تدمير كلّي للمستويين الفكري والعلمي خاصّة، و كذلك آثار وخيمة على الشّعوب الأخرى ذلك لأنّ واقع المجتمع البشري متنوّع و مختلف في أعراقه ولغاته ودياناته ورموزه الأخلاقيّة والسّياسيّة والفنّية وغيرها .

ب- استراتيجيّات القوى لبسط النّفوذ الغربي:

إنّ تقدّم الغرب في العلوم والتّقنية والاقتصاد الذي أدّى إلى التّراكم الرّأسمالي أفضى إلى ظهور الاستعمار والتّصفية العرقيّة وحروب الإبادة للأقلّيات .

كما لا يخفى ظهور الهيمنة الامبرياليّة الأمريكيّة بعد الحرب العالميّة الثّانية تحديدا، و بروز تنافس سياسي وعسكريّ و إيديولوجي من أجل السّيطرة على العالم وهي فترة توازن الرّعب النّووي أو الخوف من اندلاع الحرب العالميّة الثّالثة وقد سمّيت " بـالحرب البارة "، لكن انهيار جدار برلين وتراجع نفوذ الاتّحاد السّوفياتي أعطى من جديد التّفرّد الامبريالي للولايات المتّحدة لأمركة العالم والسّيطرة عليه ، ما يثبت أنّ أمريكا تمكّنت من نشر حلمها معتمدة لذلك جل الوسائل الفكرية والثّقافية كالقوة النّاعمة المتمثّلة مثلا في " سينما هوليود" والقوى الحربية كالأساطيل الحربيّة المنتشرة في محيطات العالم والقوى التّكنولوجيّة .

ختاما إنّ بلورة الهويّات والأنساق الاجتماعيّة القوميّة ضمن قيم مشتركة تؤسّس إيتيقا الحوار والتعايش السّلمي بين الجميع في ظلّ الاعتراف المتبادل بالهويّة والاختلاف أجدى من التّنظير للحروب الإستباقيّة والوصاية الإمبراطورية على القوميّات والشّعوب والأقليّات، فهذا ليس بالحلّ الملائم للغايات الإنسانيّة باعتبار أنّ هاته الجدوى تكمن في التّحقيق العقلاني للمصلحة بين منجزات الحداثة والأصالة في تجذّرها ضمن الذّاكرة الجماعيّة.

 

الباحثة سلوى بنأحمد

أكتوبر 2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم