صحيفة المثقف

هواجس ورهانات الرئيس عباس في الاستحقاقات الفلسطينية

باسم عثمانالمقدمة: استمر الانقسام الفلسطيني وتجلت تداعياته المأساوية داخل المجتمع الفلسطيني، في حاضره ومستقبله، حيث يواصل العمل على ترسيم ملامح الفصل السياسي والجغرافي وحتى الديمغرافي السكاني داخل الوطن الواحد وخارجه، بوعي وإرادة كاملة - خدمة لأجندات طرفي السلطة الفلسطينية والقوى الخارجية المحركة لهما -، في الوقت الذي تصاعدت فيه حدة المواجهة والاتهامات بينهما لدرجة الاعتقاد، بان ليس لهما مصلحة مباشرة في الوصول الى وضع نهاية للمشهد التراجيدي الفلسطيني "المأزوم" سياسيا وسلطويا، هذا، في الوقت الذي استمر فيه التنسيق الأمني مع الاحتلال من جانب السلطة السياسية في الضفة، وتواصلت فيه التهدئة الأمنية معه من جانب السلطة في القطاع، وترافق ذلك كله مع تصاعد وتيرة حملات الاعتقال للشباب والمناضلين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

يواصل المسؤولون عن الانقسام التأكيد على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وإنجازها في الوقت الذي يتشبثون بإدامته، وتحويله إلى أمر واقع يصعب تغييره، بحكم ارتباط "السلطتين" بأجندات خارجية تعزز الانقسام والفصل السياسي والجغرافي واعتمادهما على مرجعيات تغذي هذا التوجه وتموله.

لقد أصبح واضحاً لكل الفلسطينيين أن التصريحات والبيانات الشعبوية لطرفي الكارثة الفلسطينية عن التوافق والمصالحة والوحدة الوطنية، ليست الا مجرد "تبريرات إعلامية" للتنصل من مسؤوليتهم الوطنية والسياسية وحتى الأخلاقية عن نزيف الحالة الفلسطينية وتدمير بنيتها.

المعطيات:

في سياق المناورة السياسية والتكتيك السياسي " المكشوف"، جاءت الدعوة لإجراء الانتخابات الفلسطينية –الأولوية الوطنية والسياسية على المستويين التشريعي والرئاسي والوطني العام -كدعوة لم يتم إثبات جديتها بخطوات إجرائية وعملية، ولا حتى بمرسوم رئاسي يضع النقاط على الحروف لعقدها والتحضير لها، وما موافقة حماس الأولية عليها الا لقناعتها التامة بعدم جدية فتح لإجرائها!! ولأنها هي ايضا لا تريدها بالأساس وتخشى نتائجها ومحاولة منها لرمي الكرة في ملعب الاخرين.

في ذات الإطار، غابت الفاعلية الوطنية والتنظيمية المؤثرة لقوى فلسطينية مركزية، يشهد تاريخها على بصماتها وقوة حضورها في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، -التي رأت وباجتهاد منها، ان تمسك العصا من الوسط وان تحافظ على مسافة امان كافية " لمغازلة" طرفي الانقسام دون "تثوير هذه المسافة" وطنيا وجماهيريا، بإنتاج البديل الوطني عن أوسلو واستحقاقاته –لتفعل فعلها كقوة ضغط لتنفيذ الاستحقاقات الفلسطينية، ذلك، لعب دورا حاسما في استمرارية "الهزلية السلطوية" في المشهد الفلسطيني.

للأسف، فان واقع الحال، يكشف أن التصدي لتلك الأزمات (البنيوية والسياسية) في الحالة الفلسطينية، يجري في الغالب بصورة ارتجالية وأحيانا "عاطفية"، وفق استراتيجية ردة الفعل على مفاهيم وسياسات وحراك الاخر، وليس وفق ما يتطلبه بناء الفعل وروافعه، وكأن التناقضات السياسية هي مجرد سوء فهم وليست تعبيرا عن تناقضات لواجهات سياسية تمثل مصالح فئات وشرائح اجتماعية لها مصالحها وامتيازاتها، ولا يمكن التنازل عنها، لا "بالعاطفة" ولا" بالتراضي"، لان الاختلاف مع شريحة السلطة الفلسطينية ليس اختلافا في" الطباع"،بل اختلافا في الطبيعة السياسية العضوية لتكوينها وارتباطاتها وافقها السياسي.

الانتخابات:

هل كان الرئيس عباس يريد إجراء الانتخابات بالفعل؟!، أم أنه لم يكن ينوي إجراءها أصلًا؟!، مراهنًا بذلك على الرفض "الحمساوي" و"الإسرائيلي" لها؟!:

-إن الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات الفلسطينية وبشكل خاص في القدس، يجب ان يستثمر كمعركة سياسية ودبلوماسية في المحافل الدولية وعند اصدقاء القضية الفلسطينية، لتعرية وفضح سياسات الاحتلال، ولكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته المنوطة به – القانونية والسياسية والإنسانية-تجاه الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره.

في هذا السياق، يمثل صدور المرسوم الرئاسي من قبل عباس بإجراء الانتخابات، أداة ضغط على "الاحتلال" وعلى المجتمع الدولي، أما استمرار رهن الانتخابات بالموافقة الإسرائيلية على إجرائها في القدس، فهذا يعني تأجيل اجرائها حتى إشعار آخر او استحالة عقدها.

ان السبب الذي دفع الرئيس عباس إلى الدعوة لإجراء الانتخابات، هو نفس السبب الذي حفزه ودعاه الى "الاجتهاد" في تأجيلها؟! وهو رهانه على نتائج الانتخابات الإسرائيلية في دورتها الاخيرة، أي الرهان على فوز تكتل غانتس على حساب تكتل نتنياهو، وبالتالي على تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة ذات سياسة مختلفة إزاء الملفات الفلسطينية، وأن توافق على إجراء الانتخابات في القدس، وتفتح مسارًا سياسيًا مغايرا لما سبقتها، و على امل ان تساعد السلطة الفلسطينية على العودة مجددا إلى القطاع

اما السبب الرئيس للتراجع عن اجراء الانتخابات، او الغائها نهائيا من قاموس السياسة الفلسطينية، يكمن في تداعيات الانقسام وتجلياته في الحالة الفلسطينية الراهنة، وهو الذي أدى الى اتساع الهوة والاغتراب بين اركان النظام السياسي السلطوي و فئات الشعب الفلسطيني، وهاجس الخوف لدى السلطة من النتائج التي ستفرزها الانتخابات في حال حصولها، لأنه ووفق الاستطلاع الذي اجراه مؤخرا المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في منتصف كانون الأول 2019 حيث اعطى الاستطلاع ما نسبته 61% تطالب الرئيس عباس بالاستقالة، ونسبة 59% غير راضية عن أدائه، كما أعطى الاستطلاع نسبة 32% لحماس مقابل 40% لفتح، ما يجعل النسب جدا متقاربة، دون الغوص في تعداد قوائم فتح المرشحة لخوض غمار المنافسة في الانتخابات وتشتت زخم رصيدها الانتخابي.

- اما "حماس" فهي لا تفضّل إجراء الانتخابات وتخشى نتائجها، ولكنها لا تريد أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن عدم إجرائها، حيث انها لا تمانع في اجرائها فقط في حال انها لن تغير من واقع سيطرتها وسلطتها على القطاع.

الاستخلاص:

المرجح بان الانتخابات الفلسطينية لن تجري قبل التنبؤ بماهية ومستقبل سياسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، واسس تعاطيها مع الملف الفلسطيني وخصوصا فيما يتعلق بانتخابات القدس، وايضاعلى نتائج الانتخابات الامريكية القادمة وما ستنتجه من سياسات شرق أوسطية جديدة، في حال خسر ترامب، او المحافظة على سياستها الحالية إزاء القضية الفلسطينية وتنفيذ ما تبقى من أسس وملامح "لصفقة القرن"، في حال فاز ترامب بالانتخابات. لأننا في حال نجاح نتنياهو وترامب، فلن نكون أمام انتخابات فلسطينية، وإنما أمام مجابهة واسعة ضد استكمال تطبيق خطة ترامب ونتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية، عبر المزيد من الاستعمار الاستيطاني العنصري والضم والتهجير، وتصفية قضية اللاجئين، والاستثمار في الانقسام الفلسطيني، وتكريس السلطة باعتبارها سلطة حكم ذاتي من دون مهام سياسية، مهمتها إدارة السكان وأمورهم الحياتية والمعيشية، والإسهام في توفير الأمن للاحتلال الإسرائيلي من خلال توثيق وتوسيع دائرة التنسيق الأمني المشترك بين السلطة و" إسرائيل" أكثر فأكثر.

إن إجراء الانتخابات تحت "الاحتلال" وفي ظل الانقسام ومن دون الاتفاق على استراتيجية التوافق الوطني، لن تكون هناك انتخابات تُحترم نتائجها، وستؤدي في أحسن الأحوال إلى تكريس الانقسام وشرعنته وصولا الى الفصل السياسي والجغرافي الكامل بين الضفة والقطاع والقدس.

الحل: في إنهاء الانقسام وتجسيد الرؤية الوطنية التوافقية ضمن استراتيجية وطنية كاملة، هو المدخل الوحيد لإجراء الانتخابات، كمعركة وطنية وليس معركة " تقاسم وظيفي" لأركان السلطة (فتح وحماس) وتكريس الامر الواقع وتمويله.

 

د. باسم عثمان

كاتب وباحث سياسي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم