صحيفة المثقف

من هم الأشاعرة؟

بدر الدين شيخ رشيدالأشاعرة هي نسبة إلى أبي الحسن الأشعري، المنسوب إلى أشعر، وهي إما نسبة إلى قبيلة يمنية أو إلى جده أبي موسي الأشعري الصحابي المشهور. وكان الأشعريّ أول أمره على مذهب الإعتزال، حيث تتلمذ على يد أبي على الجبائي المعتزليّ، ثم رجع عن مذهبهم وكتب في علم الكلام، حيث قال: في تنزيه الله مثل ما قاله السلف من التمسك بالكتاب والسنة[1].

ويقصد بالسلف الذين تبعهم الأشعري- حسب رؤية الإمام الشهرستاني- الذين لم يتعرضوا للتأويل والتشبيه في صفات الله، ويعرف عند المتكلمين «الصفاتيّة» وذلك لإثباتهم في الصفات القديمة لله. ومنهم الإمام سفيان الثوري [ت161ھ/777م] والإمام مالك بن أنس[ت:179ھ/795م]، والإمام أحمد بن حنبل[ت:240ھ/854م] وداود بن علي الأصفهاني الظاهريّ [ت:270ھ/883م] رحمهم الله ومن تابعهم[2].

ويقال لهم أيضا: أهل الحديث، لأن عنايتهم كانت تحصيل الأحاديث، ونقل الاخبار، وبناء الأحكام على النصوص ولا يرجعون الى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبرا أو أثرا[3].

وأما الدكتور محمد عمارة، فقد حدد ملامح الأشعرية من ناحية الأعتقاد بين الفرق الإسلامية، حيث يمثل تيار الأشاعرة الموقف الوسط بين المعتزلة وبين السلفية (الحنابلة) والجبرية الخالصة (الجهمية). فمثلا قالوا في فعل الإنسان: إن خالقه هو الله، وللإنسان فيه كسب- أي كونه محلا للفعل - فهو فاعلٌ له على سبيل المجاز. وفي التأويل: يجيزون بعضه، فلا يمنعونه كله كما هو حال أهل الحديث. ولا يعتمدونه سبيلا لنصرة برهان العقل على ما يعارضه من ظاهر النقل، كما هو حال العقلانيين. وفي صفات الله: يثبتونه له الصفات بإعتيارها لا هي هو، ولا هي غيره، أى على نحو يجعلهم وسطا بين تنزيه المعتزلة وتجسيد المشبهة والمجسمة[4].

أما الدكتورأحمد محمود صبحي، فهو يفرّق بين الأشاعرة والأشعريّة. إذ الأشعرية تعتبر إسما يستخدم للدلالة على المذهب، بينما الأشاعرة تكون إسما يستخدم للإشارة إلى الشخصيات[5].

وإذا قلنا الأشعريّة هى مذهب إعتقادي، فهناك إشكال مفاده؛ هل المذهب الإعتقادي الأشعري متصل بالإمام الأشعري من حيث التأسيس، أم كان له أسلاف قبل الأشعريّ؟

تؤكد الأشاعرة سواء من المتقدمين أو المعاصرين أنَّ للأشاعرة أسلافا قبل الأشعري في المذهب الإعتقادي في المسائل الكلامية، إذ« تؤكد الأشاعرة من متقدمين ومتأخرين أن مذهبهم ليس مستحدثا من مؤسسه أبي الحسن الأشعري، وإنما كان في ذلك تابعا لمن قبله من الصحابة والتابعين وأئمة الفقه ورجال الحديث»[6].

ومن المتقدّمين الذين يرون وجود أسلاف لهم قبل الأشعري، هم الإمام الأشعري [324ھ/935م] مؤسس المذهب، والبغدادي [429ھ/1037م]، والرازي[606ھ/1209م]. ومن المعاصرين الأستاذ د/ علي النشّار[7].

والإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو:هل الأسلاف الذين تقدموا عن الإمام الأشعري في المذهب الكلامي هم أئمة الفقه؟ أم هم أصحاب الصفاتيّة؟

إذا قلنا أنهم أئمة الفقه، فلا شك أن أئمة الفقه ليس لهم آراء كلاميّة، بل كان دورهم حول مسائل الفقه الذي شغلهم عن علم الكلام إلا ما جاء على سبيل المعارضة لبعض فرق ومذاهب متطرفة،  مثل معارضة أبي حنيفة للخوارج جاء رأيه قريبا من الإرجاء،  ومعارضة الإمام الشافعي للمرجئة، ولبشر المريسي، جاء رأيه في الإيمان موافقا رأي الخوارج والمعتزلة. وجاء رأي أبي حنيفة في التنزيه سخطا على المجسمة. وجاء رأي ابن حنبل في إثبات الصفات نقمة على الجهميّة. وعلى هذا، فمن جهة لم يكن لأئمة الفقه رأي موحد في مسائل الكلام، حتي يُعَدَ لهم أسلافا للأشاعرة، ومن جهة أخري لا تشكل مثل هذه المواقف نسقا متكاملا في مسائل الكلام،  وإن تكليفهم بذلك إنما كان تكليف بما لا يطاق لأنهم كانوا فقهاء لا متكلمين[8].

ويظهر لي أن أسلافهم المتقدمين، والذين أيدهم الأشعريّ مذهبهم، هم المسمي بالصفاتيّة. والصفاتيّة حسب رؤية الشهرستاني [548ھ/1153م]، هم« جماعة كبيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزليّة من العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة، ولايفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقا واحدا»[9].

هذا و قسّم الإمام الشهرستاني أصحاب الصفاتيّة إلي ثلاثة أقسام:

فريق لم يتعرض للتأويل وأنكر التشبيه مثل مالك بن أنس وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل.

فريق أوّل الصفات الخبريّة مثل اليدين والوجه على نحو يحتمل اللفظ.

فريق أسرف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المُحْدَثَاْتِ[10].

إنّ أسلاف الأشاعرة في المذهب الكلاميّ - حسب رؤية الشهرستاني- قد تمّت بشكل موحد على يد عبد الله بن سعيد الكلابي [ت240ھ/854م]، والحارث بن أسد المحاسبي[ت243ھ/857م]، وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي [ت255ھ/868م][11]، حيث كانوا يمثلون التيار السلف، المقابل بالتيار الإعتزالي، إذ«كانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان إختلافات في الصفات. وكان السلف يناظرونهم عليها لا على قانون كلامي، بل على قول إقناعي. ويسمون الصفاتيّه، فمن مثبتٍ صفات الباري سبحانه وتعالى، معاني قائمة بذاته، ومن مشبِّه صفاته بصفات الخلق، وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة ويناظرون المعتزلة في قدم العالم على قول ظاهر»[12].

كان الأشعري في أول الأمر معتزلي المذهب، ثم« إنحاز الى طائفة السلف (الصفاتيّة) ونصر مذهبهم على قاعدة كلاميّة فصار ذلك مذهبا منفردا. ثم حرر طريقتَهُ جماعةٌ من المحققين مثل القاضي أبى بكر الباقلاني، [403ھ/1012م] والأستاذ أبى بكر بن فورك [406ھ/1015م] والأستاذ أبى إسحاق الأسفرائيني [ت418ھ/1027م]» [13] إلى أن « صار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة وانتقلت سمة الصفاتيّة إلى الأشعريّة»[14].

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم

...............................

[1] - القاضي عبد الجبار، المحيط بالتكليف، جمع، الحسن بن أحمد بن متوية، تحقيق، عمر السيد عزمي، بمراجعه، د/ أحمد فؤاد الأهواني،  المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، (بدون رقم الطبعة والتاريخ) ص425.

[2] - الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم،  الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت (بدون رقم الطبعة والتاريخ)، ج1/ص93.

[3] - المصدر السابق، ج1/ص206.

[4] - عمارة، د/ محمد عمارة، تيارات الفكر الإسلامي، دار الشروق القاهرة مصر، (دون رقم الطبعة)1411ھ/1991م، ص362.

[5] - صبحي، د/أحمد محمود صبحي، فى علم الكلام، دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية، في أصول الدين،  دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط5/1405ھ/1985م، ج2/ص7.

[6] - المصدر السابق، ج2/ص21.

[7] - المصدر السابق، ج2/ص27.

[8] - المصدر السابق، ج2/ص26-27.

[9] - الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت(بدون رقم الطبعة والتاريخ)، ج1/ص92.

[10] - المصدر السابق، ج1/ص92.

[11] - المصدر السابق، ج1/ص32.

[12] - المصدر السابق، ج1/ص32.

[13] - المصدر السابق، ج1/ص32.

[14] - المصدرالسابق، ج1/ص93.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم