صحيفة المثقف

العراق أمام مفترق طرق

كاظم الموسوييمر المشهد السياسي في  العراق منذ اندلاع الحراك الشعبي مطلع تشرين الاول/ اكتوبر 2019  بمرحلة صعبة أشبه ما تكون أمام مفترق طرق متشعب ومتعدد المخارج والمنعرجات، مما يجعله مربكا في التحليل السياسي العميق أو عند المراقب السياسي له. حيث تتداخل عوامل كثيرة وأسباب متراكمة في تركيبه وتعقيده. في الوقت الذي اتفق الأغلب من الذين اشتركوا في الحراك أو في السلطات والأحزاب المتنفذة في أمر رئيس هو مشروعية المطالب التي رفعها المشتركون في الحراك وحقهم في الغضب، وفشل العملية السياسية، سواء في العاصمة بغداد أو المدن الوسطى والجنوبية. التي يشكل سكانها حاضنة السلطة وقوتها الانتخابية، بحكم قيامها على أسس المحاصصة والطائفية والاثنية والتوافقية السياسية. ولعل الانقسام الواضح في المشهد هو الجاري بين قوى الحراك وتطوراته من جهة وقوى السلطات وأحزابها ورموزها المتنفذة، من جهة أخرى. وهو ما يميز ما وراء المشهد ويضع متطلبات الخروج من الأزمة أو عنق الزجاجة كما يقال إعلاميا ليس يسيرا أو قريبا في كل الأحوال. وهذه الصورة لونت المشهد السياسي وجعلت كل طرف منه حاملا بنفسه ما يتعارض مع مقابله في التنفيذ والتشريع. وهو الأمر الذي اختلفت عليه، وأصبح فاصلا بينهما.

حسب التحولات والمنعطفات التي مر بها المشهد السياسي والحراك الشعبي فرضت عمليا استقالة الحكومة رسميا فقط، رغم أن تشكيل الحكومة جاء ضمن صفقة تكليف الرؤساء الثلاثة، والتي ينبغي ان يشترك الجميع في تحمل ما سبب المشهد ودفع الحراك، مع الاستجابة المتموجة أو ما يتم عمليا في تدرج خطب المرجعية الدينية في النجف الاشرف، والتي تمرحلت أسبوعيا واعطت بشكل أو آخر فترة مراوحة أو اختبار لوعي الطبقة السياسية المتنفذة والتي قادت بإدارتها واعترافها بالفشل الى مآلات الواقع الحالي.

التصديق على قانون جديد للانتخابات ومفوضية مستقلة جديدة عن الأحزاب والمحاصصة خطوة على الطريق الا انها غير كافية لحد الان، إذ ما تزال سياسات الإدارة القائمة وواقع الحال مستمرة كما هي، ولم تتغير كما سعى لها الحراكيون في المشهد السياسي، أو ما يتوجب تحققه فعليا. وما زالت المطالب الحقيقية للحراك تنتظر تجسيدها عمليا، بدءا من الحقوق الأساسية الى محاربة المحاصصة والفساد والتدخلات الخارجية بكل أشكالها وصورها ومحاكمة كل من ارتكب جرائم القتل والاختطاف والقنص والعنف الدموي، ومن اي طرف أو جهة، فرديا أو منظما وإعلانه بشفافية كاملة واسترجاع الأموال المنهوية، وكشف حساب كامل لكل القضايا الأخرى.

خطوة قانون الانتخابات والمفوضية المستقلة فتحت المجال أمام تغير في تسلم مسؤولية السلطات وبناء الانعطاف التاريخي الجديد بعد تلك الفترة التي امتدت من الغزو والاحتلال الى اليوم. وبات خيار الانتخابات المبكرة الاقرب من  أي وقت مضى، خاصة بعد تأييد المرجعية الدينية في النجف لها وتأكيدها عليها، ما اعتبر في المحصلة اتفاقا اخر على أبرز مطالب المتظاهرين، كما تؤيده أيضا قوى سياسية أخرى تحاول فرز نفسها عن أدوارها في العملية السياسية وتجاوبها مع مطالب الحراك  أو الاندفاع معها.

رغم وجود تساؤلات حول قانون الانتخابات، والمفوضية المستقلة التي ستكون مشرفة على العملية الانتخابية، فإنه في حال أجريت هذه الانتخابات فإنها تعد ثاني عملية انتخابية تجرى في ظروف استثنائية بعد الانتخابات التي جرت في 30  كانون الثاني / يناير 2005 لانتخاب جمعية وطنية (برلمان انتقالي)، وتمت تلك الانتخابات قبل إقرار الدستور الذي صوت عليه العراقيون في تشرين الأول/ اكتوبر من العام ذاته وجرت وفقاً لمواده أربعة انتخابات دورية في أعوام (نهاية 2005، و2010، و2014، و2018).

في ظل مواصلة البحث عن تكليف رئيس وزراء جديد، وفق مواصفات الحراك، والفترة الدستورية وتجاوزها، والكتلة البرلمانية الكبرى، يبدو أن المعركة السياسية تحتدم بين كتلتي "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"البناء" بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، فكل واحدة تصر على أنها الكتلة الكبرى وصاحبة الحق في ترشيح رئيس مجلس الوزراء، حسب مواد الدستور. ولم تقدم المحكمة الاتحادية تفسيرا حاسما او باتا لمفهوم الكتلة ألكبرى المختلف عليه، والذي استخدمه رئيس الجمهورية مبررا للمماطلة والتجاوز الدستوري. وهذا الأمر يزيد في ضبابية المشهد السياسي ولا يعبر عن جدية في إدارة البلاد، وتحمل المسؤولية، من الأطراف السياسية المعنية بالعبور من مفترق الطرق وارباكه.

ما عبرت عنه المحكمة الاتحادية في إن تعبير الكتلة النيابية الأكثر عددا الواردة في الدستور تعني إما الكتلة التي حصدت أكبر عدد من المقاعد خلال الانتخابات، أو الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر وأصبحت مقاعدها بعد دخولها البرلمان في الجلسة الأولى الأكثر عددا من بقية الكتل، لم يكن جوابا كاملا مقنعا، وحتى في أشارتها إلى أن رئيس الجمهورية يتولى، اعتمادا على ذلك، تكليف مرشحها بتشكيل مجلس الوزراء طبقا لأحكام الدستور وخلال المدة المحددة. وهذه أمور لم ينته النقاش والاتفاق عليها، لا في دوائر القضاء أو اركان السياسة.

انتهت المدة المحددة ولم يستطع رئيس الجمهورية من تكليف مرشح، بكامل الاوصاف،  وعرضت اسماء عديدة رفضت مبكرا من الحراك الشعبي أو من جهات سياسية اخرى. وبقي المشهد السياسي منذرا بما لا يرغب به أي مواطن، دع عنك السياسي المشترك في المازق العام. وتسرب مصادر أو جهات أو وسائل إعلام، حسب توجهاتها، أخبارا عن تفاهمات وصفقات بين بعض الكتل أو القوى السياسية، لوحدها أو من طرفها دون أي تنسيق أو توافق مع الطرف الآخر في المشهد السياسي، والذي لم ينتخب أو يعين ممثلين له، بل يضع مواصفاته أو شروطه النابعة من صموده وتضحياته الجسام.

حتى تكليف رئيس مجلس وزراء واختيار الوزراء، وممارسة السلطة وإجراء انتخابات جديدة وفق القانون الجديد، يزداد الارتباك في المشهد السياسي، والأخطر فيه مشاركة قوى وجهات لم تستوعب بعد ما يحصل على الارض، كما تتفنن وسائل إعلام وجهات سياسية في نشر وإعلان ما تريده أو تعمل عليه، مما لا يخدم العباد ولا البلاد، ولا يهتم بالمصالح الوطنية والقومية ولا مستقبل العراق والمنطقة، لا سيما من ممن يرفعون شعارات إنسانية أو قانونا دوليا، كالامم المتحدة وسفراء مجلس أمنها واضرابهم. وهو امر خطير أن يظل العراق على مفترق طرق لفترة طويلة ويغيب عنه الضوء الهادي والسبيل التقدمي الذي عمدته دماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم