صحيفة المثقف

مفكرة الجدار

قصي الشيخ عسكرلا شيء يوحي قط بما كان عليه الحال من قبل.

إذ تبدو الأوضاع تغيرت تماما خلال أسبوع.

لقد فتحت عينيّ حتى كدت أنسى الألم أو أظنني أحلم، فجأة وقع بصري على منظر مختلف تماما.أليف جدا حيث لاعنف.أنا إذن في مشفى ولعلهم يعودون بي ثانية إلى هناك.بصري يقع على رجل في الستين بمريلة بيضاء تتدلى على صدره سماعة فأدرك أنه طبيب، أما الآخر الشاب في العشرين فأظنه الممرض، أما الذي شغلني، فإنّ عينيّ وقعتا على صورة رجل أعرفه تزين الجدار.ليس هناك من شبيه، هو نفسه بابتسامته الواسعة وبدلته الزرقاء وربطة العنق العريضة.أعرفه جيدا إن لم يكن هناك شبيه.كان قد كلفني بأكثر من مهمة، وصورته على الجدار تثير فيّ احتمالات متباينة.

لعلني الآن أحلم أو في عالم آخر.

كيف اختفت صورة الجنرال، وناطحت الحائط مكانها صورة لآخر أعرفه.

أعلى سلطة في البلد؟

أم أهذي.

ليس هناك من خطر.يقول الطبيب.لستُ على الأرض.. الآن أنعم بسرير ناعم وأرى حقّا صورة أخرى لرئيس آخر.هوصديقي..كيف انقلب الوضع.كلفني بمهمة تزعزع أمن الحكومة، فكم يوما يا ترى غبت عن الوعي. تحسست صدري ورأسي وتطلعت في وجهي الرجلين الودودين الواقفين عند سريري.

لقد كنت فاقدا الوعي لأكثر من أسبوع.

لا أشك ياسيدي أني تعرضت لضربة حادّة أسفل رقبتي.

إنهم حقا كلاب مسعورة.

قال ذلك الممرض، وأضاف الطبيب:

تستطيع المشي الآن.

وقبل أن يخطو خارج الغرفة، أضاف:

لقد تغيّر كل شيء سأذهب إلى المشفى وسيأتي من يرافقك.

وحالما تواريا، وقبل أن أفكر بما حدث في الأسبوع الماضي ، دخل رجل أنيق آخر لا أعرفه.رحّب بي وطلب برفق أن نذهب لمكتبه.لمحت في الممرّ صورة الرئيس الجديد، صديقي الذي كلفني بمهمة خطرة.كانت عيناه تمعنان النظر فيّ وابتسامته الواسعة تشعرني بالدفء والأمان.

غمزت بعيني اليمنى كأنّي أحييه!

في المكتب قابلتني الصورة ذاتها. العينان الساطعتان المشرقتان، والابتسامة الواسعة. شعرت أني أكاد أغمز بعيني. ولفتت نظري مفكرة الحائط:

كانت تشير إلى 12 /5 في حين أني اعتقلت يوم 6 /5 !!

إذن لا شكّ أني دخلت في غيبوبة طويلة..الرجل الطيب يتخذ مكانه على كرسي قريب مني ويترك مكتبه، ضغط على زر قريب، وطلب فنجان قهوة، ، وخمنت أنها مناورة أخرى لأخذ اعتراف مني. 

وجدته يمتنع عن الكلام إلى أن قدم الآذن بفنجاني قهوة:

تفضّل قهوتك "قال عبارته وهو يبسط يده"يبدو أنك لا تعرفني.أنا المدير الجديد لقد حدثت أمور كثيرة خلال غيبوبتك!

قال لي ذلك الطبيب.

شرطي الأمن السابق ضربك أسفل رأسك وشاء القدر أن يهب الناس في اليوم التالي...أووه لا تؤاخذني نظر في ساعته هناك بلاغ جديد.

في هذه اللحظة سمعت ضجة في الخارج وهتافات تحيي القادة الجدد وتندد بالوضع السابق، فقال:

ياسيدي الشارع يغلي ويطالب بالقصاص!

خطا نحو مكتبه، شيء ما.. جهاز أو آلة ما.ضغط على الزر فبدت موجة صاخبة، فالتفت إليّ قائلا:

إنهم الأعداء يشوشون على إذاعتنا!

 ثمّ فجأة هبت موسيقى حماسية صاخبة .دقائق، وانطلق صوت يذيع بلاغا من سيادة الرئيس الذي أقرّ تشكيلة الحكومة الجديدة.هناك اسماء أعرفها.اصدقائي.اشتركنا معا في تنفيذ مهمات خطرة.لقد حدثت ثورة خلال غيبوبتي ولابدّ أن يتذكرني الرئيس صديقي:

معظمهم أعرفهم.وزير الداخليّة اشتركت معه في توزيع منشورات.إنه رجل جريء متحمّس.وزير الثقافة طبعنا في بيته المنشورات.كان أقربهم إليّ وزير الدفاع، ولو أني لم أرتض عملية الاغتيالات الأخيرة.

أنا أعتذر إليك، هناك سيارة خاصة تنتظرك لتقلك إلى منزلك، لكن لا تنس أن تذكرنا عند سيادة الرئيس والسيدين وزير الداخلية والدفاع!

 مدّ يده يشدّ على يدي؟الآن تنفست الصعداء، والتفت إلى الباب الذي انفتح وكأنّ شيطانا أطلّ منه ليقضي على حلمي الجديد.زعق في وجهي:

لك حيوان مكانك!

حقا أدركت أني كنت مغفلأ حين أهموني أني غبت أسبوعا وأن ثورة هزّت البلاد.جاؤوا بصورة مسؤولي وجعلوها مكان صور الرئيس، وأروني طبيبا وممرضا ومحققا جديدا ومظاهرات في الشارع تلعن الوضع البائد، فرحت أثرثر وأثرثر أما عيناي فكانتا مسمرتين على مفكرة الحائط التي ماتزال بتاريخها الجديد!  

 

د. قصي الشيخ عسكر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم