صحيفة المثقف

سلاماً أيها البشر

صالح البياتيبردًا أيها الشجر

سلاماً أيها البشر!


الآشجار:

ضجرة شجرة اليوكالبتوس من وحدتها

نضرة بجدائل خضراء طويلة

رخية تدلت أغصانها، كأذرع الأطفال النائمين 

فتية.. لكنها ليست بضنينة

على استقبال الطيور

وبناء الأعشاش.

 قليلا سترتفع، حينما يحل الصيف 

ظلالاً وأفياءً تلقي على من حولها

بردًا وسلاما

عندما تمد أغصانها الجديدة

**

الشجرة وأنا:

وترٌ هي، تهتز للريح طربا وفرحًا 

قوس انا، اتمايل طلبًا للسكون

لأنها الحياة، وهبتني القوة

لأني الفناء، أعطيتها حركتي البطيئة

تبادلنا الأدوار، كما يحصل احيانا

انا عدت لوحدتي التي اعتدتها

وهي لعالمها الشجري المتصل بالعناق

تأنس به وتحتمي

اما انا فسأحتمي بين جدران وحدتي

كأي كتاب قديم بلغة ميتة

بلا أنيس يقرأه، او حتى يتصفحه

**

 البشر!

امامي أفق اخضر، مرقش بشرارات نارية

ارتعاش الغابة، صمت مهيب، أوجس خيفتي

اسيرُ بين باسقات الشجر، قزم قمئ، جندي مخبول اسيرْ

احمل على كتفي عبء هزائم لم أخض غمارها

وعلى ظهري الهزيل اوشال عمر حسير    

كحل العربدة وقلم ناري، سلبا نور عيني

تقاطعت الطرق امامي تغريني بالضياع

قوافل الأفكار انفلتت عن عقالها

عبثا تنبح الريح بلا صوت، لا تكف عقارب العقل عن الدوران

هرطقات طحنت حتى العظم عروش الجبابرة  

تربع ركام الأمم جبلا أرجوانيا اعظم

رأسه يناطح السماء، رمح ذهبي، يخترق قلب الأنبياء

وقاعدته تنبسط ، تفترش أديم الارض 

كهنة المعابد يتلون ادعيتهم، غداة هجيع الملائكة

لعنة برج بابل حلت بهم، فتبلبلت ألسنتهم

**        

انا جرم صغير جدا، في عالم فسيح جداً

يضج بعربدة الجبروت، ضد الملكوت

انسحاب ظل هزيل بين هياكل متداعية

عبادات انطوت على اسرارها

انا حصاد وهم قديم

ارث أساطير، حكايات كهنة المعبد

عرائش كرم، مات حراسها العمي، قبل الف عام

**

رفيقا سفري، لدربي المعرح للسماء بلا صعود

هل ارتوت تلكم الناقة التي أسرت بي للنهر شرقا

ام هلكت عطشاً، في صحراء حيرتي، حين أوغلت غربا 

اعند جبل سيناي أنخت ركابي، القيت خمرة اوزاري

اوعند الكعبة المكرمة، ارتحت

اغتسل، اتطهر في مياه بئرها المقدس من اوحال ذنوبي.

**

رفيقا سفري الأرضي، كلب ابيض ودفتر شعر عربي

يصحباني أينما ذهبت

كما رافق هرمس في رحلته الماورائية، موسى العبري

اعترف أني لست ابداً، في مكانتهما ولا في حكمتهما 

الذؤبتان المتدليتان من قلادة عمري شابت، قبل ولادتي

تضئ طريقي نجمة الصباح

كوكب الزهرة يلتمع في ناصيتي

ان نسىيت من انا، والى أين أسير

ذكرني رفيقا سفري، فهما اعرف مني بنفسي 

يحتفظان بكل ما تبقى لي من خرافة حياتي 

يذكراني بما نسيت،عندما اقف عاريا يوم الحساب

كصخرة ملساء نحتتها الريح انسانا بلا رأس

**

وداعا صديقتي الشجرة

وصلتني رسالتك الأخيرة

ملقاةً على العشب الأخضر

مغموسةً بخضاب اسود

بإعجوبةٍ.. تماسك نصل الورقة

انطمست الحروف، توسلتْ يائسة

لو ان بصقة مطر مباركة، تطفئ حرائق الغابة

لما إسْوَدَّ اليخضور بالنار

الشمس احمرت عينها

انحدرت دمعة، غسلت حزن الأشجار

همستُ، سأصلي الليلة للنار المقدسة 

ألاّ تمسك بسوء أبداً.

***

صالح البياتي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم