صحيفة المثقف

الاستبداد وإشكاليات التحول الديمقراطي في العالم العربي

احمد عواد الخزاعيهل أثبتت النظم الاستبدادية فعاليتها في تحقيق الرفاهية والاستقرار والسلم الأهلي في مجتمعاتنا العربية، بغض النظر عن شكل هذه الأنظمة أو أيدلوجياتها المهيمنة؟.

الربيع العربي هو أهم منعطف مفصلي في تاريخ الشعوب العربية، منذ الثورة العربية الكبرى عام 1916 والتي سعت من خلاله إلى التخلص من هيمنة الأنظمة الشمولية الاستبدادية ورموزها الفاسدة، والذي تحول هذا الربيع إلى مخاض عسير أتاح الفرصة لقوى إسلامية متطرفة أن تطل بقرنها على المشهد السياسي والاجتماعي العربي، ليتحول إلى نوع من الفوضى الخلاقة، جعلتنا كعرب ندور في حلقة مفرغة، أعادت بعض بلداننا إلى نظم أكثر دكتاتورية من سابقتها، كما حدث في مصر، أو قادها إلى الخراب والدمار كما حدث في سوريا، وأخرى لم ينتج فيها هذا الربيع غير الفوضى وغياب مفهوم الدولة كالذي يحصل اليوم في ليبيا.. وما الصيحات التي رافقت تظاهرات تشرين 2019  في العراق والتي طالبت بتحويل نظام الحكم إلى رئاسي، إلا صدى لشعور عفوي شعبي ينتاب طيف واسع من الشعب العراقي ورغبته بأن تحل المركزية وسطوة الدولة المتمثلة بالرمز الأوحد ( الرئيس) بدلاً من الفوضى السياسية القائمة، وما أنتجت من فساد رافق العملية السياسية العرجاء طيلة الستة عشر السنة الماضية.  

يقول توماس هوبز أستاذ جون لوك (يجب أن نؤسس لدولة استبدادية بمنظار ليبرالي، واستبدال الله بالشخصية البشرية، كي نمنع تقاتل الناس فيما بينهم من اجل حقوقهم المشروعة، والقيام بنقل هذه الحقوق إلى الدولة المهيمنة التي تتصدى لحمايتها) جاءت نظريته هذه في كتابه الشهير (اللفياثان) وهو اسم لكائن بحري أسطوري استعار هوبز هذه التسمية للدلالة على سطوة الكائن الحي المستبد، التي يجب أن تحل محل الكنيسة والإله .. هناك مقاربة لهذا الطرح لكن بمفهوم قومي عربي عَبر عنه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) الذي استخدم فيه مصطلح (المستبد المستنير أو المستبد العادل) أي الحاكم المهيمن على السلطة بسطوة تحمل سمات العدل والتنوير، وبعد مرور ستة عقود على هذا الطرح السياسي الإشكالي، جاءت رؤية عربية أخرى لكن بمفهوم ديني أصولي، سعت في نفس المضمار لكن باَلية أخرى أكثر تطرفاً، حين دعا سيد قطب في كتابه (معالم على الطريق) إلى عودة الخلافة الإسلامية من جديد، وهيمنة سلطة الدين المتمثلة بالخليفة المسدد من السماء، والمكلف منها للهيمنة على مقدرات الأمة.                                                                             

كل هذه الطروحات والرؤى الاستبدادية الشمولية وعلى الرغم من المخاوف التي تثيرها في أي نفس حرة تنشد الحرية والعدالة والمساواة، إلا إنها لم تتحقق في دولنا العربية حتى بشكلها هذا، منذ انتهاء الخلافة الراشدة، فأغلب النظم السياسية التي حكمت العالم العربي جاءت من رحم الانقلابات العسكرية، غاب عن قادتها أي رؤية تنويرية إلا ما ندر.. والأنموذج الإسلامي لسطوة المستبد (الخليفة) التي دعا إليها سيد قطب، تجلى لنا بأبشع صوره المتمثل ب(داعش) التي أهلكت الحرث والنسل واستمدت أبجدياتها من القاع المظلم للفقه الإسلامي، حين تعاطت مع القرن الواحد والعشرين  بأدوات القرن الأول الهجري.. إذن الرهان على الحكم الاستبدادي الشمولي بكل صوره كحل لمشكلات العالم العربي المستعصية، هو رهان على فرس خاسرة، حتى وان أفرزته عملية ديمقراطية تحمل من المصداقية والشفافية الشيء المقبول، والأمر يعود لطبيعة العقل العربي والطريقة التي يتعاطى فيها مع السلطة بمفهومها العام، والى طبيعة الجمهور (الرعية) المتمرس في صناعة الدكتاتوريات، والمؤمن بأحقية السطوة والزعامة.                                  

ما يجب علينا القيام به اليوم كنخب ومثقفين وأكاديميين، هو إيجاد ثقافة بديلة تتلاقى مع التجارب الإنسانية والفكرية العالمية المتحضرة، وأخذ ما يصلح منها لشعوبنا العربية، والعمل على تكيفها بطريقة تضمن لنا بقاء الخطوط العريضة لقيمنا وموروثنا الثقافي والإنساني، وتثقيف الجماهير لعملية تغريب تدريجية مقننة كالتي حدثت في تركيا مطلع القرن الماضي، تمكننا هذه الثقافة الجديدة من التخلص من عقدة الركوس في التاريخ، والسعي لإيجاد دولة المؤسسات التي تكفل للجميع حقوقهم، بعد أن تُعرفهم بواجباتهم اتجاه الوطن وشركائهم فيه.. فلا بديل لنا غير التماهي مع التغيير الكبير الحاصل من حولنا، ومتى ما تغيرت نظرتنا للتاريخ ولتجارب الآخرين، عندها سنتمكن من إنتاج نظم سياسية ديمقراطية كيفما كان شكلها، تكون قادرة على تحقيق طموحاتنا بالعيش حياة حرة كريمة تحت مظلة ( دولة الحارس الليلي) وليس دولة القائد الأوحد.

 

احمد عواد الخزاعي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم