صحيفة المثقف

قانون غايسوت Gayssot جعل الإنكارَ جريمةً

علجية عيشما زال الكثير من الناس يحنون للرايخ الثالث (الدولة النازية)، حتى في إطار الحرب الأيديولوجيّة عندما قام النظام النازي وحلفائه مثل نظام فيشي الذي حكم أجزاء من فرنسا والمستعمرات الفرنسية بين عامي 1940-1944 وتعاون مع المحتلين النازيين الألمان، حيث قام بتخطيط وتنفيذ الهولوكوست (المحرقة) وهو القتل الجماعي لليهود وهم من اعتبرهم النظام النازي العدو العنصري الأول لدرجة أن بعض المفكري الألمان من مؤيدي الرايخ نشروا فكرة أن الإبادة الجماعية لليهود لم تحدث أبداً، منكرين في ذلك الهولوكوست على الرغم من الأدلة والقوانين لوقوعها، يقول محللون أن هذا الحنين هو إحدى آليات بناء ونشر المؤامرات الوهمية التي تثيرها القوى في الظل، حتى تصبح نظرية المؤامرة ظاهرة ثقافية، من خلال افتعال أحداث وتضخيمها حتى تصبح حقيقة ملموسة وتعطي لها صبغة عالمية وتكون موضع نقاش لدى الرأي العام الدولي، وتؤسس لها قوانين واتفاقيات دولية.

الأمثلة كثيرة ومتعددة ذكرها موقع "فرانس ثقافة" منها أحداث 11 سبتمبر 2001، قضية اللقاحات، الصهيونية ومعاداة السامية، وغيرها وازدادت هذه القضايا توسعا وتعقيدا بفعل استطلاعات الرأي العام التي تنظمها وسائل الإعلام والشركات العملاقة التي تتبنى سياسات خاصة نتيجة لعب متبادل ومعقد بين عدد من الوكالات الحكومية ومنها البنتاغون والكونغرس ووكالة الإستخبارات المركزية (cia) فيما سمي بجماعات الضغط أو اللوبي، حيث يستخدمون الوسط الثقافي السائد للتأثير وتبني سياسات ملائمة لتداول أعمالهم، تقول بعض التقارير أن بداية التسعينيات سجلت أزيد من 80 ألف ناشط لوبي مسجل في واشنطن يعملون وفق مجموعة مشتركة من القواعد، ولهم اتصالات عميقة مع الأحزاب السياسية ويضغطون عليها عن طريق التبرعات المالية، كذلك عن طريق تثقيف صانعي السياسات وتزويدهم بمعلومات حول قضايا معينة، فقد نجحت نظرية المؤامرة في أن تصبح ظاهرة ثقافية كبرى وقد وصف إدوارد سعيد في كتابه "الإستشراق" الظاهرة التي خلق فيها العالم الغربي واقع الشعوب وثقافاتها وسيطر عليه، وجاء في كتاب الماسوني الأب بارويل بعنوان "مذكرات لخدمة تاريخ اليعاقبة" تناول فيه القضية اليعقوبية، أنه من 1941 إلى 1945 حاولت ألمانيا النازية إبادة بين 05 و06 مليون يهودي أوروبي، إلا أنه في محاكمات نورمبرغ للحكم على الجرائم النازية، لم يُستدع أي ناجٍ من اليهود للإدلاء بشهادتهم، بعد الثورة الفرنسية تحول الأب بارويل إلى أشد خصوم الماسونية في فرنسا، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية بدأ النظام النازي في كتابة تاريخه، أول من شرع في التأريخ له الكاتب الفرنسي موريس بارديش وهو كاتب مشهور معاد للسامية أُعدم في منظمة التحرير بسبب تعاونه مع النازيين.

تعهد هذا الفاشي بتطهير النازيين من جرائمهم، بالنسبة له، كان اليهود مصدر اندلاع الحرب، حيث اخترعوا غرف الغاز والإبادة الجماعية التي يزعمون أنهم كانوا ضحايا لها، سعيا منهم للحصول على تعويضات مالية من الألمان ومن ثمّ تبرير قيام دولة إسرائيل، لم تكن المحرقة موضوعية في العقود الثلاثة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، لأن المؤرخين لم يولوا لها اهتماما، وظن البعض أن الإبادة الجماعية اخترعها اليهود لتبرير مطلبهم من قيام إسرائيل، ما دفع بالنشطاء المعادون للسامية لإعادة كتابة التاريخ، حتى جاء رجل من أقصى اليمين، كان أكثر ظهورًا في إبراز سؤال النفي، إنه روبرت فوريسون، متخصص في الأدب الفرنسي ويعمل في مجمع ليون الثاني، عضو في جمعيات، وبالرغم من أنه غير مؤهل للحديث عن التاريخ أو الهندسة، في عام 1978 قدم نفسه كباحث غير سياسي ويسعى لإعطاء وزن أكبر لأفكاره من خلال التذرع بالعلم، يقول أنه توصل إلى حقيقة أنه من المستحيل من الناحية العلمية أن تعمل غرف الغاز، ثم جاءت بعده شخصيات جديدة حاولت استخدام أدوات النفي بطريقة حداثية ومنهم الفيلسوف روجر جارودي، الذي أصبح معيارًا جديدًا لإنكار الهولوكوست في التسعينيات، لكنه يرى أن النفي ثابت وقبل أن يعترف بخطئه، كان قد أنكر بالفعل لعقود من الزمن حقيقة الغولاج السوفياتي وجرائم ستالين، ولكن سرعان ما أعاد ديودوني وألين سورال أفكار روبرت فوريسون إلى مركز اللعبة، حيث أنه في عام 1990 صوّت البرلمان على قانون غايسوت Gayssot، الذي تمت فيه إدانة روبرت فوريسون وأصبح الإنكار جريمة يعاقب عليها القانون، فبسنها هذا القانون وفرضه في فرنسا نجحت الصهيونية في اعتماد هذا القانون في محاكمة المفكر الفرنسي روجي غارودي على كتبعه التي أصدرها وينتقد فيها السامية لاسيمت كتابه " الساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية كشف فيه أكاذيب اليهود الدينية والتاريخية والسياسية وكشف العلاقة بين أكذوبة الهولوكوست وقيام دولة إسرائيل، وقد حكم عليه بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ احتراما لكبر سنه.

ألمانيا تعترف بـالمحرقة ( الهلوكوست)

بعد مرور 18 سنة من صدور قانون غايسوت أجبرت الحكومة الألمانية على الإعتراف بالمحرقة، فقد أقرت على سبيل المثال بوجود 25 ألف يهودي عاشوا في الجزائر تحت نظام فيشي الفرنسي بين جويلية 1940 ونوفمبر1942، وكانوا من الناجين من المحرقة، وتعهدت بتعويضهم، جاء هذا الإعتراف بعد مفاوضات أوت 2017 بين مؤتمر المطالب والحكومة تدفع لهم الأموال من خلال صندوق المساعدات التابع لمؤتمر المطالب، وذلك ابتداءً من جويلية 2018، يقول ممثلون عن منظمة مؤتمر المطالب أن الاعتراف جاء متأخر جدا وطال انتظاره لمجموعة كبيرة من اليهود في الجزائر الذين عانوا من الإجراءات المعادية لليهود من قبل حلفاء النازيين مثل نظام "فيشي" vichy وأضافوا أن حكومة فيشي فرضت على هؤلاء الأشخاص قيودا على التعليم والحياة السياسية والمشاركة في المجتمع المدني والعمالة، وألغت جنسيتهم الفرنسية واستهدفتهم لكونهم يهودا فقط، كانت فترة حكم فيشي بالنسبة لليهود كارثة سياسية، كون 70 سنة من الإندماج امتدت على ثلاثة أجيال لا يمكن أن تتلاشى وتتهاوى ببساطة، وبعدما قطع مخطط الإدماج ليهود الجزائر أشواطا كبيرة وحقق مكاسب كثيرة لهذه الفئة، خاصة وأن نظام فيشي تمكن من إرساء امبراطورية في الجزائر وبسط هيمنته، حيث اصدر مرسوما في 03 أكتوبر 1940 يتضمن 10 بنود تحدد الوضع الجديد لليهود لاسيما فيما تعلق بالنسب ومنعهم كذلك من ممارسة الوظائف الحكومية.

تشير الدراسات أن يهود الجزائر في سنة 1931 بلغ عددهم ما يقرب عن 24 ألف في مدينة الجزائر العاصمة وحدها، مقابل 157 ألف أوروبي، و32219 من المسلمين، وفي قسنطينة 13110 يهودي، و14 حاخام، و5436 في تلمسان، وهذا يبين أن الرقم يفوق ذلك الذي كشفت عنه الحكومة الألمانية، حسب التقرير يعيش في إسرائيل الآن حوالي 3900 من اليهود الجزائريين الناجين من المحرقة، إلا أن هذه الأرقام تظل في حاجة إلى تدقيق، ويعتزم مؤتمر المطالب افتتاح مركز تسجيل في وقت لاحق في باريس، حيث يقيم الجزء الأكبر من اليهود الناجي، وإرسال بريد مباشر للناجين المعروفين في بلدان عدا فرنسا لشرح تفاصيل أهليتهم في الحصول على تعويضات، للإشارة أن منظمة "مؤتمر المطالب" هي منظمة غير ربحية تساعد الناجين في الحصول على تعويضات، تأسست عام 1951 من قبل ممثلين عن منظمات يهودية دولية وتقوم بتوزيع الأموال التي تحصل عليها من ألمانيا على ناجين ومجموعات الرعاية التي تهتم بهم، بحسب معطيات مؤتمر المطالب، منذ عام 1952 دفعت الحكومة الألمانية تعويضات بقيمة حوالي 70 مليار دولار.

تعيد قصة الإبادة الجماعية لليهود للذاكرة التاريخية الأحداث بكل تفاصيلها، حيث كانت من ابتكار الزعيم النازي هتلر، عندما أعلن إبادتهم من العالم منذ مجيئه إلى السلطة في سنة 1933، وبدأ بمطاردتهم من كل النواحي، لم يكن ذلك إلا بداية انتقام هتلر من اليهود، حيث كان يعيش في ذلك الوقت حوالي ثلثي يهود العالم في أوروبا، عندما غزت الجيوش الألمانية روسيا في يونيو (جوان) 1941 أعد هتلر خُطَّة قتل جماعي لكل اليهود، حيث جمعهم في معسكرات خاصة على أساس وجود مهمة عسكرية، ثم أصدرت لهم الأوامر بأن يحفر كل واحد منهم قبره بنفسه، ثم اصطف اليهود صفا واحدا بجوار قبورهم وأُطْلِقَ عليهم الرصاص، انتقاما لما سبّبه اليهود من تخريب للإقتصاد الألماني وتفكيك وحدة الشعب الألماني وإذلاله، ولم يكتف هتلر بهذه الطريقة في إبادة اليهود ومحو آثارهم من العالم، بل أعد لهم طرقا أخرى للموت، حيث أقام لهم الألمان أفرانا خاصة لحرقهم، إلى جانب استعمال الغاز السّام، واستمرت عملية الإبادة إلى غاية سنة 1945، ولولا تدخل القوات الأمريكية والإنجليزية التي أنقذت بعضهم من معسكرات هتلر لتمكن هتلر من محو وجودهم نهائيا.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم