صحيفة المثقف

الوجود مفهوم ميتافيزيقي وليس موجودا أنطولوجيا

علي محمد اليوسفهذه المقالة الثالثة التي أكتبها عن تساؤل هيدجر: لماذا كانت الموجودات ولم يكن العدم؟ التي أبتدأ به كتابه مدخل الى الميتافيزيقا، وفي كل الاحوال أن ماكتبته بمقالاتي الثلاث ليست آراءا شخصانية متحاملة بحق الفيلسوف هيدجر وأنما هي منهجية ممارستي النقد لافكاره الفلسفية فقط وله ما شاء أن يكون، وللقاريء الحكم على صواب أفكار هيدجر أم صواب الافكار النقدية له؟ طبعا أنا أدعو القاريء الى مراجعة المقالتين السابقتين كي يكون على دراية كافية بالحكم على مضمون هذه المقالة التي هي أمتداد لما سبقها كي تتكامل الرؤية الفكرية لديه ...

كيف يفهم هيدجر علاقة الوجود بالعدم؟

كمفتتح لهذه المقالة أقول أن هيدجر وفي سرده (84) صفحة من كتابه (مدخل الى الميتافيزيقا) يخلط في تناقضاته الفلسفية بين (الوجود) كمفهوم فلسفي تجريدي يحتمل العديد من وجهات النظر الفلسفية كونه مفهوم كلي ميتافيزيقي شمولي لا يمتلك دلالة مصطلحية ثابتة ولا يمكن التعبير عنه الا مجازيا بالفكر واللغة وليس بالادراك العقلي كموضوع متفق عليه فلسفيا، وبين (الموجودات) التي هي متعينات أدراكية مادية محسوسة متوزعة في العالم المحيط بنا يكون التعبير عنها محددا ودقيقا...

وأوضحت مافيه الكفاية في مقالتيّ السابقتين بما يجعلني متحررا من التكرار في وجوب الاعادة لما كتبته لمن يرغب الوقوف على خلط هيدجر بين المفهومين..فالموجودات هي المكونات الاساسية لكل وجود كلي غير محدود بالادراك بينما لا يلزم بالضرورة من ذلك أن يكون تعبير الوجود هو مكافيء انطولوجي للموجودات في وجودها المادي المدرك..

يعرف هيدجر(الموجودات) الانسان والاشياء من حولنا وليس (الوجود):( الموجود هو ذلك الجمع المحتشد من الناس في الشوارع المشغولة الناشطة والضاجّة دائما بالحركة، أن الموجود نحن أنفسنا، الموجود هم اليابانيون والناس الاخرون من شتى الاجناس، الموجود هو المقطوعات الموسيقية المختلفة للموسيقار باخ، الموجود هو كاتدرائية ستراسبورغ، الموجود هو ترانيم هولدرين الشعرية، الموجود هو المجانين الذين يقطنون في مأوى المجانين، الموجود هم المجرمون.)(1)

ويتساءل هيدجر (اذا كان الموجود من المفترض أن يكون في مكان ما وزمان ما، هو موجود أو غير موجود في الواقع، أذا لم نفرّق ونمّيز سلفا بين مفهومي الوجود والعدم، وينبغي علينا أن ندع الموجود يكون ويوجد تماما كما هو الحال)(2)

من الملاحظ أن رؤية هيدجر للموجودات هي محض رغبة شخصية بعيدة جدا عن منهج التفلسف في البحث عن الحقيقة الذي يلاحق حقائق الاشياء كموجودات ومفاهيم باستقلالية عن رغباتنا في تطويعها قسرا، كما أن في العبارات الماضية أقتباسات مأخوذة عن فوكو، وعن مانويل كانط.. لكن ليس مهما الوقوف عندها على كل حال كتوارد أفكار تحصل...

من المعلوم جيدا أن الموجودات والاشياء في العالم من حولنا ليست وليدة رغبة ونزعة ذاتية تريد هذا ولا تريد ذاك، فالموجودات التي عددها هيدجر هي موجودات مستقلة في وجودها عن رغائبنا وأسلوب تعاملنا معها وادراكنا ومعرفتنا لها، أدراكا تفاعليا مشتركا بين كل الناس فكاتدرائية ستراسبورغ ليست موجودة بأشارة من هيدجر لها ولا هو المعجب الوحيد بموسيقا باخ وهكذا مع الشاعر هولدرين والمجانين والمجرمين الخ، الموجودات هو وقائع أنطولوجية لا توجد ولا تخلق برغبة شخص ولا بأرادة مجموعة أشخاص وهي أي الموجودات سابقة في وجودها على كل تفكيروأدراك بعدي لها في وجودها المادي القبلي..فالطبيعة بمكوناتها والموجودات من حولنا هي قسمة أنطولوجية في العقول المدركة لها وليست حكرا على أحد منفردا يجدها ويدركها وحده كما يحلو له ويشاء..

أما تعبير هيدجر دعونا ندع الموجود يوجد، فلا معنى له كون الموجود يوجد بمعزل عن رغباتنا ولا مجال لنا نفيه كموجود برغبتنا أيضا كما لا أمكانية لنا أن نوجده بمجرد تفكيرنا به وأدراكنا له...ودعوة هيدجر أن ندع الموجود يوجد ويتنفس، هو في توفير الحرية كاملة للافصاح عن حقيقته الجوهرية وهو ما لاخلاف عليه..فالموجود الحي (الانسان) هو وجود حرية وارادة وقرار ولا رقيب يمنعه ويستلب منه هذه المعطيات الفطرية والتكوينية المكتسبة التي بموجبها يكون الانسان انسانا لا حيوانا..

لكن الخطأ الاكبر من هذه السقطات الفكرية هو أن هيدجر يضع العدم مكافئا وجوديا على ضوئه وبمقارنته به يتحدد الموجود والوجود معا ... فالعدم ليس وجودا مكافئا للموجود بل هو جزء طفيلي عارض يلازم الموجود في وجوده الانطولوجي المتعين أدراكيا ولا ينفصل عنه حتى أفنائه تماما..وليس من المنطقي أن يتوقف أدراكنا الموجودات في تعالقها مع العدم...فالموجودات لا تحتاج تعينّها الانطولوجي بمقارنتها الضدية بالعدم الافنائي لها..

أن الموجود المدرك زمانيا - مكانيا يوجد ويغيب عن أدراكاتنا له متى ما كان عاملي الزمان والمكان متوفران كوسيلة أدراك له في الحضور وفي الغياب، الموجود يغيب عن أدراكاتنا ولا يغيب بالعدم الافنائي وحده (الموت)، كون العدم نفيا تاما له لكن غياب الموجود هو غياب مؤقت لا يفنيه ويعدم الحياة فيه حينما لا ندركه ماثلا أمامنا وفي تفكيرنا... وعدم أدراكنا الموجودات لا يقع عنه ويترتب عليه أنعدامها وجوديا.... مدركاتنا العقلية فقط هي التي تحدد غياب أو حضور الموجود بخلاف العدم الذي هو أفناء تام وليس تغييب مؤقت للموجود ولا قدرة للموجودات على أدراكه أو أجتنابه والافلات من حتميته..

وقولنا هذا ينطبق تماما على قول هيدجر في تناقضه ( أننا ندرك الموجودات بلا شك كونها تصطدم بنا ونلتقي بها على طول الخط، ونحن نعمل بذلك على التمييز والتفريق بين وجودها من عدمه على هذه الشاكلة)(3)

واضح جدا أن هيدجر يفهم حضور الموجودات من (عدم) حضورها كون العدم يطالها وليس غياب الموجودات الحسّي المؤقت بسبب غياب أدراكنا لها وليس في أستهداف العدم لها ونفيها نهائيا كما يعرب هيدجر أن غياب الموجودات هو بسبب أستهداف العدم لها فقط..غياب الموجود عن مدركاتنا له لا يكون بالضرورة غيابا نتيجة استهداف العدم له..وغياب وحضور الموجود غير الافنائي له عدميا أنما يقوم على أدراكنا له من عدمه..

كيف لنا أن لا نمّيز بين غياب الموجودات المؤقت عن أنعدام الموجودات بالفناء التام، العدم بالافناء والموت التام لها؟ فالعدم يطال الموجودات الحيّة بالموت والفناء مثل الانسان والحيوان والنبات ولا يطال الموجودات غير الحية (الجمادات) في الطبيعة..ولا المفاهيم الكلية مثل الاخلاق والموسيقى والطبيعة غير الحيّة وغيرها..فهذه مفاهيم وجودية تلازم الموجودات والانسان تحديدا..

غياب الموجودات عن أدراكاتنا لا يعني السبب هو أفناء العدم لها فقط، الموجود المدرك في حضوره وغيابه ليس مشروطا بأستهداف العدم له وأفنائه، فغياب شخص مثلا كموجود عنا لا يكون بالضرورة بسبب الموت الذي يستهدفه بالفناء بل بسبب ربما ظروف معينة حجبت تواجده مؤقتا عنا..غياب الموجود لا يجب علينا تعليله تعليلا وحيد الجانب هو أن العدم طاله ولم يعد موجودا.. فعدم الموجود نهائيا لا يكون الا في حالة الفناء والموت وهذا ينطبق على كثير من الموجودات التي لا يطالها العدم بل الغياب الطبيعي المؤقت.. أما أغلب أنحجابات مداركنا عن العديد من الموجودات هي ليست بسبب أستهداف العدم لها فقط بل لأنها موجودات في غياب مؤقت عن مداركنا لها..

ويدين هيدجر فلاسفة عديدين تناولوا مبحث الوجود لعل أبرزهم نيتشة قائلا (أن من الخطأ القول أن كلمة وجود هي كلمة لا معنى محدد لها فارغة وغامضة)(4) وتعبير كلمة لا معنى لها فارغة وغامضة هي لنيتشة..

من السهل أن يكون التفريق بين الوجود كمفهوم كلي تجريدي لا يدرك الا بموجوداته التكوينية له فقط، وبين الموجودات التي هي متعينات أدراكية حسّية للعقل التي هي تكوينات الوجود..والقول بأن الوجود كلمة غامضة غير محددة هو قول صحيح لنيتشة رغم أستهجان هيدجر له، فالوجود مفهوم ميتافيزيقي مجرد، وليس أدراك أنطولوجي محدد كموجودات أدراكية تكوينية له..

ويعود هيدجر الى نفس تناقضه بقوله (ما زلنا نعثر على حقيقة أن الوجود هو عبارة عن معنى غامض وغير محدد ولكن من جانب آخر فأن البحث والذي شرعنا في أنجازه هو فقط أننا قمنا فعلا وبوضوح وبشكل مؤكد بمحاولة التمييز بين الوجود والعدم..)(5) في أكثر من 84 صفحة من كتابه مدخل الى الميتافيزيقا ومن أستطرادات فلسفية لا حاجة لها وتهويم ميتافيزيقي متناقض يقر هيدجر بأنجازه المتحقق في نجاحه  بيان الفرق ما بين الوجود والعدم.!!

لنتعقب نجاحات هيدجر في تمييزه بين الوجود والعدم (ينبغي أن نضع بالحسبان الامر التالي: ربما يكون أمر مشكوك فيه ما أذا كان الموجود الفردي في مكان ما وفي زمان ما موجودا أو غير موجود، ربما يمكن لنا أن نرتكب خطأ بهذا الخصوص على سبيل المثال:ما اذا كانت هذه النافذة هناك، والتي بالرغم من كل شيء موجودة كانت مغلقة... ولكن حتى وأن كان هذا الشك يطرح نفسه فان التمييز المحدد الواضح بين الوجود والعدم يجب أن يكون حافزا حاضرا بأذهاننا)(6)

طبعا لو عدنا الى قراءة عبارات هيدجر فهو لايزال لا يفرق بين الوجود والموجود في علاقتهما بالعدم، ويخلط بينهما في أستعماله أحدهما بدلا من الاخروكأنهما دلالة تعبيرية واحدة لمعنى واحد بعلاقتهما بالعدم..ولا يفرق بين الوجود كمفهوم فلسفي ميتافيزيقي مجرد وبين الموجود الذي هو متعين أدراكي حسّي عقلي.. وهل أصبح تمييزنا كما في عبارة هيدجر السابقة  بين الوجود والعدم هو أن كانت النافذة مفتوحة أم مغلقة؟

هيدجر: اللغة والوجود

يذهب هيدجر لتعريف الوجود بضوء الفهم في تعبير اللغة على أنها هي مصدر أشتقاق كلمة الوجود في تطورها تاريخيا قائلا (اللغة ومن خلال تطورها تشّكل حتميا صيغة المصدر لكلمة وجود، على سبيل المثال :أن يوجد، أن يقدم نفسه، ومع مرور الزمن أصبحت اللغة نتيجة ذلك تنتج معنى ضعيفا متبلدا غامضا لتلك الكلمة) (7).

الوجود كمفهوم ميتافيزيقي قبلي سابق على اللغة ولم تخلقه اللغة وليست هي مصدر تخليقه كوجود..اللغة لم تأت بالوجود كمفهوم وناتج عرضي لتطورها كلغة عوضا عن أنها وسيلة أستدلال الفكرالانساني على معرفة معنى الوجود..فالوجود مفهوم أنطولوجي ميتافيزيقي غامض شغل التفكير الانساني والفلسفي منذ عصور سحيقة قبل أختراع اللغة التعبير عنه تجريدا كمفهوم ميتافيزيقي، ولم تكن اللغة سوى وسيلة الدلالة في التعبير عنه كمفهوم غامض غير محدد ولا يحمل مضمونا يمكن تحديده وتعيينه كموضوع أبستمولوجي خارج نطاق دلالته الغائمة الغامضة ميتافيزيقيا..

أن الوجود من حيث هو مفهوم ميتافيزيقي يكتسب غموضه، وليس أمتلاك (وجوده) من حقيقته على أنه مفهوم غير مجمع عليه كمصطلح متفق عليه ويشّكل هذا الفهم محورا بحثيا مركزيا في الفلسفة... وهذا الفهم لا يربط الوجود بالعدم كواقعة أنطولوجية واقعية، فالوجود على خلاف مكوناته من (الموجودات) لا يلتقي العدم ولا يفنيه الا عندما نبيح لانفسنا أستخدام تعبير (الوجود) ونعني به (الموجود) المتعيّن انطولوجيا المحكوم بالعدم ،والعدم لا يستهدف الوجود كمفهوم تجريدي غير متعيّن.. وأنما هو يستهدف الموجودات الحية الانطولوجية الفيزيائية القابلة للفناء والموت.. العدم لا يعمل في فراغ لغوي تجريدي بل يعمل في مجال أنطولوجيا الموجودات الواقعية الحيّة..والخطأ الشائع في الفلسفة التعبير اللغوي عن الوجود ويراد القصد منه الموجود....

ويعبّر هيدجر عن هذا التناقض في التناوب الدلالي الواحد بين الوجود والموجود رغم حذره الشديد أن لا يقع في التناقض بقوله: (أن الشيء الذي يناقض نفسه لا يمكن أن يوجد ويكون،فالدائرة لا يمكن أن تكون مربعا ولا مثلثا، لكن الوجود محدد وغير محدد كليا في وقت واحد) (8)

ولتوضيح محاولة هيدجر هذه البرهنة على هذا الاشكال المستعصي منطقيا يذهب على خلاف من نيتشة الذي يرى في الوجود كلمة فارغة لا معنى لها كونه مبحثا ميتافيزيقيا في الفلسفة...والقول لهيدجر: (فاذا فكرنا بعمق وعن كثب في حقيقة وطبيعة هذه الكلمة – الوجود – فأنها في نهاية المطاف تتحول الى حقيقة على الرغم من ضبابية وعمومية معناها، أننا بلا شك نقصد بها شيئا محددا)(9).. نلاحظ أن تعبير هيدجر في تحديده الوجود كشيء محدد أنما يكون في أعادة البرهنة على أمكانية تمرير سقطته أنه يتعامل مع كلمتي وجود وموجود أنهما لفظة واحدة في التعبير عن معنى دلالي محدد واحد عن شيء واحد..لتوكيد هيدجر وجهة نظره انه يمكننا استحضار الوجود من المفهوم الميتافيزيقي له، الى مرتبة الموجودات التي يمكننا معاملتها ادراكا عقليا ابستمولوجيا..

هيدجر أمام محاولته العقيمة جعل مفهوم الوجود الميتافيزيقي واقعة مادية محكومة بالعدم يلجأ الى ممارسته لعبة تبادل أدوار معنى الوجود كمتعين انطولوجي بدلالة محمولاته من الموجودات الواقعية المتحررة عن الوجود في وجودها المستقل أنطولوجيا ..الاشتباك بين الوجود والموجود الذي يحاول هيدجر تسويغ أمكانية عبور الاختلاف الواسع بينهما هو في مساواة الوجود كمفهوم ميتافيزيقي غير محدود مع الموجود كموضوع مادي واقعي يطاله الافناء العدمي..

فالموجود يبقى مفهوما معلقا في تعبيرنا اللغوي وفهمنا المتداول الخاطيء أن الوجود ممكن الوجود كمتعيّن انطولوجيا كقولنا (وجود الشيء) ونعني به تعيين الشيء كموجود بأسناد وجوده الى لفظة (وجود)، بهذا المعنى التعبيري اللغوي لم يكتسب الشيء وجوده الواقعي الحقيقي وأنما أكتسب الوجود باضافة لفظة (الشيء) له وجوده المتعين المدرك أنطولوجيا بينما الوجود في حقيقته مفهوم زئبقي غائم وغامض غير متفق عليه..غير متجلي سوى بمحمولاته من الموجودات..

أذن في قولنا (وجود الشيء) يصبح الوجود موجودا بالشيء ولا يكون الشيء موجودا بالوجود..واذا ما قمنا بتجريد الشيء عن لفظة وجود فهو لا يفقد شيئا من حقيقته الانطولوجية كموجود مدرك واقعي بينما يفقد الوجود كل قيمته أن يكون موجودا متعيّنا انطولوجيا.. بتعبير مختصر أننا في حال جرّدنا لفظة (وجود) عن (الشيء) فسوف نحصل على شيء موجود ولا نحصل على (وجود موجود) مجرد غير  انطولوجي في حقيقته..

وفي لفظة (وجود الشيء) لا يكتسب الوجود متعينه المادي منفردا عن الشيء بل يكتسب الوجود ماديته الزائفة غير الواقعية عندما نقرنه بالشيء الذي هو معطى موجود واقعيا.. والشيء كمتعيّن واقعي موجود لا يحتاج أقترانه بلفظة الوجود كي يحوز الاستدلال الانطولوجي كموجود يدرك.. عليه فألاشياء موجودات كمعطى طبيعي لا يتوقف معنى دلالة وجودها بأضافة كلمة (وجود) لها، فالموجود شيء متعّين أنطولوجيا قبل وبعد أضافة أو عدم أضافة لفظة (وجود ) له..

بالمختصرالمفيد قولنا (وجود الشيء) لا يعني أن الشيء أكتسب وجوده (انطولوجيا) كمتعين (موضوع) يمكن أدراكه في أسناده الى لفظة وجود.. ولفظة شيء منفردة وحدها تعني أنه (شيء موجود) مادي وليس (وجودا) لفظيا لا معنى يحتويه ولا يتحدد وجوده من عدمه في أدراكنا له (كموجود) من عدم أدراكنا له، فالاشياء هي موجودات لا يخلقها الادراك من حولنا وما يدركه من هذه الاشياء شخص أو مجموعة أشخاص قد لا يتسنى لآخرين أدراكه.. وتعبيرنا (وجود الشيء) لا يكافيء ولا يفيد معناه أو يعني قولنا (الشيء موجود) الذي هو حقيقة تثبت أن الشيء المعني موجود كمتعين انطولوجي يمكننا أدراكه كموجود..

في محاولة هيدجر أضفاء صفة (الوجود) كمفهوم ميتافيزيقي على موجوداته كمواضيع مدركة للحواس والمخيلة والعقل يقول(الوجود الذي يخص أو يقود الى كل موجود أيّا كان، والذي – أي الوجود – هو بالتالي منثور متوزع ومشتت بين كل تلك الموجودات (الاشياء) التي هي مألوفة وحاضرة بالنسبة لنا، هو شيء – يقصد الوجود – أكثر فرادة وخصوصية من كل الاشياء الاخرى المنثور والمشتت فيها – يقصد موجودات الوجود – أن الوجود ينتمي بوضوح الى مجال الحضور .(10) ...

لا خلاف أبدا على عدم أمكانية نكران حقيقة أن تجّلي الوجود لا يكون ألا بتجليّات مكوناته أي موجوداته التي يحتويها ولا يسيطر عليها كأشياء متوزعة متناثرة عنه في الواقع والمحيط، أن الامر المهم نراه بوجوب التفريق بين الوجود كمفهوم ميتافيزيقي غير محدود ولا يمكننا الالمام به مجردا منزوعا عن مكوناته من الموجودات، وأفتراقه عن الموجودات كمكونات متعينة واقعيا تنسب الى الوجود مجازا ولا تنتسب له في حقيقة ماديتها..

أنه لمن العبث أن نحاول جعل أدراكنا الموجودات كاشياء موزعة متناثرة نعايشها وعلى تماس مباشر بنا هو بوجوب أنتسابها الى (الوجود).. في حين أن الموجودات كانطولوجيا لاشياء متعددة موزعة متناثرة أنما تكون حقيقة وجودها المتعين هو في أنتسابها الى الواقع والحركة والخيال والعقل، وتسميتنا (وجود الاشياء) لا يمنحها حقيقة وجودها ،فهي موجودة كمتعينات مدركة بالحس والوعي والعقل وتعبير اللغة. بمعنى تلخيصي موجز الوجود هو تمثيل مجازي في التعبير عن الاشياء التي هي وقائع حقيقية مباشرة في حياتنا ولا أهمية أن يحضر الوجود في تسميتها أم لا يحضر لأن ذلك تعبير لغوي مجرد.

 

علي محمد اليوسف

.......................

الهوامش:

1- مارتن هيدجر/مدخل الى الميتافيزيقا/ ت: د. عماد نبيل ص 82

2- نفس المصدراعلاه نفس الصفحة

3- نفس المصدر ص 83

4-  نفس المصدر نفس الصفحة

5- نفس المصدر ص 84

6- نفس المصدر نفس الصفحة

7- نفس المصدر ص 80

8- نفس المصدر ص 84

9- نفس المصدر ص 84

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم