صحيفة المثقف

قراءة في رواية: الشاحنة.. الغوص في سايكولوجية الطغمة الحاكمة

جمعة عبد الله من الخصائص الروائي (محمود سعيد) ان يبحث في ابداعه الروائي عن منصات غير مطروقة في الحدث المتن الروائي، بشكل غير مسبوق، رغم الكم الهائل من الروايات، التي انتجت واصدرت بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003، يبحث عن رؤية وروى لم تطرق في هذا الكم الروائي، وهذا الكم يتحدث بشكل مسهب عن وحشية المحتل واستهتاره بالعراق والعراقيين، في مخالبه الدموية المتغطرسة في تدمير العراق، الذي جلب ذيوله، الذين جاءوا على الدبابة الامريكية وسلمهم مقدرات العراق والحكم والسلطة والنفوذ، ليعم الخراب والانفلات في الفوضى والاضطراب، بحيث تكون الحياة عبارة عن معاناة جحيمية، بالارهاب والتفجيرات الدموية . التي اصبحت ظاهرة روتينية في ظل الاحزاب الدينية الطائفية، التي فتحت شهيتها الجشعة على مغارة (علي بابا) وحملت الذهب والياقوت والدولار . وكذلك هذه الروايات التي صدرت بعد الغزو تحدثت عن الارهاب اليومي في الحرب الاهلية الطائفية، في التخندق الطائفي وسفك الدماء، واصبح القتل ظاهرة يومية روتينية، القتل على الاسم، هذا الرعب اليومي، الى جانب عمليات النهب واللصوصية والفرهود وعمليات الحواسم . هذه المظاهر الجديدة التي جاء بها المحتل الامريكي، وهو يبشر بولادة الديموقراطية، التي تحاولت الى الدم / قراطية، الذي انحدر اليها العراق . وهذه الرواية (الشاحنة) تطرقت في شكل اخر في تناول تداعيات النص الروائي . تتناول مسألة مهمة وحيوية في الاحداث السردية، انها تغوص بالعمق في الطبيعة السايكولوجية لهذه الطغمة الحاكمة الجديدة، تغوص في وجدانها الداخلي، وتشرحها في المبضع الروائي، بما تحمل في دواخلها الكامنة، هو راقد في داخلها وحش متعطش الى الدماء والقتل والارهاب، يغوص في اعماق عقليتها الطائفية المنغلقة، تغوص في اعماق نفسيتها المشبعة بالغرور والغطرسة وعدم احترامها القيمة الانسانية، في طبيعتها الارهابية، قبل سقوط النظام الدكتاتوري، والتي رفعت لواء معارضة النظام، في استخدام كل الوسائل الشرعية واللاشرعية، في سبيل الوصول الى غايتها المنشودة، في هذا التعطش الجشع في الاستيلاء والاستحواذ على الارض والبشر وتطويعهم بسوط الارهاب والاجرام . لذلك يسكن في دواخلها الف وحشي كاسر متعطش الى الدماء، والفرهود المالي، تستخدم وسيلة العنف لكي تصل ما ترمي اليه من غايات خبيثة وشيطانية . قبل سقوط النظام وزادت اكثر وحشية بعد سقوط النظام الدكتاتوري، هذا ما يكتشفه النص الروائي، في تحليل طبيعة هذه المخلوقات المسخة والهجينة . وبالتالي ان المتن الروائي، يجعل القارئ، يستنتج من حصيلة الافعال هذه العصابات، بأن فصيلة دمها، معجون بطينة الارهاب والاجرام، وايقاع الاخرين في الفخ،مثل ما وقع (حسين) في شباكهم في الاستدارج المغري بالمال، وبذلك لم يستطع او يتمكن ان يتخلص من فخهم، لا يمكن ان يبتعد عنهم، بعد ما اشركوه في افعالهم، بأن اصبح مهرب لهم في الشاحنة، في تهريب عناصرهم من العراق الى اسطنبول وبالعكس . هذه الاشارات الواضحة في دلالتها التعبيرية . والتي يشير اليها المتن الروائي والحبكة السردية. اذا كان يحكم في العراق سابقاً دكتاتور واحد وحشي، مجنون بحب العظمة، وهؤلاء العصابات يوجد في كل عصابة يرقد في دواخها وحش كاسر متوحش . مجنون بحب المال وحب الارهاب والاجرام . جاءوا ليمزقوا العراق ارباً أربا . هذه خلاصات التحليل التشريحي السايكولوجي لهؤلاء الشراذم في طبيعتها وروحيتها الداخلية والخارجية، في سلوكها وتصرفها. ان رؤية المتن السردي متناسق في اتجاهاته التعبيرية، وهو يغرف من الواقع الحقيقي والفعلي، دخل مختبر الخيال الفني الروائي، في توظيف الاتجاه الواقعي، في الواقعية الانتقادية الساخرة في التهكم والتندر على نفسية هؤلاء الشراذم، بأنها نفسيات مهزوزة وضعيفة ومنبوذة من المجتمع . براعة لغة السرد في توظيف الفعل الدرامي المتصاعد لشد القارئ . وكذلك روعة الغوص والتصوير الروائي، وهو يلاحق الاحداث . في افعال هذه المخلوقات المسخة  والارهابية . نجد التواضع والبساطة والحلم في الحياة الهادئة .في نفسية (حسين) الطيبة لم تستطع ان تتلوث بالمغريات، رغم تعامله معهم، فظل محافظاً على طيبته حتى اخر الشوط . رغم انه وقع في في فخهم، لكن لم يبع حبه ووفائه الى زوجته (نبع) ولم تهزه وتزعزعه الاغراء والغواية بتوفر الجنس في المتعة، فظل محافظاً على رباطة جأشه حتى النهاية . لكنه في النهاية دفع الضريبة الباهظة بمقتل زوجته برصاص الغدر، ولم يفلح في النهاية سوى في انقاذ طفلته، والرحيل الى شتات الغربة . لذلك ان الطيب يبقى طيباً رغم كل المغريات، وبالمقابل التصرف والسلوك الارهابي مع الزمن يتصاعد اكثر، فكيف الحال لو كان يمتلك السلطة والنفوذ، بكل كل تأكيد يزداد اكثر وحشية واجراماً .

أحداث المتن السردي:

× مشهد رومانسي جميل على ساحل البحر عناق شاب وشابة، استفز روحه المكلومة بلوعة الفراق، وهو يعيد شريط الذاكرة في استرجاع الزمن الماضي (فلاش باك) نعرف انه (حسين) ولد عام 1980 في بغداد، لكن يحمل أسم اخر . جواز آخر . وطن آخر . ولد ولم يرَ والده الاستاذ في الجامعة، الذي وقع اسيراً في الحرب العراقية الايرانية . وانه مات في الاسر . بينما خاله (شريف) ايضا وقع في الاسر واطلق سراحه بواسطة الصليب الاحمر، عاد نحيفاً يمشي على عكاز، او عاد شبه هيكل عظمي . من الظروف الصعبة في الاسر، التي مات فيها والده بسبب التعذيب الوحشي ضد الاسرى، وقد مات الكثير منهم نتيجة الظروف الوحشية، مات اباه بسبب الاسهال الدموي نتيجة شرب مياه المراحيض (أجبروا مئات الاسرى على شرب مياه المراحيض، مياه المراحيض؟ أكل الديدان (الخرأ)،تقزز امتلأ قلبه كراهية . اللعنة . كيف يجبرون أنساناً مثلهم على شرب مياه المراحيض ؟ أتعس من ذلك وضع السجن، زنزانات انفرادية . لا ضوء . مطلقاً . يدفعون الماء والطعام من خلال فتحة الباب . المرافق حفرة يجب ان تبحث عنها في صدر الزنزانة . لا فراش . لا بطانية . السجن في شتاء الشمال درجة الحرارة عشرون تحت الصفر . هناك ينغلق المرء على برده وامراضه) ص7 . (حسين) ترك المدرسة وتعلم لعبة الكارتيه، ثم بعد ذلك تعلم مهنة ميكانيك السيارات، حتى اصبح ميكانيكي ماهر في الصنعة . وخلال الحصار الدولي على العراق . كان يسمع عن سواق الشاحنات، الذين يحملون البضائع من الدول الجوار (الاردن . سوريا . تركيا) يعيشون في بحبوحة العيش رغم الظروف الصعبة . لذلك اراد ان يكون سائق شاحنة حتى يوفر المال ويتزوج وتستقر حياته، فأشترى شاحنة قديمة (سكراب) وقام باصلاحها وتبديل قطع الغيار بجديدة . حتى اصبحت بحلة جديدة وجيدة، واشتغال عليها على الاردن وسوريا، وساعد الاطباء في جلب الادوية المفقودة في العراق نتيجة الحصار، يعطونه قائمة المشتريات من الادوية ويجلبها اليهم . كان يتمثل بالخلق والاداب والصدق والامانة، وكذلك الشجاعة والجرأة . لذلك استدرجوه في العمل والتعاون مع المعارضة الاسلامية في عدائها مع النظام الدكتاتوري، في المساعدة في تهريب عناصرهم المطلوبة وتهريبها الى خارج العراق، او بالعكس العناصر التي يهربها من خارج العراق الى الداخل . مقابل دفع مالي محترم، واستمر يتعاون معهم، رغم الهواجس المريبة حول اعمالهم، التي تتخذ صفة الارهاب والاجرام، حاول ان يتخلص منهم ويقطع علاقته معهم، لكنه خشي من الوشاية به، ويكون مصيره الموت المحقق . وكان يجد سلوكهم يتخذ صفة الارهاب والاجرام، ولا يدل على السلوك السوي للمعارض السياسي . كان يضع الشخص المهرب في صندوق خلف السائق مصمم على شكل مخبأ سري . وفي احدى المرات حمل شخصاً من داخل العراق، عرف اسمه فيما بعد (موسى الامغر) شخص مريب، تدور حوله الشكوك، ولكنه مجبر على ذلك، لذلك فكر أنه لو انكشف أمره في العراق والقيء القبض عليه سيكون مصيره الاعدام، أو اذا القيء القبض في سوريا، سيتعفن بالسجن حتى الموت . وراردته الشكوك حين حذروه بعدم توجيه السؤال والاستفسار عن اسمه وعائلته وسكنه، غير مسموح بطرح السؤال عليه . عرف انه وقع في براثن عصابة ارهابية واجرامية، تحت ذريعة معارضة النظام الدكتاتوري . اخذ الشخص المهرب ووضعه في المخبأ السري، وقبل الوصول الى نقطة الحدود العراقية / السورية، ادخله في احدى المطاعم على الطريق الدولي . وانفتحت شهيته الجشعة على الطعام واختار مختلف الطلبيات المتعددة من انواع الاكل . وعند نقطة الحدود العراقية مر بسلام بعدما دفع الرشوة، ولكن قبل الوصول الى نقطة الحدود السورية، هاجت معدته من الطعام الثقيل، واخذ ينفض الهواء الفاسد . واثناء دخول المفتش كانت السيارة مليئة بالهواء الفاسد، حتى زجره المفتش بالغضب والاستهجان موجه كلامه الى (حسين) (ألا تخجل تضرط وانا قربك؟. انحنى حسين عليه . عانقه خجلاً وتوسل : أرجوك سامحني أنا مصاب بزحار، حين أنفعل يفاجئني) ص73 . ولكنه تكررت الغازات الفاسدة اكثر من السابق . تخبط (حسين) في ارتباكه، وقال بتوسل (والله عمي ليس بيدي) وبعد مداولات بالشد والجر والتهديد بأنه حامل مخدرات او شيء ثمين لهذا يرتبك و (يضرط) بالهواء الفاسد، اثار الشكوك حول بضاعته وما يحمله، واخيراً سلم رشوة خمسمئة دولار . ولكنه حذره في المرة اللاحقة سيكون مصيره السجن . ولكن هذا المسخ الذي يحمله تغوط على نفسه، وملىء جسمه وملابسه بالغائط، وحار في امره، واصبحت الرائحة العفنة لا تطاق . تذكر هذا المسخ حين تولى منصب رئيس الوزراء ورئيس عصابة وحزب، وعرف بأنه طبيب من كربلاء المقدسة، واراد ان يتزوج من (سامية) لكن رفضته، لانه معروف في كربلاء المقدسة بأنه منبوذ من الناس، بما يحمل من عقلية طائفية متزمتة ومقيتة . وقد استشاط والد (سامية) من هذا المنبوذ الذي يطلب يد ابنته، اشبعه ضرباً واسقطه على الارض . ولكن (سامية) انتابها القلق والخوف الشديد من الانتقام منها ومن زوجها الدكتور (صبحي) ومن عائلتها بعدما اصبح الحاكم الاول في العراق، رغم ان (موسى الامغر) وعدهم بالسماح والغفران ونسيان الماضي، ولا يود لهم إلا الخير في حياتهم . وان الانتقام ليس وارد وليس من اخلاقه . لكنه انتقم من كل العائلة في الاغتيال داخل بيتهم، ولم ينجو من الاغتيال إلا طفلة صغيرة . لان هذا الوحش الكاسر رئيس عصابة اجرامية تمارس ابشع وسائل الموت المروع، لدواعي طائفية ومذهبية مدمرة في حق الناس الابرياء (جثث مقطعة . اعين مفقوءة . بطون مفتوحة . أطفال مقطوعة الرؤوس . نساء عاريات مشدودات من القوائم الاربع، ورجال يمارسون الجنس معهن . ذكور بمختلف الاعمار مقطوعة اعضائهم الجنسية . شباب مربوطة ركبهم الى صدورهم واخرون يمارسون الجنس معهم . رجال . نساء . اطفال جالسون على عصي حديد مثبتة على الارض واعينهم تدلق معاناة لا توصف) ص143 . هذه الصور التصويرية، لما خلقوه من رعب وحشي في العراق . وجعلوا الحياة تعيش رعب حقيقي . اما السرقات والفرهود فحدث بلا حرج . في تهريب المليارات الدولارية الى البنوك الخارجية . وفي الاخير دارت النوائب على عنق (حسين) في هجوم غادر على بيته في الفجر بالرصاص والقنابل التفجيرية في الانتقام منه ومن عائلته، ولكنه استطاع ان يبادلهم اطلاق الرصاص ويهرب مع عائلته بسيارته، لكن اطلاق النار لم يتوقف، فأخترقت الرصاصات جسد زوجته (نبع) فسقطت قتيلة، واستطاع ان ينقذ نفسه وطفلته الصغيرة، ويشد الرحال الى الغربة، خوفاً من الانتقام القادم .

 

 جمعة عبدالله

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم