صحيفة المثقف

استراليا.. الحاجة الى المصالحة الحقيقية

عباس علي مرادعلى الرغم من ان دخان الحرائق واخبارها طغى وحجب ما عداه من الاخبار هذا العام واواخر العام الماضي، الا ان مرور يوم استراليا وكالعادة كان محطة للتأمل في مستقبل وماضي البلاد، التي ما زالت تنوء تحت حمل ذلك الماضي، الذي يثقل كاهل البلاد التي قفزت الى مصاف الدول المتقدمة منذ ألأستيطان الأبيض في البلاد منذ 231 عام حيث بدأت تتكشف أكثر وأكثر الممارسات التي مورست ضد سكان أستراليا الأصليين المعروفين بالابوريجنال والتي اتت على معظم حضارة هؤلاء السكان.

الأبوريجنال، الذين ما زاولوا يطلقون على 26 كانون الثاني يوم الغزو او يوم النجاة، معظمهم يطالبون بتغيير هذا التاريخ، بينما هناك فئات تطالب بتثبيت هذا اليوم للتذكير بجرائم المستوطنين البيض بحق سكان البلاد الأصليين حتى لا يأتي عليها النسيان، وهناك فريق آخر من السكان الأصلين يطالبون ببقاء الأحتفال بيوم أستراليا في 26 كانون الثاني ولكن بشروط مختلفة، ويتقدم هذا الفريق وزير شؤون السكان الأصلين في حكومة موريسن الوزير كين وايات وهو أول وزير من السكان الأصليين يتولى هذه الحقيبة الذي قال لننسى هذا التاريخ، وليكن يوم للأحتفال ونحتفل بالاشياء الجيدة مع الأصدقاء والعائلات والمجتمع ونحترم بعضنا البعض ومساهمتنا لهذا الوطن.

 في مقابلة مع صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد 25/1/2020 طالب الوزير ببقاء الأحتفالات ولكن يجب التذكير بكل ما حصل من أشياء جيدة وأشياء سيئة منذ العام 1788 تاريخ بدء الأستيطان الأبيض، ويحث على تجنب الحرب الثقافية التي تطغى على المناسبة، ويدعو الأستراليين من كل الخلفيات لأنتهاز هذه الفرصة لنتوحد كأمة، واعترف الوزير ان معظم السكان الأصليين قد يجدون صعوبة في تقبل الأمر، ويضيف ان من حق الأبوريجنال ان يغضبوا من الماضي، وابدى الوزير أعجابه وتفاؤله بالأجيال الشابة وطالب بمشاركة هؤلاء الشباب بقول الحقيقة، ودعى الجميع الابوريجنال وغير الأبوريجنال للأعتراف بأحداث التاريخ وحتى تلك التي تركت ندوباً عميقة في جسد الأمة، وأعرب عن سروره بتقبل ثقافة السكان الأصليين في المجتمع الأسترالي.

وكانت صحيفة (س م ه ) في افتتاحيتها في 25/1/2020 قد دعت الى جعل تاريخ الأبوريجنال نقطة محورية في اليوم الوطني الأسترالي، واعترفت الصحيفة بأن هذا التاريخ له إشكالية ومثير للخلاف، وترى انه منطقياً ان يتم تغييره في وقت ما بالمستقبل، والمعلوم ان الأحتفال بيوم أستراليا بهذا التاريخ بدأ منذ 31 سنة فقط.

وكانت الصحيفة استطلعت قراءها حول تغيير تاريخ الأحتفال بيوم أستراليا فأيد التغيير 47% وعارض 43% و10% تمنعوا عن إعطاء أي رأي. وهذا  الانقسام يظهر أيضاً بمواقف المواطنين فنرى بعض المتحمسين الوطنيين يتحركون ضد كل من يدعو الى تغيير التاريخ او حتى ذكر العنف الذي مورس ضد الأبوريجنال في 26 كانون الثاني عام 1788. 

وكذلك يعمد بعض السياسيين المحافظين لاستغلال الأمر سياسياً لدق أسفين بين الطبقات العاملة التقدميين والمحافظين.

 وحسب استطلاع لمعهد يسار الوسط الاسترالي وجد ان 37% يعتبرون الأحتفال هذا اليوم مهين، وهناك 56% يرون ان لا مشكلة لديهم أي يوم يكون المهم ان يكون هناك أحتفال باليوم الوطني. ام استطلاع معهد اليمين الوسط للشأن العام فالصورة مغايرة تماماً حيث يعتبر75% انه يجب الأبقاء على تاريخ 26 كانون الثاني.

من هنا نرى، ان الموضوع يجب ان يحسم بشكل قطعي والوصول الى مصالحة حقيقية، وردم الهوة بين السكان الأصليين وباقي المواطنين على كافة المستويات الصحية، التعليمية ،الأجتماعية  والسياسية وغيرها… والاعتراف بالسكان الأصليين بالدستور الأسترالي، وان يكون لهم ممثلين بالبرلمان يهتمون بقضاياهم كما طالب البيان المعروف ببيان "اولورو" الذي صدر عن اجتماع مجموعات السكان الاصليين قبل عامين في اولورو.

ان أستراليا التي بها نعتز قد بلغت من الرشد والوعي ما يكفي لان تقدم على هكذا خطوة، فلا يضيرها ان تعترف بماضيها الأليم، وتتابع الانفتاح من اجل مستقبل أفضل نعمل على تطويره جميعاً بما يتناسب مع قيم أستراليا المتعددة الثقافات كما يردد معظم السياسين بافتخارهم بهذه التعددية، فالباقي ان يقرن القول بالفعل وتتم المصالحة بين الماضي والحاضر لتحصين المستقبل وخصوصا مع الابوريجنال وثقافتهم والتي عملنا على محوها بكل ما اوتينا من قوة خلال القرنين الماضيين كما تقول الكاتبة اليزيبث فاريلي.

 

عباس علي مراد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم