صحيفة المثقف

في المرجع الديني الحيدري والجابري وأركون وعزيز العظمة وعلي حرب

حمزة بلحاج صالح"لا فهم للفلسفة والفكر بالوكالة .. إقرأ حتى لا يقرأ لك غيرك"

  لم يمارس الحيدري نقدا فلسفيا على عمل فيلسوف كبير هو محمد عابد الجابري ومفكر وأنثربولوجي هو محمد أركون بقدر ما قدم ملاحظات قارىء في أصله فقيه وصاحب تكوين ديني يهتم بالنص الحداثي العربي ..

ليس كل ما يقال يحمل صفة الجودة والعلم والفلسفة وكل ما تقذفه النت والهوائيات والمطابع هو معرفة تستحق التثمين والتنويه...

أما علي حرب بما له وما عليه (وهو دون الفيلسوف بكثير بل مثقف وكاتب عبثي يبهر البعض بتلك العبثية) وبمبالغاته وتمترساته حول ذاته مارس نوعا من التفكيك العابث (وبعبثيته فهو يكتب عادة ليعبث بالكلمات والنصوص والحقائق) عبثي النزعة وعدمي المنزع..

لا أفهم بعض المتدينين والمنتسبين للحالة الدينية كيف يصدقون دجل من يسمون أنفسهم تنويريين وعلمانيين فيعيشون الفصام في حياتهم يفصلون بين تدينهم التعبدي وعدمية وعبثية يتبنونها ويحاكون فيها المنجز الغربي بتقليد طفيلي رهيب...

علي حرب لم يترك أحدا لم يمارس عليه نقده فليته طرح بدائل بل لقد مارس نقدا على شومسكي وبورديو وطه عبد الرحمن وبوعلي ياسين ونايف بلوز والجابري الخ كلام متهافت ينتهي عند ما يسميه تفكيكا وليس وراءه ناتج ولا حصائل بل ذهب الى ما بعد التفكيك كأنه انتهى من مشروعه التفكيكي...

التفكيك ليس منهجا ولا مقاربة منهجية بل أداة تشتيت وتفتيت للنص ونبش فيه وهي أداة ومنهجية ومقاربة أدبية وتصلح أن تقترب من المنهج في الدراسات النقدية الأدبية دون غيرها..

أما بخصوص موقف الجابري المتعلق بالعرفان فلقد ذكرت وبينت ذلك حتى لا يكون موضوع مزايدة بل إن القول ببشرية الوحي عند أركون واضحة وصارخة فهي تكفي للتشكيك في تسنن وتشيع البعض ممن يؤيدونه فيها..

و ليس هذا مسوغا ومبررا لبخس عمل ضخم جدا وثمين وعميق وإيبستمولوجي..

الجابري مارس تحليلا على التراث بأدوات تناسب كل مرحلة من مراحل تشكلات التراث وتطوره وأهم المراحل كانت التكوين والبنية والسياسة (كظاهرة وتجليات وسلوك وترسب في اللا شعور السياسي على حد ريجيس دوبري) والأخلاق ..

إن كتاب الجابري حول الأخلاق جعله يمنح للمكون العرفاني والإشراقي مكانة بهوية مغايرة قليلا بديلة هي الأخلاق وهي قراءة تفوق بكثير اشتغال أركون بجزئية محدودة سحبها على كل التراث جعلت من تجربة مسكويه الأخلاقية نموذجا يسحب على كل التراث وهوالذي ينسب في جذوره الهوياتية (النسب) إلى الفضاء الشيعي شأنه شأن التوحيدي ..

هذا تبعيض خطير وفقدان للموضوعية والعلمية وأنا أتعجب من الذين يقولون بإعدام الايديولوجيا هذه الكذبة التي تورط في وحلها كل من يزعمون الحياد والتجرد (أنظر بول ريكور في موقفه وقبوله بجرعة من الايديولوجيا في الفلسفة والمعرفة لأنها ضرورية في نظره لكي تتحول الفلسفة والمعرفة الى كائنين بهما حياة والا كانتا تجريدا)..

إن الحيدري مرجع ديني أقحم نفسه في حقل لا يوجد أي مؤشر باهت يدل على تمرسه فيه وإحترافيته ولو عصاميا فهو واضح يجهل الفكر الغربي وأسسه ونظمه والأمر جلي جدا جدا...

فشتان بين الحيدري المرجع الديني وعلي حرب المثقف أو المفكر والكاتب في قضايا الفلسفة من موقع نزعة عدمية وعبثية وشبه تفكيكية بل في اخر كتابه زعم " ما بعد التفكيكية "..

رغم انه هاو تفكيك وكلامه ككلام محمد المزوغي الذي لا يرى نقدا سليما وعلميا إلا النقد المادي ولا عقل الا العقل الإلحادي ولا مذهبية إلا اليسار

و بذلك فقد عقله وانتصر لإلحاده وشيوعيته المتطرفة فكان نيتشه عنده حطاما لأنه في تقديره ليبرالي وفيللولوجي وليس فيلسوفا ..

و أصبح أركون عنده أصوليا وهو القائل ببشرية الوحي أو المكون البشري للوحي..

و انتهى عنده هشام جعيظ إلى سلفي كما انتهت النهضة التونسية عند جعيظ الى سلفية ..الخ -- والجنون فنون --

ينبغي أن نقرأ بوافر إطلاع متعدد وعميق للفكر الغربي وأسسه البانية ...

و للتراث العربي والإسلامي ومرتكزاته وتقاطعه مع الفكر الغربي في المنعطف اليوناني مع أصول الفكر الغربي ..

و أيضا بيقظة لما يسمى اليوم تنويرا أو أصالة أو قولا فلسفيا من أي موقع كان ..

و نتعرف على خصائصه الإيبستمولوجية ..

أما وسطوة النسق تغالبنا وتطرحنا أرضا فإننا سنواصل نتحدث عن الحداثة البريق والموضة والتجريد الفارغ مجتثا من أطره وسياقاته ..

أما الزعم بأن الجابري مارس على التراث نقد أيديولوجيا تبجيليا فهو موقف عندي قبلي ايديولوجي غارق في نزعة المغالبة وغائب عن عمق منجز الجابري كما هو غائب عن عمق منجز أركون كذلك..

بل هو غالبا محصلة قراءة مجتزئة ليست كاملة لأعمال الجابري ولأعمال أركون على حد سواء فيكون حوار الطرشان ..

من اطلع على أعمل الجابري كاملة وأعماله الرئيسة " التراث والحداثة " و" تكوين العقل العربي " و" بنية العقل العربي " و" العقل السياسي العربي " و" العقل الأخلاقي العربي " او لم يكتف بقراءات حول الجابري لا أظنه يغفل عمن هو الجابري وحقيقة وأهمية مشروعه إن كان مؤهلا للقراءة العالمة والنقادة ..

فأنا الان أباشر القراءة الثالثة لأعماله حتى لا أقوم بما قام به " أنقزو" التونسي الشاب المتحمس التأويلي...

والبعض من جيل جديد يقرأ الفهارس والتلخيصات ويكون نقده من المسموع والمرئي على النت من بعض المحاضرات مبعضا ومنقوصا ..

لو نواصل ننقل ما قيل في الجابري وأركون ونعتبر ذلك هو منجز كل من الجابري وأركون ما جاز لنا أن نقول أننا كنا نمارس الفلسفة وفعل التفلسف الحقيقي والنقد الفلسفي ..

و لغبنا نحن وقرأنا وحكمنا على المفكرين بالوكالة ...

كتب عزيز العظمة عن ابن تيمية كتابا مغايرا لما هو شائع وكتب جورج طرابيشي صاحب نزعة التحليل النفسي وهو ليس صاحب فلسفة نسق ولا تمدرسية ولا شذرية عن الجابري وكتب محمد يحي حول الجابري وهو باحث ومفكر معتدل وصاحب ثقافة اصولية منفتحة على السنة والشيعة ..

ولا قيمة لمن ذكرت وغيرهم ممن كتبوا حول الجابري وأركون ما لم نقرأ ونفحص بعمق مشروع الجابري وكتابات أركون ونصوصه ...

و مثلا لا حصرا إن عزيز العظمة ليس فيلسوفا مرموقا فهو مفكر وكاتب علماني شهير بأدلوجته العلمانية المتمسك بها فإذا غيبنا هذا المعطى في قراءتنا فاتنا الكثير من الفهم العميق للنص ورغم ذلك فعزيز العظمة قال ما لم يقله عن ابن تيمية من كلام منصف كثير من التراثيين والمتمذهبين والمقاصديين كما يحلو لبعضهم وصف نفسه..

أرجو أن يقرأ الناس ممن يملكون وافر الأدوات والعقل الممنهج والنضج والتواضع مباشرة نصوص من يرغبون في نقدهم او إنصافهم ولا يضعوا الثقة في غيرهم ليقرأوا لهم وبعد ذلك يكونون رأيهم العالم والمزود بترسانة من الأدوات والمنهجيات الدقيقة..

حيث يمكنهم بعد ذلك ان ينتخبوا من يؤيدونهم ويتقاطعون معهم أو من لا يؤيدونهم وقد تجد من يؤيدك صدفة لا منهجا ومقاربة ومسارا نقديا للمقروء..

 

حمزة بلحاج صالح

كاتب ومفكر جزائري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم