صحيفة المثقف

العراقيون مصابون.. بـ(الحول العقلي)!

قاسم حسين صالح(الحول العقلي) مصطلح جديد نحتناه في علم النفس العربي ليصف واقع الحال الذي عاشه ويعيشه العراقيون بعد 2003.. ونقصد به تحديدا، ان المصاب بهذا الحول يرى الايجابيات في جماعته ويغمض عينه عن سلبياتها، ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويغمض عينه عن ايجابياتها.. وكما يرى احول العين الواحد أثنين ولا يمكنك ان تقنعه انه واحد، كذلك احول العقل يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل، وان هذه الأخرى هي سبب الأزمات مع ان جماعته شريك فيها.

كنت تابعت الاحداث بعد 2003 فوجدت ان العقل السياسي العراقي منتج للأزمات وغير قادر على حل المشكلات، لأن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات.. ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره، وأنه مصاب بالدوغماتيةDogmatism التي تعني الجمود العقائدي او الانغلاق الفكري الذي يعدّ احد أهم وأخطر اسباب الأزمات السياسية والاجتماعية، و(مرض) خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

كان هذا الحول العقلي مقتصرا على الغالبية المطلقة من الحكّام الذين استلموا السلطة بعد 2003، لدرجة انهم كانوا(المعارضة) يرون ان العراق من حقهم فقط، والآخرون لا حق لهم فيه!.وبدءا من عام 2008 انتشرت عدوى هذا الحول لتصاب به كتل سياسية وفصائل مسلحة، كل واحدة ترى ان فكرها.. عقيدتها.. رؤيتها للأمور هي الصح والأخرى زندقة او ضلالة او غباء.. واشتد هذا الحول في 2019 ليوصل الجميع بأن الحكم للسيف لا للعقل.. فحصد السيف رقاب مئات الآلآف بينهم قادة قوم وشباب فكر وابرياء وصبايا واحداث.. وامهات وحبيبات مفجوعات.

وباستثناء ثلاث مكونات اجتماعية : المرجعية الدينية، والتقدميين الذين يمتلكون منظورا انسانيا، والمحبون للعراق وطنا للجميع، فأن غالبية العراقيين مصابون بالحول العقلي، اخطرهم اولئك الذين توزعوا على مسميات وعناوين وسلطات لا تخضع لسلطة الدولة، كل واحدة ترى انها هي الحق وهي الأصلح لحكم البلد مع انها كلها لا تصلح، لأن من يتحكم به الحول العقلي لا يستمع لنصائح علماء الدين المخلصين لدينهم ولا يأخذ بمشورة حكماء القوم، بل يتفاهم معك بالسيف ان خطّأت فكرته.

وشيوع الحول العقلي يؤدي بالسياسيين الى ان تتحكم بهم عقدة الشك المرضي بالآخر(البرنويا) وتفسير أفعال الآخرين على انها تآمر، فيما تؤدي بالناس الى التفتيش عن عيوب الاخر، فضائحه، قضم السمعة، التشهير.. واشاعة الهوس والهستيريا، والشعور بالكراهية الذي يؤدي سيكولوجيا الى الحقد وتفعيل دافع الانتقام، فيما يشيع عند آخرين موسيقى وأغان ومحبه فيختلط (الحابل بالنابل) في مشاهد لو رآها عاقل لوصفها بأنها أغرب مسرحيات ما بعد اللامعقول!

والحل.. هل لهذا الحول العقلي من علاج؟

لو كانت الأصابة به مقتصرة على جماعة محدودة لكان العلاج ممكنا، لكن ان يصيب ملايين الناس في مجتمع تتعدد فيه السلطات وتضعف فيه سلطة الدولة فان العلاج غير ممكن الآن، ما يعني ان العراقيين سيبقون يدفعون ثمن هذا الحول العقلي خيبات وفواجع الى ان تنجح القوى السليمة منه المجيء بحكومة تكون فيها السلطة للدولة فقط وليس لقادة سلطات مصابين بالحول العقلي.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم