صحيفة المثقف

الديمقراطية واشكالية تطبيقها في العراق

مفهوم الديمقراطية كغيره من المفاهيم دار حوله الجدل في محاولة تفسيره. أقدم تفسير للديمقراطية يعود الى الاثني (كليون) الذي قال أن الديمقراطية تعني حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب. وهذا التعريف في الحقيقية تعريف كلاسيكي عام لكنه وجد صداه وظل يعبر بطريقة وأخرى عن مفهوم الديمقراطية.

أما افلاطون فقد فسر الديمقراطية من منحى اقتصادي، على انها حكم الأغلبية، ويقصد بالاغلبية هم الفقراء لتكون الديمقراطية لدى افلاطون ضد الأوليغارشية من مجتمع رأس المال والطبقة الغنية التي تحكم.

اما (ألكسي ديتوكفل) فد فسر مفهوم الديمقراطية من منطلق فردي مع بقاء الاغلبية كقاعدة للحكم، بمعنى أن الفرد يبقى مستقلا عن المجتمع والدولة و الاغلبية تعتمد على البنى الفوقية في كل دولة، فالدول التي قطعت أشواطاً في الديمقراطية ستتمثل الاغلبية لديهم بالكيان السياسي الذي يحظى بثقة الناخب، على عكس البلدان ذات الديمقراطية الناشئة او المستوردة! إذ نجد على سبيل المثال أن الديمقراطية في العراق تعاني من عدة مشاكل كارتباطها بالجانب العقائدي والمذهبي وليس ارتباطها بمفاهيم سياسية ومنظمات ذات طابع مدني وهذا ما شكل خلافاً حول ماهية الاغلبية المشكلة وفقاً للديمقراطية في العراق.

الديمقراطية وفق تعريف (ديتوكفيل) لم تعد مجرد أداة للحكم بل هي ثقافة، ليصبح مفهوم الديمقراطية مفهوم لا يمكن تجزءته، لأن الديمقراطية لاترتبط بالنظام السياسي فحسب بل في البنية الاجتماعية للمجتمع وأن تحقيق الديمقراطية مرتبط بمدى ترسخ هذا المفهوم داخل المجتمع ومدى ادراكه و مقبوليته داخل الجماعة الاجتماعية قبل أن يتحول الى مبدأ سياسي.

في هذا الخصوص يوضح (فوكوياما) أن ترسيخ الديمقراطية يعتمد على أربعة مستويات متكاملة ومترابطة لا يمكن التنازل عن إحداها، المستوى الأول يقوم على الإيمان بفكرة الديمقراطية، فالديمقراطية لايمكن أن تصمد طويلاً مالم يؤمن الناس بها. والمستوى الثاني يقوم على ترسيخ الديمقراطية داخل المؤسسات والدساتير والقوانين والنظم الانتخابية. اما المستوى الثالث فهو أهمية وجود منظمات المجتمع المدني غير الحكومية والنقابات التي تقوم على تحقيق التفاعل بين المجتمع والحكومة. والمستوى الأخير والذي يعتبره (فوكوياما) أكثر المستويات تعقيداً هو المرتبط بالبنية العائلية والدينية والشعور الإثني والتقاليد التاريخية الخصوصية.

على أساس هذه المستويات التي ذكرها (فوكوياما) نجد أن الانتقال من المستوى الأول الى المستوى الرابع يأخذ بالتباطؤ تدريجياً ويصعب تحقيقه لأن تغيير المؤسسات أيسر من تغيير الثقافة السياسية للمجتمع.

واذا تحدثنا عن ظروف المجتمع العراقي ونظرته للديمقراطية سنجد أن الشعب العراقي خلال فترة ٢٠٠٣ ومابعدها لم يكن يبالي بنوع وطبيعة النظام السياسي بعد أن أنهكته الحروب التي قادها نظام البعث ليجد نفسه في حرب مع امريكا ومن ثم حرب طائفية استنزفت المجتمع العراقي بكل جوانبه لتنتج لنا عملية سياسية مشوهة قائمة على المحاصصة الطائفية.

لم يلتقط العراقيون أنفاسهم من الجري خلف نعوش أبنائهم فمسلسل الموت لم ينتهي عند حدود النظام المحاصصاتي بل وقعنا في حرب داعش التي دمرت البنى التحتية لبعض المحافظات الغربية والشمالية وهُجرت عوائل بكاملها وقُتلت أخرى لذلك لم يكن للعراقي متنفس أو متسع من الوقت ليفكر بطبيعة العملية السياسية التي تدير دفة الواقع العراقي.

في حقيقة الأمر لم يحكم عراق مابعد صدام بديمقراطية حقيقية على الاطلاق كما كان متأملاً وخصوصاً أن المعارضة السياسية التي تسلمت مقاليد الحكم في عراق مابعد ٢٠٠٣ هي جماعات لا تؤمن بالديمقراطية وإن إدعت ذلك، لأنها جماعات اسلامية تعتقد أن الديمقراطية التي تراد للعراق هي ديمقراطية على الطريقة الغربية فأخذوا يصدرون أنفسهم كمقاتلين للاحتلال ومعارضين للغرب الليبرالي.

خلال الستة عشر عاماً الماضية لم يتعامل القادة على أنهم قادة سياسيين يسعون لبناء دولة بقدر ماتعاملوا على أساس أنهم قادة دينيين ومذهبيين، وبتتبع بسيط لتصريحات أغلب القادة السياسيين ستجد أن حديثهم عن الديمقراطية مجتزئ ومقتصر على العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع، حتى وإن كانت العملية الانتخابية في العراق تشوبها العديد من الشبهات التي تتعارض مع المبدأ الديمقراطي، مثلا قانون الانتخاب المفصل على مقاييس الكتل السياسية بما يضمن مصالحها، كذلك لاننسى قانون الاحزاب غير المفعل لنكون أمام عملية انتخابية لاتمت للاسس الديمقراطية بصلة، وهذا يعني إننا امام نظام محاصصاتي لايؤمن بالديمقراطية كاسلوب في الحكم والحياة.

ماحدث في ١ تشرين من انتفاضة شبابية عارمة تطالب بنظام انتخابي عادل وانتخابات مبكرة بإشراف أممي وحكومة مستقلة، هذه الحركة الاحتجاجية المطالبة بالحقوق والساعية الى تصحيح مسار العملية السياسية في العراق بما يحقق الديمقراطية فعلاً ستكون الشرارة الأولى في تاريخ العراق المعاصر لولادة وعي ديمقراطي حقيقي يشكل أغلبية سياسية ناتجة عن البنى الفوقية الواعية للمجتمع كما أراد لها (ديتوكفيل)، لكن كما قال (فوكوياما) أن عملية ترسيخ الديمقراطية عملية طويلة الأمد وبطيئة تحتاج الى تراكم زمني يمكن أن ينتج في النهاية نظاماً ديمقراطياً سياسياً واجتماعياً قابلاً للتحقيق.

 

هيام علي المرهج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم