صحيفة المثقف

صفعة القرن فى البيت الابيض

ناجي احمد الصديقلا أخال ان الكتاب العرب قد تركوا جنبا تنام عليه صفقة القرن بعد منذ اعلانها والى الان، ولا اخالهم سيتركون لها جنبا تنام عليه  من الان والى يوم الغاءها، ومع ذلك لا نظن ان الكلمات ستنتهى والحبر  سينفد بالكتابة حول هذه الصفقة، فالصورة القادمة من البيت الأبيض عند اعلانها لن تترك للعرب خيارا اخر غير المقاومة المستمرة باستمرار حياتها ...

حول حواف  الصورة القادمة من البيت الابيض فى ليلة اعلان صفقة القرن والتى يظهر داخل إطارها الموشى رجلي الساعة دونالد ترامب وبنيامين ناتنياهو .. بسيماءهم وخيلائهم فى قمة النشوة يكيلان لبعضهما المديح ويخططان أمام سمع كل العالم وبصره حياة فلسطين ومعاشها ويحددان تضاريسها وسهولها وجبالها ويرسمان سياستها وأمنها ويضعان دستورها وقانونها ويقسمان معا ثرواتها ويضعان أخيرا داخل جيوب مواطنيها رشوة القرن ويسميانها رفاهية ابدية لا نصب بعدها ولا تعب.

حول حواف إطار تلك الصورة البهية  البسة وأربطة وأقنعة، وضحكات وبسمات

وحول حواف ذلك الاطارومن داخل تلك الصورة.. نقول

على العرب الذين لم يشعروا بالخزي مراجعة انتماءهم، وعلى المسلمين الذين لم يحسوا بالذل مراجعة عقيدتهم وعلى الناس كل الناس الذين لم يرو فى صفقة القرن إلا خزى للعرب وذلة للمسلمين ان يراجعوا إنسانيتهم، ولاننا لم نقرأ فى التاريخ شعبا يقاد كما تقاد النعاج ودولة تباع كما تباع السائمة ووطنا  يطرح للبيع على رؤوس الأشهاد فإننا نسترجع صورة دونالد ترامب وبنيامين ناتنياهو من داخل البيت الابيض  لان الصورة كانت ذاهية ولان اطارها كان جذابا ولان اللقطة فى مجملها ملهمة للافكار وثيرة للعولطف، وان العرب الذين تسلموا أمانة القضية كانو اكثر زهوا واشد بهاءا ونضارا لأنهم ساوموا على ارض فلسطين بكل تاريخها المرير من الشهداء  والجرحى واللاجئين والنازحين والمشردين و لانهم شهود عيان على ملهاة مأساة، عكف عليها تأليفها جاريد كوشنر واخرجها دونالد ترامب ونفذها على الهواء مباشرة بنيامين ناتنياهو .. وكلهم لا يساوى امام القضية الفلسطينية الا صفرا كبيرا على الشمال وليس على اليمين ... اى خزي اصاب العرب واى مهانة تجرعها الفلسطينيون واى مذلة لحقت بالقضية الفلسطينية   .

ما الذى رأه شيخ الاذهر فى تلك الصورة وحول ذلك الاطار ليقول على الملأ انه شعر بالخزى حينما سمع احد بطلي الصورة يخطط لمستقبل فلسطين ؟و بماذا شعر قيس سعيد حينما اعلن ان القدس الفلسطينية ليست سلعة تباع وتشترى ؟ وماذا احس وزراء الخارجية العرب -على اجتماع وليس على افتراق- فقرروا رفض الصفقة؟ ثم ماذا رأى من وافق على الصفقة ورضى بان تكون فلسطين دويلة مهيضة الجناح مقطعة الأوصال  منزوعة الانياب لا ترى الا بالمجهر .؟

كانت الصورة واحدة وكان إطارها موحدا، ولكن تفاوتت الظروف وتباينت الرؤى فبعضهم رأها فرصة لإنهاء صداع فلسطين المتطاول، وبعضهم عدها ألة للتقرب من مركز العالم فى البيت الابيض، وبعضهم  وجدها سانحة لسداد الثمن لأنه يعلم ان دونالد ترامب ليس مصلحا يعطى بلا ثمن

مهما كان بهاء الصورة ومهما بلغ جمال الاطار ومهما علت أناقة الإبطال فيها الا أنها لا تساوى عند احرار العالم أكثر من غفلة صانعيها وخطل مخرجيها ومهانة مؤيديها، ولن يكون دونالد ترامب وبنيامين ناتنياهو من الذين يحددون للعرب موقع فلسطين  وعاصمة فلسطين ومقدسات فلسطين ولن يكون البيت الأبيض مكانا تعلن فيها حل القضية الفلسطينية ولن يكون للذين أيدوا صفقة القرن  شرف الدفاع عن فلسطين وأراضى فلسطين وعاصمة فلسطين ومقدسات فلسطين .

بطلى الصورة الزاهية ومن حولها إطارها الموشى هم من الذين تطالبهم يد العدالة ودولة القانون ... هم من الذين يحاكمون فى بلدانه بتهم يستحى منها الصبى بين اقرانه دعك من الحاكم أمام  الساسة وفى ذمة التاريخ ... وسخرية القدر هى التى تحاصرنا ونحن نرى بطلى الصورة يتبادلان الإعجاب بينما دوائر العدالة فى بلديهما تتبادل فيهما الاتهامات .. وسخرية القدر تجعلنا ننصت فى هيبة وخشوع لابطال يوصفون بالمتهمين فى بلدانهم وسخرية القدر تجعل من دونالد ترامب الذى سخر السياسة لمصلحته الشخصية وبنيامين ناتنياهو الذى خان الامانة وقبل الرشوة يتبادلان الضحكات ويتقاسمان الابتسامات وهم ينشئون فلسطين ارضا وشعبا وسياسة وامنا ويشترون بثمن بخس ارض القدس اولى القبلتين والمسجد الاقصى ثالث الحرمين وبعض العرب يباركون حامدون شاكرون

الاطار موشى والصورة ذاهية ولكننا لا نرى فيها الا خزى للعرب وخذلان للعالم فالذين حرصوا على رونق الاطار وبهاء الصورة كانوا اقل حرصا على عزة العرب وأكثر قسوة على شعب فلسطين والذين صاغوا صفقة القرن تشابهت عليهم الحروف بين صفقة وصفعة ولكن التأثير كان واحدا فتأثير الصفقة على فلسطين هو نفس تأثير الصفعة عليهم  وبيع الاراضى علنا فى سوق البيت الابيض هو نفسه بيع القضية فى سوق النخاسة بغير ثمن

لن تنتظر الشعوب العربية فى لحظتها هذه غير كلمة (لا) داوية تصم الآذان وقوية تدمى الابدان.. ولاتريد الشعوب العربية فى يومها هذا غير الانتفاض.. بكل معانيه وبجميع إشكاله. وبمختلف أنواعه .. تريد انتفاضا على اتفاقيات الذل والضعة فى اوسلو ومدريد .. تريد انتفاضا على التعاون الامنى والتعاون السياسى مع اسرائيل.. تريد انتفاضا على الولايات المتحدة الأمريكية قولا واحدا لانها جرعت العرب المهانة وسقتهم الذل .. تريد انتفاضا على ناتنياهو فهو وحده من يتحمل وزر الصفقة..ووزر القدس ووزر الموت الذى سامه العرب فى فلسطين،  نريد انتفاضا شاملا فى الضفة وغزة ... نريد كلمة واحدة وقولا فصلا لكى ليعلم من كانوا فى داخل الصورة و فى صحن البيت الأبيض ان القدس ليست للبيع وان فلسطين ليست للمتاجرة وأن الدم العربى المهراق منذ عام 48 ما يزال حارا وملتهبا وان المقاومة بكل أنواعها هى طريق العرب الوحيد لتحرير فلسطين

لن يغنى جمال الاطار عن سوء الفكرة وسوء الرعاية وسوء الاخراح .. ولن يغنى بهاء الصورة عن رفع العقيرة باقصى ما تستطيع من صوت بكلمة (لا) فهى وحدها التى تلقم بطليها حجرا يقف فى حلوقهم الى يوم يبعثون

 

ناجى احمد الصديق – المحامى / السودان

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم