صحيفة المثقف

سلطة الرمز الديني في اللاوعي الجمعي العراقي (2-2): مقتدى الصدر انموذجا

قاسم حسين صالحتناولنا في الحلقة الأولى مفهمومي (الرمز) و(اللاوعي الجمعي) وختمناها بتساؤل ما اذا كانت هذه الصفات السيكولوجية وتأثيراتها في السلطة والحراك الجماهيري السياسي تنطبق على السيد مقتدى الصدر في تحليل سيكولوجي لشخصيته ملتزمين بمنهجية اختصاصنا في علم نفس الشخصية وخبرتنا في تحليل شخصيات عالمية (باراك أوباما وترامب اللذين توقعنا، بخلاف المحللين السياسيين، فوزهما..وقد نشر غوغل تحليلنا لشخصية ترمب مصحوبة بصورة شخصية لنا تتوسط اربع صور لترمب..فضلا عن شخصيتي السيدين حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، ومؤشرات سيكولوجية اولية عن شخصية السيد محمد توفيق علاوي.

نقول هذا لأن بين من يعنيهم الأمر قد يعتبرون تحليلنا العلمي هذا (حجي جرايد).

تـقديـم

يرث مقتدى (1974) عن عائلته اعتبارين : ديني كونه من ابرز العوائل الدينية الشيعية في العراق، ورسمي يرثه من جده محمد حسن الصدر الذي كان رئيسا للوزراء عام 1948 وعضوا ورئيسا لمجلس الأعيان زمن النظام الملكي.

هذان الأعتباران يمنحانه هالتين : دينية على صعيد طائفة الشيعة، وسياسية على صعيد الدوله. ومقتدى هو نجل السيد محمد محمد صادق الصدر أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس الأسبق صدام حسين الذي قتله، ومنها يرث هالة الجهاد التي جسّدها عمليا في الانتفاضة الشعبانية (1999)، وقيادته المقاومة ضد القوات الأمريكية في (2003) التي وضعته على رأس المطلوبين..وصولا الى تأسيسه (سرايا السلام)عام 2014.

وفي الجانب الديني التحق الشاب مقتدى بالحوزة العلمية في النجف عام( 1988 ) وحصل على درجة (حجّة السلام)، ويدرس حاليا في قم للحصول على درجة المجتهد التي تخوله أن يكون مرجعا دينيا وهو ما يزال في السادسة والأربعين من عمره في مسعى لأن يكون خليفة للسيد علي السيستاني.

ان رجلا بهذه المواصفات التي ينفرد بها عن كل السياسيين الذين تولوا الحكم بعد( 2003) قادته سيكولوجيا الى ما نصطلح على تسميه بـ(تضخّم الأنا)..فلنتوقف عنده، ولكن بعد ان نتعرف على آراء عينة من العراقيين.

استطلاع راي

مع أن عينة المستجيبين ليست ممثلة للمجتمع الا انها تقدّم مؤشرات سيكولوجية عن شخصية السيد مقتدى الصدر، حيث توجهنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الألكتروني بهذا الطلب:

(استطلاع لدراسة علمية : حدد، بموضوعية بعيده عن تحيز مع او ضد، اخطر صفتين سلبيتين، وافضل صفتين ايجابيتين في شخصية السيد مقتدى الصدر.)

شملت عينة الاستطلاع (367) مستجيبا بينهم اكاديميون ومثقفون ومن كلا الجنسين، وفيما ياتي أهم النتائج:

الصفات الايجابية:

وتحدد اهمها في الآتي:

- انتسابه لعائلة كريمة

- قدم نفسه قائدا لطبقة الفقراء والمهمشين

- قائد اكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد

- طيب القلب ولكن من السهل ( توظيفه نحو الشر)

- شجاع وذكي

- احدث توازنا مقابل الاحزاب الشيعية الاخرى، وهو اطهر من قادتها

- قائد بالفطرة، ولديه كارزما القيادة

- له حنكة سياسية، ويمتلك قابلية تحريك الشارع بسهولة ما يجعله عنصرا فعالا في اي معادلة تطرح على الساحة العراقية سياسيا واجتماعيا

- يحظى بمقبولية اغلب دول المنطقة، ما يجعله عنصرا مؤثرا في الخارطة السياسية

- واضح، لا يعمل بنظام الغرف المظلمة، صريح في كلامه ولديه قدرة تلقائية لكسب مشاعر الناس.

- يتمتع بخاصية عجيبة هي التنقل بين كل الاحزاب والكتل وفرض سلطته.

- ملتزم دينيا (متناقض سياسيا)

الصفات السلبية:

وتحدد أهمها في الآتي:

- متناقض، متذبذب، متعدد الأهواء وكثير التقلبات.

- قراراته سريعه، ولا يركن الى قرار.

- يعيش حالة جنون العظمة.

- ايمانه بسلالة رجال الدين وقدسيتهم جعلته قائدا، الا انه لا يمتلك سمات القائد الرشيد

- فقر فكري، غير منفتح، محدود الأفق، ليست لديه خبرة سياسية، ولا تتوفر فيه شروط القيادة، ولا يعرف ماذا يريد

- شخصية مأزومة، راديكالي ديني متطرف

- وصولي نفعي

- صار في الاحداث الاخيرة بالوجه مرايه وبالكفا سلايه

- تابع لكبار، وانتماؤه ومرجعيته الى ايران

- استعماله منهج العنف ولا يهتم لقتل البسطاء

- تناقضه جعله يخسر مشاعر كثيرين من بينهم اصحابه

- ادرك العراقيون انه اذا استمر في تغريداته فانهم سيكونون من رواد وادي السلام

- لا توجد لديه رؤيا مستقبلية واضحة المعالم وليست لديه استراتيجية

- شخصيته مثل الساعة الصينية التي دوخت انشتاين، فارغه وعطلانه ومن تريد تصلحها ما تعرف من وين تبدي.

مقتدى..وعقدة تضخّم الأنا.

قدمت لنا نتائج الأستطلاع مؤشرات عن مقتدى الصدر، ومع اختلافها وتناقضها الحاد فأننا نخرج بنتيجة نتفق عليها جميعا هي انه (شخصية جدلية.. وبتطرّف). فلندخل عالم هذه الشخصية.

لدينا مفهومان متشابهان في علم النفس والطب النفسي هما " تضخّم الأنا " و " قوة ألانا " ينبغي التفريق بينهما، اذ تعذ الثانية حالة صحية نابعة من الثقة بالنفس والتقدير الموضوعي الواقعي لقدرات وقابليات صاحبها، والمعبّرة عن الاعتزاز الإيجابي بالنفس واحترام الذات، فيما يعدّ " تضخّم الأنا " حالة عصابية " مرضيه " لها أسباب متعددة أهمها تراكم الشعور بالاضطهاد والحيف.

وتفيد الدراسات بأن شخصية " الأنا المتضخم " تجمع صفات في " توليفة " من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية. فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب..أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء، ويسعى صاحبها الى ان يكون بطلا بعيون جماعته من خلال التظاهر بامتلاكه قدرات فريدة.

ويأخذ صاحب " الأنا المتضخّم" من الشخصية التسلطية، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها ومزاجها الصارم (قليلا ما يجامل ويبتسم)، وتصنيفها الناس بثنائيات في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء، أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي، وتصرفها بالتعالي نحو من يعتبرهم اندادا، فيما تأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية، اوبطرح نفسه كما لو كان الأنسكلوبيدي العارف بكل شيء.

ان الكثير من هذه المواصفات بنوعيها تنطبق على شخصية السيد مقتدى الصدر، وتؤكد لنا بان (الأنا) لديه متضخّم لخمسة عوامل اساسية :

- الهالات الثلاث التي حددناها في اعلاه.

- الجماهير الشعبية التي منحته (القدسية) لدرجة ان عددا منهم يقّبلون سيارته حين يسير في الشارع للتبرك به.

- اقتحامه المنطقة الخضراء الشديدة التحصين في (20 ايار / مايس 2016 ) برغم تصدي قوات الأمن وأطلاقها الرصاص الحي ووصول انصاره الى مكتب رئيس الوزراء، وهروب معظم قيادات احزاب الاسلام السياسي، ورفعه شعار (شلع قلع) الذي عزف به على اوتار ملايين الفقراء الذين اذلتهم وافقرتهم حكومات بهويات شيعية..ونجاحه في ايصالهم الى منحه صفة (القائد).. وتوليد اليقين لديهم بأنه (المنقذ المخلّص).

- فرض سلطته على سلطات الدولة والأيحاء للناس بأنه هو الأقوى.

- اشتراك الحزب الشيوعي معه في كتلة سائرون، ما يعني ان القوى التقدمية في العراق التي تختلف معه ايديولجيا وعقائديا..تطلب ودّه ايضا.

ختاما:

ان ظاهرة السيد مقتدى الصدر نلخصها، سيكولوجيا، بأنه (يختزل الوطن والناس في شخصه)..فكل شيء، جماعة، حالة، موقف..تعزز (اناه المتضخم) فانه يحتويها ويتبناها ويجعلها تتباهى به، وكل من يخدش (أناه) فانه يزدريه، يحقّره، يذلّه..فأن تمادى استخدم معه القوة المصحوبة بالعنف. ولأن المعيار لدى هذه الشخصية هو (الأنا) فان صاحبها يكون (زئبقيا)..يتحول بسهولة من الضد الى ضده النوعي..في المواقف السياسية والجماهيرية بشكل خاص.

ومع ذلك فان السيد مقتدى الصدر اكتسب (سلطة الرمز الديني في اللاوعي الجمعي العراقي- الجماهير الشعبية الشيعية تحديدا) بالمفهوم الذي تناولناه في الحلقة الأولى من هذه الدراسة، ولسبب آخر علمي هو غياب قوة وطنية او تقدمية او قومية تنافسه، فوجدت هذه الجماهير المسحوقة في شخصيته انه وطني محب للعراق، وأنه (المخلّص) لأنه (منهم وبيهم)..على صعيد الجماهير الشيعية المسحوقة، وصعيد سلطة أحزاب الأسلام السياسي الشيعي التي خذلتهم وخدعتهم واستفردت بالسلطة والثروة، وأنه قد يفاجأ العراقيين يوما باقتحام الخضراء ثانية ليصبح بطل التغيير والثورة.

اخيرا .

ان هذه الدراسة يعوزها اهم شرط علمي، هو تطبيق اختبارات في علم نفس الشخصية، واجراء مقابلة بحوار مفتوح واسئلة مغلقة على السيد مقتدى الصدر، وانا حاضر لمقابلته (علميا) ان ضمن لي سلامتي من انصاره. 

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

6 شباط 2020

*

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم