صحيفة المثقف

لص المؤسسة

ناجي ظاهرفتحت الموظفة الشابة الجميلة باب غرفة مدير المؤسسة. توجهت الى صديقي المدير، قائلة، ان المؤسسة بحاجة لأوراق طباعة. قال لها المدير انه احضر الاوراق الكافية لمدة شهر كامل، كما درجت العادة، وانه لا يعقل ان تنفذ تلك الكمية خلال ثلاثة ايام فقط، وطلب منها ان تتفحص امر الاوراق جيدا. خرجت الموظفة تاركة ايانا.. المدير وانا الشاب الكاتب المتطوع للعمل في المؤسسة منذ ايام.

قال المدير.. اذا اختفت اوراق الطباعة..، ستكون هذه المرة الاولى التي تُسرق فيها.

 بينما هو يقول وانا استمع عادت الموظفة، لتؤكد للمدير انها بحثت عن الاوراق في كل الاماكن المحتمل وجودها فيها الا انها لم تعثر عليها. ارسل المدير نحوي نظرة غامضة كأنما هو يود ان يسالني عمن يكون السارق؟ تحرّكت في مقعدي مثلما يفعل المتهم في العادة. فعاد المدير يسالني عمن يكون السارق يا ترى؟ وعندما لاحظ انني اغرق في بحر من الصمت والتساؤل.. عاد يقول: علينا ان نبحث عن الدافع لسرقة الاوراق.. عندها نقترب من القاء القبض على اللص المجهول.

مضت الدقائق ثقيلة بطيئة كأنما هي لا تمضي.. ولا تتقدم، لأجد صديقي المدير يوجه الى سؤالا آخر ملغومًا عما اذا كانت امور كتابة القصص ماشية على ما يرام معي. فأجبته وانا اكاد اغرق في بحر من الهم والغم المفاجئ: اعتقد ان اموري على ما يرام. غير ان اموري هذه.. لم تكن لا على ما يرام ولا بخير.. على اية حال، الامر الذي دفعني للخروج من غرفة المدير المُكهربة، واتوجه الى غرفتي غير لاوٍ على شيء.

دخلت صبيحة اليوم التالي الى غرفة مدير المؤسسة، لشرب القهوة معه كعادتي خلال ايام تطوعي القليلة الماضية، لأتفاجأ مرة اخرى بالموظفة ذاتها تطرق باب غرفة المدير وتخبره ان المؤسسة بحاجة الى اقلام، وقف المدير واضعا يده على اذنه كمن يريد ان يسمع جيدا وسال الموظفة الشابة الجميلة امامه:- شو قلت؟ سمعيني؟

ارتعدت فرائص الموظفة وهي تقول له، سأقوم بتفحص الامر فورا لا تقلق، وانصرفت. ارسل المدير نحوي نظرة اكثر غموضا من تلك التي ارسلها نحوي في صبيحة اليوم السابق، وراح يتدفق كلاما وغضبا، بإمكاني ان الخصه في الكلمات التالية، ان حياتنا باتت صعبة، وان الواحد منا لم يعد يؤمّن لاحد، مشيرا الى ان هناك في فترتنا الجارية  لصوصا محترفين يمكنهم سرقة المولود الجديد من تحت امه. عندما لاحظ المدير انني لا اشاركه الحديث، توجه الي متسائلا عمن يكون هذا السارق؟ وواصل نظرته الشرلوك هولمزية نحوي، وهو يقول اذا عرفنا مَن المستفيد من سرقة الاوراق والاقلام، سنعرف السارق. صرف المدير نظره عني لحظة ربما ليرى ماذا سأقول وبماذا سأعقب على ما قاله، دعاني لمواصلة شرب القهوة فتناولت الفنجان من على المنضدة امامي ورفعته الى فمي مدنيا اياه من شفتي، لأتفاجأ بالمدير يباغتني بسؤاله العجيب المُريب، عن كيفية سير عملي في كتابة القصص، فلم ارد عليه هذه المرة غضبا واحتجاجا ورفضا لأي تفكير سلبي نحوي.. من طرفه.

خرجت من مكتب المدير وتوجهت الى غرفتي وانا افكر في تلك المصيبة التي حبكت اطرافها ونسجتها حولي بدقة عنكبوت، فمن ناحية العاملين في المؤسسة لم يكن يعمل فيها سوى المدير وتلك الموظفة، وولد ساذج لا يكش ولا ينش، يطيل الجلوس في مدخل مكتب المؤسسة ليرحب بزائرين لا يترددون عليها الا عن طريق المصادفة، ومن ناحية الدافع للسرقة كما لف المدير ودار، وحاول ان يوحي، فإنني الوحيد الذي يوجد لديه دافع لامتلاك الاوراق وبعدها الاقلام، وربما الكتب.. غدا، ومن ناحية التطوّع للعمل في المؤسسة فقد انقلب الجميلُ قبيحا، وبدلا من ان يُفهم في مثل حالتي، على انه حب للعطاء، سيُفسر والحالةُ هذه انه حب في الدخول الفأري للعثور على المأوى، الغذاء والملبس، ويمكن تفسير هذا الامر ببساطة، مع تغيير طفيف في الكلمات، فبدلا الملبس بإمكاننا ان نضع الاوراق والاقلام بالنسبة لكاتب قصص مجنون بالكتابة والتعبير مثلي.

ضربت بالقلم على الطاولة قبالتي: "شو هالمصيبة اللي نزلت عليّ". قلت هذا وانا اعرف ان موضوع سرقة اوراق المؤسسة واقلامها.. وربما كتبها في الغد، قد تزامن مع وفودي للتطوع فيها... وما تسبب لي بالمزيد من الضيق، وضرب القلم على الطاولة الحائرة امامي، كانت كلمات مدير المؤسسة وتلميحاته لي... "ما دامت التهمة راكبة يدا وقدما على ظهري ماذا بإمكاني ان افعل؟"، سألت نفسي، ولم اجد الجواب المناسب.

في ليلة اليوم الثالث لم انم، وبقيت مُفتحًا عيني حتى ساعات الصباح الباكرة، في الساعة الثامنة توجهت الى مكتب المؤسسة وقد انتويت امرا، اعتقدت انه سينهي قصة/ التهمة الباطلة، وقلت لنفسي حتى لو اسقطني ما انتويته من عيني مدير المؤسسة وموظفته الشابة الجميلة ومجتمعه كله، بل حتى لو ادخلني السجن واوقعني، انا كاتب القصص المحترم، في سين جيم اهل بلدتي وصحفييها، فإنني لا مفر لي من ان انفذ ما انتويت تنفيذه.. وواسيت نفسي قائلا: "ومالُه ستكون تجربة طريفة.. وربما قصة جديدة اكتبها فتلفت الانظار الي".

مضيت في الشارع المؤدي الى المؤسسة. طرقت باب غرفة المدير فأذن لي بالدخول. فتحت بابها، لأدخل الغرفة، ولأنفذ ما انتويت تنفيذه. هتفت بالمدير بقوة من احتبس غضبا وحنقا قاتلين في داخله:

- انا من سرق الاقلام والاوراق.. وانا من سيسرق اليوم الكتب.

ما ان تفوهت بهذه الكلمات، حتى انفجر المدير بالضحك، الامر الذي اتى بتلك الموظفة الشابة الجميلة، فدخلت الغرفة لتستطلع ما يحدث، وعندما شاهدت المدير يغرق في بحر من الضحك المتواصل ولا يمكنه التوقف، شرعت هي الاخرى في الضحك..، الامر الذي نقل عدوى الضحك المستشري في غرفة المدير الي، فانفجرت في الضحك مشاركا ودامعا.

بعدها عادت الامور الى عهدها الهادئ السابق، ليخبرني المدير انه كان يتوقع ذلك الاعتراف مني، وليشرح لي ما حدث بالضبط، فهو حينما سألني عن الدافع للسرقة، كان يحاول ان يستعين بمخيلتي ككاتب قصص في العثور على اللص، واشار الى كاميرا علّقها في شتى انحاء المؤسسة وهو يقول لي: لا تقلق.. لقد القت هذه( واشار الى الكامير)، القبض على لص المؤسسة.

***

قصة: ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم