صحيفة المثقف

الرهينة

فتحي مهذبحجرة دون نوافذ أو قل كهف قروسطي صغير تخيم على أرجائه دكنة غامقة حيث تنسج العناكب بيوتا معلقة  في الهواء وتنصب الكمائن لضروب من الحشرات التي تخبط خبط عشواء لسد الرمق وإسكات نواقيس الجوع المزعجة. الخفافيش تتظاهر بشراسة داخل الكهف جيئة وذهابا ولوطوطاتها إيقاع جواني ملغز ومحير .

سحليات قميئة تعقد صفقات مع الأرواح الشريرة.

تزحف بأليغورية مترامية الأسرار حول سرير (ع) الخشبي المكتظ برائحة الإحتضار.

(ع) يصارع الموت منذ أشهر .

ولكن لم يستطع الموت إعتقاله كرهينة أبدية. تخلص منه ذوو قرباه بوضعه في هذا السجن الشبيه بحكايات ألف ليلة وليلة.

وبخاصة لما لفظته المستشفيات مثل خرقة بالية غير صالحة للإستعمال.

جسد متعفن يصدر رائحة مقرفة.

تعلو معظمه طبقة من القيح والدم المتخثر. هيكل عظمي يرابط في هذا الحيز المعتم.

إنتحرت الملائكة في مكان آمن.  في غابة تحولت أشجارها إلى تماثيل نساء مترنمات بأناشيد كنسية خافتة.

إستفحل مرضه وتفتحت أكمام النوستالجيا وغزته كائنات غريبة من الماضي السحيق.

تذكر في البداءة القحبة التي قضمت ذكره وكادت تقطعه نصفين إثر خلاف نشب بينهما في بيت الإستحمام.

لأنه إكتشف حقيقة مرة أربكته طويلا.

كانت تحمل عضوا ذكريا متهدلا وخصية يتيمة.

يومها صفعها بقضيب حديدي على نهديها الهجينين حد الموت وحرض كلبه الشهواني بأن يعضها من مؤخرتها. ثم ركلها بكعب حذائه الجلدي.

المهم لم يتخلص من كوابيس هذا المشهد العبثي الذي عشش في جزيرة لاوعيه المهجورة.

وغالبا ما يطفو على السطح كلما إستفرد به المرض فاتحا باب ذكرياته على مصراعيه .

كان يعتقد أن الجنس البشري قد لقي حتفه إثر حرب عالمية ثالثة وأنه هو الناجي الوحيد من الهولوكست. والميت الذي لم يزل على قيد الحياة.

 

فتحي مهذب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم