صحيفة المثقف

محنة راكبي أميرة ألماس

محمد الدعميلا يوجد فرد المجتمع الأميركي لا يعرف معنى لفظ Cruises، أي رحلات الطواف والتجوال البحري الطويلة، التي لا يحظى بها سوى الأثرياء، أما الفقراء ومتوسطو الحال فيقضون سني حياتهم يثابرون ويناضلون؛ ليل نهار ليرتقوا إلى طبقة هؤلاء القادرين على “تجربة أرستقراطية” من هذا النوع، إذ يحظى المسافرون بغرف فندقية مريحة جدا، إضافة لكل ما يتمناه السائح الأميركي من مسابح وقاعات ألعاب لعب قمار، وعروض فنية ومسابح على ظهور هذا النوع من البواخر الفاخرة والتي توصف بأنها مدن ملاهٍ كاملة عائمة على سطوح البحار والمحيطات، بمعنى توفر كل ما يحتاج إليه السائح، مثل فروع البنوك وجود فروه بنوك ودوائر بريد على ظهر هذا النوع من البواخر.

المحسودون من الأغنياء، وهم وحدهم القادرون على ركوب البحر بهذه الطريقة المريحة والفاخرة قد يقعون ضحايا “الأعين الشريرة” من سواد الناس الذين يبقون يحلمون بمثل هذه الرحلات حتى يحققوا هذا الحلم أو يموتوا دونما بلوغ الحلم.

ولكن بالرغم من أن هذا النوع من الرحلات السياحية الطائفة عبر بحار العالم بقيت من حصة الأغنياء فقط، إلا أن الفقراء متوسطي الدخول “يتشفون” هذه الأيام بهوؤلاء الأغنياء، نظرا للإخفاقات وللمصائب التي اصابتهم أثناء هذه الرحلات الفاخرة، وهذا بالضبط ما حدث للمنكوبين بمحنة “أميرة الماس” Diamond Princes (وهو إسم الباخرة) الراسية بميناء “يوكوهاما” في اليابان منذ أكثر من عشرة أيام، نظرا لأنهم وجدوا أنفسهم في منفى أو سجن لامخرج منه على حين غرة، سوية مع سجّانهم الذي لا يرحم، وهو “فايروس كورونا”، الذي اصاب بعدد منهم وفي طريقه للفتك بهم، بينما ينتظر الباقون “إستضافته” في دواخل أحشائهم. هذه “محنة” بكل ما تنطوي عليه اللفظة من معنى: فبدلا من أن يكونوا من القلة المحسودة والمتميزة، غدوا من القلة المنبوذة التي لا يتمناها رؤيتها أو مصافحتها أحد حتى الأعداء، هم حبيسو غرفهم في الباخرة، زائد كماماتهم التي لا يجرأوا على رفعها حتى للكلام! وهكذا إنقلب المركب على الربان.

والحق، فإن النعمة يمكن أن تنقلب إلى نقمة، كما تعبر عنها الحادثة أعلاه، وكما حدثت حالات مشابهة، مثل الرحلة المحيطية الطائفة الأخرى قبل بضعة أشهر، إذ فاضت مجاري المياه الثقيلة فيها، فبقي السياح الأغنياء غير قادرين على الذهاب للمراحيض لعدة أيام، ما اضطرهم لقضاء حاجاتهم داخل غرفهم، في البداية، ثم في أكياس بلاستيك يمكن أن ترمى في مياه المحيط، فيما بعد. وهكذا، ترى المحسودين حائرين في أداء أبسط حاجات الإنسان، درجة أن بعض نساء “المجتمع المخملي” أعلاه رحن يمتنعن عن الأكل والشرب على سبيل إقلال من الحاجة للذهاب إلى الحمام. وهكذا، جرّب الأغنياء معاناة الفقراء عنوة بفضل عدالة السماء!

 

أ. د. محمد الدعمي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم