صحيفة المثقف

آلات الفناء: اعترافات مخطط أمريكي للحرب النووية

1357 آلات الفناءتأليف: دانيل إلزبرگ مساعد وزير الدفاع الامريكي السابق

ترجمة وتقديم: الدكتور محمد جياد الازرقي، الاستاذ المتمرس في كلية ماونت هوليوك، ماسچيوستس – الولايات المتحدة الامريكية

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت

www.aspbooks.com

519 صفحة من القطع المتوسط

عرض: ا. د. مصدق الحبيب


هذا هو الكتاب الخامس عشر الذي ينجزه الزميل الدكتور محمد جياد الازرقي ضمن برنامج ترجمة الكتب المهمة للقارئ العربي الذي تولاه منذ تقاعده من التدريس كأستاذ متمرس في كلية ماونت هوليوك الامريكية. وهو من ضمن سلسلة الكتب التي تبنتها الدار العربية للعلوم- ناشرون في بيروت.

يتمحور هذا الكتاب حول الهوس الامريكي لاكتساب السبق في امكانية شن الحرب النووية والتخطيط لها باعتبار المؤلف دانيل إلزبرگ واحدا من المخططين الاوائل بحكم موقعه كمساعد لوزير الدفاع روبرت ماكنمارا ابان الحرب الفيتنامية. وهو الرجل الذي عرف بكونه من اشهر المبلغين عن خطايا الحكومة الامريكية وفضح اسرارها التي تجمعت لديه من خلال عمله في دوائرها ومؤسساتها. وهو الذي اطلق عليه هنري كسنجر لقب "أخطررجل في امريكا" بسبب نشر كتابه المعنون "أوراق البنتاگون" الصادرعام 1971 الذي كشف فيه اسرار وزارة الدفاع وتورط العسكر والسياسيين الامريكيين في حرب فيتنام من 1945 الى 1967 والذي تحول جزء منه الى فلم وثائقي اخرجه المخرج الشهير ستيفن سپيلبرگ والذي عرض في ديسمبر عام 2017. 

إلا ان صدور هذا الكتاب قد تأخر نشره مايقارب الخمسين عاما لحين رفع السرية عن معظم الوثائق ودخولها لميدان المعلومات العامة بموجب قانون حرية الاطلاع على المعلومات. وبذلك فقد تمكن المؤلف من استعادة نسخ الوثائق التي جمعها شخصيا والتي فقدها عبر السنين. وقد تولت نشر النسخة الانكليزية الاصلية لهذا الكتاب مؤسسة بلومزبري العالمية والتي سرعان ما حظيت باهتمام الاكاديميين والمعنيين بقضايا الحرب والسلام من اجل تأكيد الحاجة للمزيد من معرفة تجاوزات السياسيين والحكومات وضرورة رصد ما يعد في مطابخ السياسة واطلاع الشعب على مكونات تلك الطبخات والحد من مغامرات العسكر الجنونية وانتهازية اصحاب القول في السلطة التشريعية.

يقع الكتاب في واحد وعشرين فصلا مع تمهيد ومقدمة اضافة الى مقدمة المترجم الشاملة الطويلة التي اخذت اربعين صفحة. في الفصل الاول يتساءل المؤلف عن كيفية وصوله وهو في العشرينات من عمره الى الولوج لمهمة التخطيط للحرب النووية العالمية  فيشرح من خلال اجابته على سؤاله ظروف مابعد الحرب العالمية الثانية والبيئة الثقافية والسياسية التي ركزت على حالة الهلع والهوس التي طغت على ذهنية الحرب الباردة وصاغت مفاهيم الجهات والمؤسسات التي كانت تخطط للحرب النووية من اجل ضمان الحماية الذاتية والسيادة على القوى الدولية التي بدأت بدورها منافسة محمومة من اجل امتلاك السبق وزمام المبادرة.

في الفصل الثاني، القيادة والتحكم، يتحدث المؤلف عن موضوع الاستعدادات لأي هجوم نووي مباغت من قبل السوفيت وعواقب الانذارات الكاذبة واحتمالات تهور بعض القيادات الميدانية وما كان قاب قوسين او ادنى من حدوث العواقب المرعبة.  الفصل الثالث المعنون "التخويل او التفويض"   يكشف الرسالة التي بعث بها الرئيس آيزنهاور الى الادميرال دي فلت قائد العمليات الحربية في حوض الباسفك في هاواي والتي خوله بموجبها شن حرب نووية شاملة في حالة انقطاع الاتصالات بينه وبين واشنطن. يناقش المؤلف الاشكالية الكبرى في ذلك التخويل خاصة وان الادميرال كان قد نقل ذلك التخويل بدوره الى قادة الاسطول السابع والقواعد الامريكية في اليابان وأوكيناوا وكوريا وتايوان وگوام ، وبذلك فكل من اولئك القادة اصبح مخولا بالضرورة لاشعال فتيل حرب نووية شاملة ان لم يتمكنوا من استلام اوامرهم من واشنطن حين يحدق خطر ما. في الفصل الرابع يناقش المؤلف وجود الاسلحة النووية في ميناء ايواكوني الياباني ويعلق على الخروقات الامريكية المستمرة بشأن ذلك. الفصل الخامس يكشف الخطط النووية الامريكية في المحيط الهادي الموجهة ليس فقط ضد الاتحاد السوفيتي بل وضد الصين وبلدان اخرى. في الفصل السادس المعنون "خطة الحرب" يبوح المؤلف ببعض خطط الحرب النووية الشاملة المرعبة على المعسكر الاشتراكي وخسائرها المتوقعة العصية على التصور ويتطرق ايضا الى الصراع بين الجناحين المدني والعسكري في البنتاگون وتكتم الاخير عن تفاصيل الخسائر لئلا يضطر الوزير المدني او بعض المسؤولين الكبار من تعديل الخطط وتخفيف آثارها. ويواصل في الفصل السابع الحديث عن تذمر العسكر وضيقهم بسلطة المدنيين موثقا ذلك بالاحداث الحقيقية. يذكر المؤلف انه كان من شأن الهجوم الامريكي النووي الشامل المخطط له ضد الاتحاد السوفيتي والصين وبقية بلدان المعسكر الاشتراكي ان يسفر عن قتل 335 مليون نسمة في غضون اول 72 ساعة من الهجوم. ولذا فهو يناقش في الفصل الثامن الخطة المعدلة التي قدمها هو بنفسه.  وبطلب من الرئيس كندي أعد المؤلف قائمة من 30 سؤالا قدمت الى رئاسة الاركان عن مدى الخسائر المفترضة وهذا ما تم مناقشته في الفصل التاسع. جاء تقدير الخسائر على شكل جدول افاد ان  275 مليون نسمة سيلقون حتفهم في الساعات الاولى من الهجوم و325 مليون سيقتلون خلال الستة اشهر الاولى منهم 100 مليون من اوربا الشرقية.  في الفصل العاشر تحدث المؤلف عن أزمة برلين وفجوة الصواريخ، وفي الفصل الحادي عشر يشرح المؤلف اعداده لخطابين رسميين مهمين أحدهما لنائب وزير الدفاع گلپاترك والثاني لمكنمارا، وكيف انه حذف نتائج الدراسات حول الحرب النووية فيما لو اشتعلت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي والتي كان من المقدر ان يذهب ضحيتها 75 مليون مواطن في امريكا و100 مليون في الجانب السوفيتي و115 مليون في أوربا. الفصل الثاني عشر خصصه المؤلف لشرح ازمة الصواريخ الكوبية ومداخلاتها وفي الفصل الثالث عشر يلقي المؤلف المزيد من الاضواء على كوبا وقضية الصراع بين المعسكرين ويشرح كيف ان العالم كان قد اقترب من نهايته في اكتوبر 1962. في الفصول الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر يكشف المؤلف ومن خلال عناوين مرعبة تقديرات قصف المدن، واحراق المدن، وقتل الشعب! وهنا يشرح المؤلف خطة الامن القومي الامريكي المسماة  SIOP  والقاضية بالتدمير الكامل للاتحاد السوفيتي والصين والتي وافق عليها الرئيس آيزنهاور وخلفها للرئيس كندي الذي علق عند الاطلاع على تفاصيلها قائلا "ونسمي انفسنا بشراً؟!" .

في الفصلين السابع عشر والثامن عشر يتحدث المؤلف باسهاب عن المجازفة الكبرى باستخدام آلات الفناء المتوفرة لدى أمريكا واستعداد بعض السياسيين والعسكريين للمقامرة بحياة الكوكب ويمضي لتسمية الرئيس ترومن بالرئيس النووي الذي أمر بتطوير قنابل اليورانيوم والبلوتونيوم والقنابل النترونية والهايدروجينية.

في الفصل التاسع عشر يركز المؤلف على عدم ابقاء موضوع تفويض اطلاق الاسلحة النووية سريا وعدم تدمير هيكل القيادة العليا للعدو او ما اسماه مبدأ بريجنسكي. ويمضي المؤلف للاعتراف بأن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي رفضت الموافقة على وعد "لا لاستخدام الضربة الاولى" الذي وافقت عليه كل البلدان ذات المقدرة النووية، وان الولايات المتحدة قد استخدمت او هددت باستخدام القنابل النووية 25 مرة منذ الاستخدام الاول في هيروشيما وناگازاكي عام 1945 ولحد الان. في الفصل العشرين يتحدث المؤلف عن تهديدات الضربة الاولى ويختتم كتابه بالفصل الواحد والعشرين شارحا كيفية تفكيك آلات الفناء.   

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم