صحيفة المثقف

جرائم حرب في العراق

كاظم الموسويانتهت الحرب على الإرهاب عسكريا في العراق والمنطقة، بعد اعوام من العمليات العسكرية وتشكيل ما سمي بالتحالف الدولي ضد الارهاب بقيادة الولايات المتحدة وعضوية اكثر من ستين دولة، اغلبها من الدول "المتهمة" أو المثبت عليها القيام بتمويل وتدريب وتجهيز وارسال اعضاء للتنظيم، وأعلن الانتصار على ما سمي إعلاميا باختصار تنظيم "داعش" وحاولت الدول والجهات الأخرى ومنها الداعمة للتنظيم المشاركة في الانتصار. ولكن الكارثة في ما حصل بدأت تظهر في الآثار والتداعيات التي بقيت على الأرض.

(معلوم أن التحالف الدولي،  تشكل في أيلول/ سبتمبر عام 2014، وشارك بتنفيذ ضربات جويّة عديدة داخل المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، في محافظات: نينوى، كركوك، وصلاح الدين، والأنبار، طيلة السنوات ما بعد تشكيله إلى أواخر 2017. وأعلن العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2017، تحرير كامل أراضيه من تنظيم «داعش» الإرهابي).

من التداعيات أعلنت الحكومة العراقية عن الشكاوى الواصلة لها، من خلال جهاتها المعنية، من مئات المدنيين، ضد التحالف الدولي، لتسببه بمقتل المئات من المواطنيين، وإصابة آخرين، بالإضافة إلى تدمير بيوتهم. فقد كشف عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، علي البياتي، في تصريح خاص لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، (2020/02/20) ونشرته وكالات الانباء الأخرى  ايضا، عن حصيلة شكاوى مسجلة لدى الحكومة الاتحادية، ضد التحالف الدولي ضد الإرهاب، من ذوي ضحايا تم استهدافهم في قصف للتحالف خلال العمليات العسكرية للقضاء على "داعش" الإرهابي. وأوضح البياتي، أن 926 شكوى من ذوي الضحايا مسجلة لدى الحكومة العراقية، من محافظات: نينوى، وكركوك، والأنبار، شمال، وغربي البلاد، مبينا أن نصف العدد المذكور هم قتلى، والآخر إصابات مختلفة.

 وطالب عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، الحكومة العراقية، أن تعمل على إقامة دعاوى ضد التحالف الدولي، عن الشكاوى التي وصلت إليها من ذوي الضحايا، لأن التحالف غير مخول من قبل مجلس الأمن. وأضاف، على الحكومة العراقية، أن تعمل على محاسبة التحالف الدولي، وتعوض الضحايا، لأن القصف الذي طالهم من التحالف، هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع التي تحتم على الجهات المتحاربة تجنب استهداف المدنيين، وضرورة حمايتهم. ونوه إلى اعتراف التحالف الدولي، قبل عدة أيام، إنه خلال سنوات الحرب ضد "داعش" سقط ما يقارب 1370 مدنيا في العراق، وسوريا في حين تقارير دولية محايدة تؤكد سقوط 11800 قتيل فقط في العراق وسوريا وأكثر من 8000 جريح. (وهناك ارقام واحصائيات أخرى، اكثر منها عددا!).

رغم ان الحكومة حيال الشكاوى المقدمة إليها من قبل ذوي الضحايا، حسب ما أخبر به عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، اكتفت بذكر عدد الشكاوى، ولم تتخذ حتى الآن أي موقف أو تحرك يحاسب التحالف الدولي عن سقوط الضحايا المدنيين. الا أن الأمم المتحدة اخذت قرارا بتشكيل محكمة ولجنة تحقيق في هذه القضايا،  وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد بحث مع فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة، تأسيس محكمة دولية خاصة لمحاسبة عناصر تنظيم "داعش" عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق العراقيين. وأفاد بيان للمكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية العراقية، أنه  "جرى، خلال اللقاء، بحث جهود تأسيس محكمة دولية خاصة لمحاسبة عناصر "داعش" عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق العراقيين في مختلف المدن والمحافظات، قبل أن يتمّ تطهيرها". وأشار البيان "كما تمّ التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق المشترك بشأن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله وبما يسهم في ترسيخ الأمن والسلم الدوليين". ولدى جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، قاعدة بيانات كاملة لبقايا تنظيم "داعش" الإرهابي، تساعد في اكمال التحقيق والمحاكمة.

أضافت وزارة الخارجية العراقية، (2020/01/05)، في بيان لها، "إنها رفعت شكوى بموجب رسالتين متطابقتين إلى كل من رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، عبر الممثلية الدائمة للبلاد في نيويورك، بشأن الهجمات والاعتداءات الأمريكية ضد مواقع عسكرية عراقية"، مشيرة إلى أن تلك الاعتداءات "انتهاك خطير للسيادة العراقية ومخالفة لشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق". وأوضحت أن "العراق طالب مجلس الأمن الدولي بإدانة عمليات القصف والاغتيال". واستدعت الخارجية العراقية، سفير الولايات المتحدة لدى بغداد، ماثيو تولر، على خلفية الضربات الجوية الأمريكية في البلاد. وشددت على أن ما حدث من اعتداءات يخالف ما تم الاتفاق عليه من مهام للتحالف الدولي الذي ينحصر بمحاربة تنظيم "داعش" وتدريب القوات الأمنية العراقية بالتنسيق مع الحكومة العراقية وإشرافها. واعتبرت الوزارة العمليات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية "غير مشروعة"، كما أنها تمثل "اعتداء وعملا مدانا يتسبب في تصعيد التوتر بالمنطقة في الوقت الذي ينبغي أن تتعاون فيه الإدارة الأمريكية مع العراق في خفض التوتر الأمني وحلحلة الأزمات التي تعاني منها المنطقة"(!).

وحذر خبراء من الأمم المتحدة في حزيران/ يونيو 2016 من أن تنظيم "داعش" يرتكب إبادة جماعية بحق اليزيديين في سوريا والعراق بهدف القضاء على تلك الجماعة الدينية من خلال القتل والاستعباد الجنسي وجرائم أخرى. وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش مجلس الأمن في خطاب له أن فريق الأمم المتحدة بقيادة المحامي البريطاني كريم أسد أحمد خان، سيبدأ العمل في العشرين من اب/  أغسطس 2016 . وقررت الأمم المتحدة في 2017  ان يكون استخدام الأدلة التي يجمعها الفريق في ساحات أخرى، مثل المحاكم الدولية، أمرا "يحدد بالاتفاق مع الحكومة العراقية في كل قضية على حده". وأضاف القرار أن الأدلة تجمع بالأساس لتستخدمها السلطات العراقية ثم "المحاكم المختصة على المستوى الوطني".

كما طالبت محامية حقوق الإنسان في المنظمات العالمية أمل كلوني ومعها عدد من الضحايا اليزيديات ممن تعرضن للاستعباد والاغتصاب على يد مسلحين من "داعش" في الموصل، العراق بالسماح لمحققي الأمم المتحدة بالمساعدة في الأمر، واستكمال التحقيق في هذا الشأن، الذي عمق من جرائم الحرب إلى الإبادة ايضا.

ما حصل جرائم حرب وإبادة وضد الإنسانية، مدانة قانونيا وإنسانيا واخلاقيا، وحان وقت المحاكمة لها ولمسببيها، فمثل هذه الجرائم لا تتقادم..

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم