صحيفة المثقف

كورونا: زمنُ الخَلاص

عاطف الدرابسة* ليبقَ هذا النَّصُ قريباً من يدِ الأطفالِ، لعلَّهم يعرفون أنَّ بعضَ الأشياءِ التي تبدو صغيرةً، هي الاشياءُ العظيمةُ؛ فالعظمةُ للفعلِ .


أيُّها الكائنُ الغريبُ

الذي لا يُرى بالعُيون

أيُّها الكائنُ الصَّغيرُ الصَّغير:

 

كيفَ أتخيَّلُكَ؟

كيفَ أرسمُكَ؟

هل لديكَ يدانِ؟

هل لديكَ رِجلان؟

هل لديكَ عيون؟

 

من أينَ أتيتَ بكلِّ هذهِ القوِّة؟

من أينَ أتيتَ بكلِّ هذا الجبروت؟

من أينَ أتيتَ بهذا العقلِ المجنونِ

لتقهرَ الطُّغاة والمستكبرين

بلا سلاحٍ نوويٍّ

أو مدافعَ

أو طائراتٍ خارقةٍ للصَّوتِ

والمكانِ

والزَّمان؟

 

أيُّها الكائنُ الصَّغيرُ الذي لا يُرى بالعُيون

كيفَ تجرَّأتَ أن تغزوَ العُظماءَ

في شرايينِ أرضهم

وتسري معَ الدَّمِ في خلايا البشر

وتفرضَ عليهم الحِصار

بلا قرار؟

فأنتَ وحدكَ مجلسُ الأمنِ

وأنتَ وحدكَ صاحبُ القرار ..

 

من أينَ أتيتَ بلا جيوشٍ

ولا حاملاتِ طائرات

ولا صواريخَ عابرةٌ للقارَّاتِ

لتجتاحَ كُلَّ هذا العالمِ دونَ استئذان؟

 

أيُّها الكائنُ اللامرئيُّ

من نذرَكَ لهذا الزَّمنِ المُتصدِّعِ

كالأسوارِ العتيقةِ؟

هل أنتَ منذورٌ لقتلِ الشَّرِ

في عقلِ " هتلر أو نابليون"؟

 

أيُّها الكائنُ العابثُ بمصيرِ الإنسانِ:

كلُّ رسائلكَ وصلت

كأنَّكَ آيةُ الإلهِ

تنزَّلت دونَ وحي

أو إنجيلٍ أو قُرآن ..

 

لا أعرفُ هل أنتَ ملاكُ الرَّحمة؟

هل أنتَ نبيُّ الخلاصِ؟

أم أنتَ بذرةُ شيطان؟

 

أيُّها الكائنُ الصَّغير:

أقِم في دمِ هذا الزَّمان

وأطِل البقاء

لعلَّ الدَّمَ الفاسدَ في عقولِ الطُّغاةِ

في خلايا السُّفهاء يتغيَّرُ

يتنفَّسُ عليلَ الهواء ..

 

ها أنتَ تغزو هذا الزَّمان

لتُغيَّرَ هذا الزَّمان؟

ها أنتَ تأتي كشُعاعٍ من ضوء

تسقطُ على أجسادِ الموتى

ليشعروا أنَّهم برغمِ هذا القهرِ

ورغمِ هذا الفقرِ

ورغمِ هذا العُهرِ

ما زالوا أحياء ..

 

أستشعرُكَ تعبرُ كلَّ الأوطان

بلا جوازِ سفرٍ

أو تأشيرةِ دخولٍ

لا تتسكَّع على أبوابِ السَّفاراتِ الغربيَّة

والشَّرقيَّة

ولا تستجدي أميركا

أو الصِّين

أو روسيا

أو بريطانيا

أو إيطاليا

لا يُغريكَ حلمٌ

ولا يشتريكَ مالٌ

ولا يغويكَ سلطان

أنت وحدكَ على عرشِ هذا العالمِ

سُلطان ..

 

أراكَ كالفينيقِ تنهضُ من رمادكَ

فيشتعلُ الحريق

وتتسِّعُ الطَّريق

و"سيزيف" يعصرُ الصَّخرَ حليباً لأطفالِ الشَّام

وبغداد

وصنعاء ..

 

تعال وانثر رمادكَ في المكانِ

في العقولِ

في قلوبِ الضُّعفاء

لعلَّ الخوفَ يموت

لعلَّ الزَّيفَ يموت

لعلَّ الظُّلمَ يموت

فأنتَ يا سيَّدَ هذا الزَّمان

سيفُ الإله في يدِ الضُّعفاء ..

***

د.عاطف الدرابسة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم