صحيفة المثقف

هل سيصمد النظام الصحي في العراق امام الكورونا؟

تعاني الخدمات الصحية في العراق منذ عقود من تدهور وعجزعن مواكبة التطور الحاصل في العالم وتلبية حاجات ابناء الشعب العراقي ولاسباب عديدة، وبسبب العجز في هذه الخدمات يلجأ الكثير من ابناء الشعب الى السفر الى الدول المجاورة والمتقدمة في تقديم الخدمات الطبية لغرض العلاج خصوصا في الحالات المرضية المعقدة والتي تحتاج الى تداخلات جراحية وعلاجية معقدة وخصوصا في الامراض السرطانية. يعاني النظام الصحي من مشكلات هيكلية وتنظيمية تتعلق اهمها بنقص في اعداد الاطباء والممرضين والعناصر الساندة، علما ان نسبة عدد الاطباء والممرضين الى عدد السكان نسبة متدنية وهي اقل نسبة في الدول المجاورة . كما أن هناك نقص كبير في عدد اسرة الرقود في المستشفيات بالنسبة لعدد السكان وهناك نقص في عدد المستشفيات وعدد المراكز الصحية ونقص في الاجهزة والامكانيات والتدريب والمعدات التي ترشح النظام الصحي الى الانهيار التام امام اي كارثة بيئية كالزلازل والفيضانات او صحية  ككوارث الاوبئة  كالكورونا .كما أن قلة الموارد المالية المخصصة للقطاع الصحي ضمن الميزانيات المعدة من قبل الحكومات المتتالية لم تكن قادرة على توفير متطلباته.

لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ 2003 من اجراء اي تحسين للخدمات الصحية وخصوصا وأنها تعرضت الى التدهور خلال عقود ومنذ اعوام الحصار الاقتصادي على العراق.كما لم تصدر تشريعات و قوانين مهمة وعدت بها الحكومات المتعاقبة  يفترض أنها كفيلة باستقرار النظام الصحي كقانون التامين والضمان الصحي للمواطنين وقانون فصل العمل بين القطاعين العام والخاص وقانون خاص بتنمية العمل في القطاع الخاص ووضعه تحت عناية ودعم الدولة لتأهيله لخدمة المواطن بشكل كفوء.كما ان قانون التدرج لذوي المهن الطبية والصحية اصبح معوقا خصوصا ان هذا القانون تم تعديله عدة مرات وعفا عليه الزمن و اصبح وسيلة من وسائل تعويق النظام الصحي ولا يوجد له مثيل بهذا الشكل في الدول المجاورة.

لم يتم تشكيل اي لجنة عليا تشرف على تطوير النظام الصحي او مجلس طبي وهو هيئة اعلى من وزارة الصحة واجبها الاشراف على تنظيم الخدمات الصحية للشعب من خلال تنظيم العلاقة بين كل مدخلات عملية تقديم الخدمة الصحية اي وزارة الصحة والجهات التعليمية والتدريبية في التعليم العالي والنقابات للعاملين في الخدمة الصحية. اذا نحن امام جهاز يعاني من ضعف كبير بسبب تراكم المشاكل وعدم وجود حلول لها مما ادى الى تفاقمها وهي جزء من مشاكل تعاني منها الدولة منذ 2003 وهو فقدان الرؤية الموضوعية لبناء اجهزة الدولة بسبب المحاصصة الحزبية والتدخلات في شؤون مؤسسات الدولة وانتشار الفساد.

كورونا كارثة وبائية اصابت الكثير من الدول ومنها دول متقدمة بانظمتها الصحية ومواردها، ومع ذلك تسبب لها المرض بفقدان الكوادر الطبية والصحية اضافة الى المصابين بالوباء من عموم الشعب نتيجة انتقال المرض من المرضى الى العاملين في الخدمة الصحية ومع توفر الامكانيات على صعيد التشخيص والعزل والتوعية والتنظيم والالتزام والعلاج. الشعب العراقي غير ملتزم بالاجراءات الوقائية او الاحترازية فما تزال مناطق التجمع مفتوحة ومليئة بالمواطنين كالمولات والمقاهي والمطاعم بالرغم من صدور تعليمات باغلاقها لمنع انتشار الفيروس لعدم وجود ثقافة الالتزام والثقة باجراءات الحكومة وعدم وجود ثقافة الالتزام بالاجراءت الصحية كغسل الايدي ولبس الكمامات في الاماكن المزدحمة وانتشار عادات المصافحة والتقبيل خلال السلام والتحية واستمرار المناسبات والدعوات وحضورها بالرغم من التحذيرات التي تصدرها الجهات المسؤولة عن متابعة تطور وانتشار المرض.وبالرغم من شيوع استخدام وسائط التواصل بين العراقيين وامتلائها بالتوجيهات والارشادات والبوستات والفيديوات والرسائل التحذيرية حول المرض والتي تحث على الامتناع عن ممارسات معينة قد تؤدي الى نقل المرض وتجنب الاماكن المزدحمة وتقليل الخروج الى الاماكن التي يمكن أن تكون ملوثة بالفيروس ألا أن  ذلك لا يخيفهم فمن تعايش مع الانفجارات والمفخخات لن يخيفه مرض معدي.

كيف سيواجه النظام الصحي في العراق هذا الوباء ومع تصاعد اعداد حالات الاصابة به مع ضعف الامكانيات، اضافة الى عدم قدرة اجهزة الحكومة على تنفيذ الاجراءات الصادرة ولاسباب عديدة وهل سيستطيع الصمود ومقاومة الوباء والسيطرة عليه..ننتظر ونراقب وندعوا الله ان يجنب بلدنا وشعبنا المعاناة بسبب هذا الفيروس.

 

د. احمد مغير/ طبيب اختصاص

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم