صحيفة المثقف

قيامة غريغور سامسا

فتحي مهذبلم تطله لعنة غريغور سامسا برغم الخيوط الدقيقة التي تصله به والعلقة الصميمة التي تشده إليه.

كان يبكي طويلا كلما انغمس في قراءة رواية التحول التي قلبت رؤيته للعالم رأسا على عقب.

هذا الغريغور البائس الذي تحول إلى كائن هش دميم مستطاع بغيره.

يقضي معظم وقته متقوقعا مفكرا في فداحة شرطه الوجودي الطارف مختبئا تحت السرير منتظرا رمال مصيره المظلم التي ستقذفه إلى المجهول شاعرا بألوان من العنت والعذاب اليومي الذي لا يضارع.

لكن (ق) لم يتحول إلى حشرة قميئة بل تحولت نظرة الآخرين إليه كما لو أنه شيء غير مرغوب فيه، غير جدير بارتكاب فعل الحياة مثل غيره من الأسوياء.

تألبت عليه الكلاب الضارية من البشر الذي ينبحون طوال الوقت.

حاولوا طويلا سرقة روحه واستئصال جوهرها الصافي بأنيابهم الصدئة.

غير أنهم باءوا بالفشل الذريع.  حاولوا صلبه على صخرة الدعاية المغرضة لتقطيع إرادته وإفراغها من كل معنى جميل وإلقاء كتل من الرماد داخل حديقة مخيلته الخصبة . ولكن قاومهم بكل ما أوتي من إبداع وجمال وفرادة.

كانوا يحرضون كل شيء ضده البشر الحجر الشجر حتى الفراشات الشفيفة البريئة بيد أنه لم يهن ولم تذهب ريحه.

ظل يصارع هذه الطغمة المتوحشة كما لو أنه أسد أسطوري لا يقهر.

العميان كثر.

- سأسقط الجسر على رؤوسهم.

سأستأصل صورة الحشرة القميئة التي خلعوها علي وعلقوها في برواز مخيلتهم العرجاء.

أنا رجل عظيم قادر على تغيير معالم الأشياء وإعطائها معنى عميقا.

سأقاتل هذا الطابور الذي لم يزل يشك في قوة إرادتي الإنسانية الفذة.

ستكون الكتابة سلاحي الذي لا يفنى. سلاح الآلهة الأبدي. سلاح الإنسان الذي تجاوز شرطه إلى أقاصي المستحيل.

(س) يخاطب (ع) بلهجة ساخرة.

إنه حشرة مقرفة .

تأمل في جحوظ عينيه البراقتين.

كتفيه غير المتساوقتين ,حدبته الكريهة. فمه الأدرد الضيق .

(ع) رغم أنه يمشي على قدمين فإن صورته التي تشبه حشرة مخيفة زنخة لا تفارق مخيلتي.

إنه لا يمت إلينا بسبب.

- تبا لهذه الحشرة العملاقة .

- لا بد من اضطهادها واجتثاث شأفتها .

- حشرة قذرة مغرورة تعتد بنفسها ما عتمت تقاومنا طرا.

قال (س) سأخطط لاغتيالها وإراحة العالم من صورتها البشعة.

لقد أمعنوا في إيذائه وتشويه سمعته وتأليب العالم ضده .

لكن (ق) محا تلك الصورة البشعة التي تخيم في عقولهم . .  صورة  الحشرة القميئة .

لقد إنتصر على أعدائه أجمعين الناس والزمن والموت بسلاح الكتابة الأبدي.

لقد حول حشرة كافكا الملعونة القميئة إلى قوة إبداعية لا تقهر.

 

فتحي مهذب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم