صحيفة المثقف

ملكات صنعن الحضارات وخلدهن التاريخ

سارة طالب السهيلبما اننا على مشارف يوم المراة العالمي الذي يحتفل به العالم في الثامن  من آذار فلا بد ان نتحدث عن التساء وبما انني تناولت موضوعات المراة في جوانب عديدة و مختلفة خطر ببالي ان أتناول المراة الملكة ..

سجل التاريخ الإنساني حياة كوكبة من النساء اللواتي حكمن العالم القديم وصنعن حضارات خالدة متحديات كل صعب، وبقيت قصص نجاحهن منهلا خصبا للدارسين علوم التاريخ والانسانيات، كما ظلت مصدرا خصبا لالهام الشعراء والأدباء والرسامين، وبقي نبوغهن الفكري والسياسي والحربي  حلما لكل امرأة في عالمنا المعاصر طامحة في القيادة والحكم.

ورغم ان الوقائع التاريخية قد امتزجت بالاساطير في تجارب هذه الشخصيات النسائية الممتدة شرق العالم وغربه، الا ان دخول الاسطورة لم يلغ  قدرات هؤلاء النسوة في صنع العالم وقيادته بما امتلكنه من قدرات خاصة كقوة العقل والدهاء والقدرة علي الادارة السياسية والاقتصادية والحربية بجانب الانوثة التي وظفت احيانا في مواجهة ألاعيب السياسية ودحر الخصوم.

كليوباترا القائدة

كيلوباترا أشهر النساء فى تاريخ الاسكندرية ملكة جمعت بين قوة الشخصية والقيادة والانوثة وتباينت كتابات المؤلفين في تحليل مفاتيح شخصيتها بين كونها رمزا لاسطورة الحب الخالد كما في مخيلة الشعراء العالميين، ومصدر الهام للاوبريتات العالمية التي تزال تقدم حتي اليوم وبين الملكة القائدة الحربية.

فكيلوباترا الملكة عاشت بروح وفكر القائد لاستعادة  مجد الاسرة البطلمية وعملت على تقوية مملكتها المصريةعسكريا وعلميا في مواجهة روما، وشكلت خطراً حقيقياً على الجيش الرومانى، حتي هزيمتها هى وانطونيوس.

وحفاظا علي عرشها وحياتها، فلم تتورع كليوباترا عن قتل العديد من أفراد أسرتها، كما حافظت على كرامتها حتى النهاية وخشيت من تقديمها كغنيمة نصر للرومان المنتصرين وتعرضها للاذلال فقتلت نفسها عن طريق لدغة ثعبان.

واهتمام كليوباترا بأنوثتها لم يحل بينها وبين قدراتها كمفكرة سياسية وإستراتيجية خططت لجعل ابنها بطلميوس حاكم قوي في المستقبل وقدرتها على التنبؤ بنتائج الحروب، وذلك بفضل حرصها علي التعلم حيث تعلمت اللغات والعلوم وإستراتيجيات الحرب.

وذكاء كليوباترا المقدونية قادها لبذل مجهود كبير لدراسة وفهم الثقافة المصرية فتعلمت كليوباترا اللغة المصرية ولذلك احبها المصريون خاصة بعد ان وفرت لهم نتيجة للأمان والرخاء.

بلقيس وفنون الحكمة

وهي من اشهر الملكات في العالم فقد خلدها القرآن الكريم في قصتها مع نبي الله سليمان، ويبرز القرآن حكمتها السياسية وشجاعتها وخبرتها في اتخاذ أمر الشوري مع رجال بلاطها وخبرتها بشئون الملوك وقدرتها علي اختبار نواياهم اذا ما اردوا الاستيلاء على مملكة اخرى.

وربما تكون قد اكتسبت الملكة بلقيس هذا الدهاء السياسي من انتسابها لابوها الملك الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر، لكن هذا النسب لم يحميها من استنكار قومها لولايتها عليهم، ولم يمنع الطامعين في مملكة سبأ، ومنهم الملك "عمرو بن أبرهة" الملقب بذي الأذعار، لكنها بما امتلكته من  قوة شخصية وشجاعة وفطانة عقل ودهاء سياسي وانثوي قهرت كل هذه التحديات وحافظت علي عرشها.

وحسب ما تذكر الرويات، فان الملكة بلقيس استخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار من هجوم الملك ذي الأذعار علي ممتكلها وعادت بخطة للتخلص منه فدخلت قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكيناً وذبحته بها.

وازدهرت مملكة سبأ في زمن حكم بلقيس وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية، كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة، ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب.

سميراميس الملهمة

وبين الاسطورة التاريخ يسلتهم المبدعون شرقا وغربا حياة الملكة الآشورية "سميراميس"، فهي حاضرة ليومنا هذا في العديد من الفنادق العالمية التي تحمل اسمها، وفي اعمال خالدة موسيقية ومسرحية والتشكيليين، كما في النصوص التاريخية  لهيرودوتس - الذي تحدث عنها في نصوصه التاريخية المؤسسة والادباء مثل  فولتير والاوبرات الايطالية التي تحمل اسمها.

تمتعت سميراميس بسمات شخصية أهلتها لتخليد اسمها في الذاكرة الانسانية فقد تمتعت بفطنة وذكاء وجمال، بجانب قدرتها علي الادارة وقيادة ممكلتها وخوض المعارك الحربية الشرسة خارج الحدود لتوسيع رقعة مملكتها، وهو ما ممكن لها ان يستمر لأكثر من اثنين وأربعين عاماً.

ومثلت سميراميس انموذجا للوفاء للزوج، فحسب الروايات انها أقامت في نينوى ضريحا كبيرا لزوجها الملك، كما تذكر الاسطورة انها هي التي أقامت مدينة (بابل) العريقة وانها استخدمت ببنائها أكثر من مليوني عامل.

وحققت سميراميس نهضة كبيرة لمملكتها بأقامة كثيرا من المدن على ضفاف نهري دجلة والفرات، وانها أخضعت مصر، والحبشة. كما تذكر الأساطير انها احتلت معظم آسيا وأقامت في عدد منها بعضاً من النصب التذكارية والأبنية.

تمارا تخضع القوقاز

ويحتفي التاريخ الانساني بملكة جورجيا "تمارا " التي حكمت بلادها وهي في عمر الرابعة عشر، حينما توجها والدها في القرن الثاني عشر، تجنباً لوقوع حروب داخلية لتصبح أول امرأة تحكم هذاالبلد وفي هذا السن الصغير!

وامتلكت الملكة الصغيرة من المقومات الانسانية كالدهاء السياسي والقدرة علي دحر الخصوم وكسب المعارضين وتكوين نخبة عسكرية قوية وكسب احترام الممالك المجاورة، مما مكنها ان تبسط سيطرتها كاملة جورجيا  في العصر الذهبي خلال القرون الوسطى.

ولم يكن الوصول للعرش فقد واجهت مقاومة عنيفة من الطبقة الأرستقراطية عند تقلدها لسلطات الحكم لكنها نجحت في تحييدهم ثم اتجهت لبسط الهيمنة السياسية  لبلادها في آسيا الصغرى وعلى توسيع الحدود الجورجية حتي سادت امبروطوريتها منطقة القوقاز بحكمتها السياسية ورعايتها للاداب والفنون .

عشتار النار والحب والخلود

تبقي عشتار الهة الحب والخصب في بلاد الرافدين، مسيطرة علي عقول وخيال الادباء والعشاق والمحلللين النفسيين وفي حضارت مختلفة يوناية وعربية وغيرهما. فهي اسطورة انثوية تجسد  تسلط الأنثى وطغيانها.

وبرزت عبادتها في عهد ابنها الإله مردوخ منذ زمن حمورابي، فقد كانت سيدة السماء، وسيدة النبوءة  في بابل، وهي ايضا تلك المرأة الفاتنة الجميلة الداهية، الماكرة الساحرة القاتلة  هي نفسها آلهة الحب والحرب لدى الآشوريين، وكان لها معبدان، الأول في نينوى باعتبارها آلهة الحب، والثاني في أربا إيلو باعتبارها آلهة الحكمة والحرب.

وبذلك تكون جمعت آشتار لدي العراقيين  التناقض العجيب بين اشتار العاشقة والاخري الحربية، حيث كان معظم قادة وملوك الآشوريين يزورونها في معبدها قبل توجههم في حملات جديدة لتلقي النصح والموافقة، ولكي تتنبأ ماذا يخبىء لهم المستقبل.

هذا التناقض سجله التاريخ الانساني لابراز قدرات المرأة الخارقة في الحب والحرب والسياسية.

دهيا رمز الدهاء الحربي

وسجل تاريخ شمال إفريقيا اسم اقوي شخصية نسائية في صفحاته وهي الملكة الأمازيغية "ديهيا " التي كانت رمزا للدهاء البشري ومع ذلك، فقد ساحرة الجمال وحادة الذكاء وقوية الإرادة، وهذه السمات الشخصية  جعلها فارسة تركب حصاناً وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها" كما صورها المؤرخ ابن خلدون .

وقادت الملكة دهيا الحملات العسكرية الناجحة وحكمت الأمازيغ وشمال إفريقيا  طوال 35 سنة، وتذكر المصادر التاريخية، أن جميع الأمازيغيين كانوا يخافون من ديهيا ويطيعونها بسبب جرأتها وشجاعتها.

لقبت " ديهيا " بالمرأة الحديدة لقدرتها علي مقاومة الروم والبيزنطيين والعرب، وتمكنها من توحيد القبائل الأمازيغية، وتوفيت في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة

 زنوبيا الطامحة

وتظل " زنوبيا " ملكة تدمر، رمزا للطموح السياسي الذي يتملك ادوات تحقيقه بما توافر لها من سمات شخصية مثل رجاحة العقل وشدة الطموح ومعرفة جيدة بالأوضاع السياسية في الشرق وروما، بجانب الشجاعة والجمال والقدرة علي الجمع بين اللغة اليونانية والمصرية.

فمع مقتل زوجها أذينة القائد الاعلي للجيوش الرومانية في الشرق، سعت زنوبيا لتولية ابنه الصغير وهب اللات مقاليد الحكم تحت وصايتها، وجعلته في البدء يحمل ألقاب والده، مع اعترافه بالامبراطور الروماني الجديد أورليانوس.

وسعت زنوبيا لتأسيس دولة تسيطر على التجارة الدولية من منافذها في العراق حتى مصباتها في موانئ البحر المتوسط  فسكت النقود تحمل رأس صوتها وصة ابنها بما يعني انها أسقطت سلطان روما ولم تعد تعترف بالامبراطور الروماني.

وسيطرت قواتها على مصر وآسيا الصغرى حتى مضيق البوسفور إضافة إلى سورية، وضعت زنوبيا تحت سلطتها سائر منافذ طرق مواصلات طريق الحرير، إضافة إلى تموين روما بالحبوب وغيرها من البضائع والمواد الضرورية لسد حاجات روما.

ودفعت الميول الفلسفية والأدبية لزنوبيا، في ازدهار الحياة الفكرية، واستقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها لتجمع بذلك بين قوة السلطان السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري.

اليسار رمز الوفاء والتحدي

هذه الملكة حقتت حلم يصعب علي اعتي الرجال تحقيقه، فقد بنت مدينة قرطاجة على شاطئ تونس، متحدية كل العقبات التي صادفتها في رحلة حياتها وخلد صمودها ونجاحها ووفائها اسمها في سطور التاريخ الانساني .

واليسار، هي ابنة حيرام ملك صور، أوصى أبوها لها ولأخيها "بغماليون" بالملك بعد وفاته لكن سرعان ما اظهر اخيها اطماعه في العرش، فاستغلت  الثروات التي تركها زوجها وجمعت كنوزها واخذت اسطول زوجها التجاري ومعها عدد من الامراء و الاثرياء راحلة في عرض البحر لتحقق حلم تكوين امبراطوريه خاصه بها افريقيا.

وفتنت بجماها ودبلوماسيتها وذكائها ملك البربر فاحتفي بها، وأجاب طلبها في تحديد قطع ارض على ساحل البحر تمثل موقعا استرتيجيا بنت عليها مدينتها الاسطوريه قرطاجة التي ادهشت بجمال معمارها ونقوشها ومسارحها ومراقصها وترفها ملوك المنطقه وقياصرة الروم .

وسرعان ما حققت الملكة اليسار نهضة تجارية مما جعلها مطمعا للممالك المجاورة فتقدم ملوكها للزواج منها مثل ملك البربر وقيصر الروم لكنها رفضت هذه الزيجات وفاءا لزوجها، غير ان ملك البرر اصابه رفضها بغضب عارم

فهددها الملك بتدمير قرطاج وسبي كل اهاليها ان لم تقبل فآثرت الانتحار ملقية بنفسها في المحرقة بين اللهب، وقد هزت تضحيتها هذه الشعب، فرفعها إلى مصاف الآلهة، وأقيم لها معبد  لتلخيدها .

 

سارة السهيل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم