صحيفة المثقف

مقدمة لفلسفة العصور الوسطى

رحيم الساعديبقلم: مارك دانييلز

ترجمة رحيم الشياع الساعدي


لنبدأ بالنظر في ثلاث نقاط:

أولاً: جاءت فلسفة العصور الوسطى في فترة تعرضت فيها الفلسفة للهجوم وشعر مؤيدو الإيمان الديني بأن ادعاءات الفلاسفة بشأن تفوق العقل كانت خاطئة.

وهذا قاد إلى اضطرار فلاسفة العصور الوسطى مثل الأكويني وابن رشد للدفاع عن المبدأ ووجود الفلسفة كان من المبادئ الأولى.

ثانياً: إن العديد من النصوص، وخاصة تلك الخاصة بفلسفة العصور الوسطى اليهودية - المسلمة، لها ثراء وخصوبة تفتقر إليه نصوص الفترات الأخرى - فلسفة مكتوبة بالشعر والقصص الفلسفية التي تبرز النقاط الرئيسية، وما إلى ذلك وحتى ان هناك أعمالا فلسفية كبرى - مثل دليل ابن ميمون والتي تعترف بعدة تفسيرات معارضة بالكامل.

 ثالثًا وأخيراً: أهمية مشاريع العصور الوسطى المختلفة في المشكلات الحديثة، فقد أدى تطوير أجهزة الكمبيوتر ومحاولة نمذجة الأحداث التي تحدث في العالم من حولنا إلى تطوير لغة منطقية قادرة على التعامل مع الصفات المتعددة الوسائط التي تصف الوقت والإمكانية. 

ويتشابه هذا مع تطور لغة مماثلة خلال العصور الوسطى لمناقشة مسائل مثل الثالوث المسيحي، المجيء الثاني ليسوع وقيام الأموات. ان المعرفة الخاصة بنجاح العصور الوسطى سهلت إلى حد كبير إعادة بناء نماذج اليوم.

الآن وبعد أن نظرنا في إمكانية أن يكون الموضوع موضوعًا يستحق اهتمامنا، دعونا ننتقل لوضعه في السياق. وقد تمت مناقشة معالم الفترة الزمنية لموضوعنا بشكل شامل تمتد على أوسع نطاق من وقت فيلو الإسكندري اليهودي (عاش 50) إلى سبينوزا (ت. 1677 م)

نجح العديد من المفكرين في العصور الوسطى، بشكل كبير في مجالات عملهم (والتي لم تكن اعمالا فلسفية) فقد كان القديس أنسيلم رئيس أساقفة كانتربري وارتفع ليصبح البابا وكان جروسيتي أسقف لنكولن وأول مستشار لجامعة أكسفورد وكان هاليفي شاعراً يتلو أعماله لليهود الإسبان والبرتغاليون في الكنيس خلال يوم الكفارة وكان موسى بن ميمون طبيبًا في البلاط الملكي المصري وقنن القانون اليهودي في 14 مجلداً، كما استخدمت جداول جيرسونيدس الملاحية لعدة قرون.

ودرست أعمال ابن سينا الطبية في أوروبا حتى القرن السابع عشر وكان مشاركًا عميقًا في السياسة الفارسية وكان الغزالي من كبار الصوفيين والسلطة القانونية في ذلك الوقت و ارتفع ابن رشد ليصبح قاضيا اعلى (قاضي القضاة) في قرطبة وظهر اثنان من أشهر المفكرين، هما أبيلارد وهيلويس .

كان هناك عدد من المشاريع المختلفة التي يمكن الإشارة لها، ففي كل تقاليد الديانات الثلاث، تكهن الفلاسفة بالعلاقة بين الإيمان والعقل (بما في ذلك محاولات إثبات السبب في انبثاق الإيمان) كما ناقشوا من أن تعاليم أفلاطون (ولاحقًا أرسطو) كانت متوافقة مع مبادئ أديانهم.

كما ان موضوعا آخرا متكررا مثيرا للاهتمام برز وهو مشكلة الشر ويتعلق بالطريقة التي يمكن بها وصف الله - مما يؤدي إلى اعتبارات حول استخدام اللغة وحدودها.

ففي أوروبا المسيحية، تم إنفاق الكثير من الجهد في مناقشة طبيعة الأكوان سواء كان لها وجود حقيقي في أنفسنا أو ما إذا كانت مجرد جوانب للعناصر الفردية.

وقضى الكثير من الوقت أيضا في المنطق سواء في العالمين الإسلامي واليهودي، وتركز الاهتمام على طبيعة الروح وإمكانية الاتصال الهادف مع الله.

وكانت هناك أيضًا مناقشات حول طبيعة الزمان والمكان واعتبارات طبيعة العلاقة السببية.

وعززت كل الديانات الثلاثة التصورات حول علم الجمال (انظر كتاب أمبرتو إيكو حول جماليات توما الاكويني)، وطبيعة الأخلاق، والفلسفة السياسية، وطبيعة المجتمع العادل، والعلاقة بين "الكنيسة" و "الدولة".

يجب الاعتراف بأن معظم كتابات القرون الوسطى ليست سهلة القراءة، فهي نمط غير عادي كما هو حال بعض الأعمال العظيمة مثل الخلاصة اللاهوتية لتوما الاكويني، والمكتوبة في شكل خلاف في القرون الوسطى مع أسئلة تليها مقالات، اعتراضات، ثم الردود.

وشكل آخر من أشكال الكتابة الشائعة هو التعليق - مثل التعليقات الطويلة والطويلة كما هي الخاصة بأعمال أرسطو أو العديد من التعليقات على كتاب الجمل للومبارد.

مشكلة أخرى تتضمن مشكلة نسخ المخطوطات فغالبا ما ارتكب الكتبة أخطاء - تاركين الخطوط أو الكلمات أو الكلمات التي بها أخطاء إملائية في بعض الأحيان، وقد يتم تضمين الحواشي السفلية أو اللمسات على مخطوطة مكتوبة بواسطة مالك لها في النص الأساسي للنسخة الجديدة وهذا لم يؤثر فقط على أصول الأعمال التي نقرأها اليوم - ولكن أيضًا على الأعمال التي قرأها المفكرون في العصور الوسطى في ذلك الوقت.

في الختام، يمكننا أن نأمل أن نرى أن هناك فلسفة للقرون الوسطى أكثر من مجموعة من النقاشات الطويلة حول تصوراتهم للملائكة فقط

 

.................................

(مارك دانييلز) هو وزير في كرويدون  بلندن وكان يعمل في فريق الفلسفة الآن في التسعينيات، وخلال هذه الفترة قام بتحرير العديد من إصدارات مجلة (الفلسفة الان)، وكتب مقاله عام (2005)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم