صحيفة المثقف

كورونا واحتقار ذكاء المغاربة!!

حميد طولستلقد شكل تزايد انتشار كورونا الغامض واستمرار اختراقه للبلدان الواحدة تلو الأخرى، مصدر إلهام للعديد من الأخبار التضليلية والاساطير الوهمية والافتراءات الزائفة والمزاعم الكاذبة المسوقة عبر وسائط التواصل الاجتماعي وأدواتها الناعمة المؤثرة بقوة وفعالية في العقول البسيطة/المتخلفة وتجعلها ترفض التفسيرات العلمية، وتصدق زخم الفكر الخرافي والتفسيرات الشعبوية وخزعبلاتها التي تنامى انتشارها مؤخرا بوتيرة تهدد سلامة الناس، وتشعرهم بالخوف والرعب من القادم، في غياب إتخاذ التدابير القانونية اللازمة لمحاسبة المتورطين في ترويج المعلومات المغلوطة المبنية في جزء كبير منها على مصادر الفكر الخرافي اللاعلمي المهيمن على عقول البسطاء من المحيط إلى الخليج، والمتستخدم على نطاق واسع في تفسير الظواهر المختلفة، الصعبة منها والسهلة، السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية، الفردية أو الجماعية، المغلفة بالغلاف الديني المزيف، النافذ في تجهيل المجتمع وتضليله وتقسيم رأي مكوناته حول هذا الوباء الفتاك، الذي إتحد العالم من أجل الوصول إلى علاجه، وانقسمنا -كما العرب والمسلمين جميعهم- شيعا وأحزابا، كل فرح بما لديه من تصورات شاردة عن حقيقة الظاهرة، واجتهادات غبية حول تحليل أسباب انتشارها، وطرق الوقاية منها، وتقديم وصفات تجنب مضارها؛ التصورات والاجتهادات التي جاءت متباينة لدى مختلف الفرق المتدخلة، والتي يرى فريق منها أن كورونا ما هو إلا ابتلاء من الله للصين سلطه الله عليها بسبب خطاياها المتصلة باضطهاد المسلمين الإيغور، وسببه ما يأكلوه الصينيون من قطط وكلاب وسحالي ومالا يخطر على بال ..

وذهب الفريق الذي يومن بثقافة المؤامرة، إلى أن "كورونا" وجد بفعل فاعل كـ"الجمرة الخبيثة" التي خلقت في التسعينات على شكل بودرة ترسل عبر طرود بريدية لارهاب جهات معينة.

كما اختزل الفريق الذي يشكل الأعلبية العظمى، الوقاية من كورونا في التقوى والاستغفار والدعاء، ـــــــــــ ومن بين بالأدعية التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، أنقل بعضها على سبيل المثال لا الحصر:"اللهم إن هذا الوباء قد غدا من حولنا وأمره بين يديك، فحل بيننا وبينه بلطفك وسترك وعفوك ورحمتك واحفظ بلادنا من شره وبلائ "، ودعاء :"اللهم إنا نعوذ بك من البرص ونعوذ بك من الجنون ونعوذ بك من الجذام ونعوذ بك من سيء الأسقام"، وإذا كان أمر الاستغفار والدعاء شيئا جميلاً من حيث المبدأ لأنه يخفف من ذعر المواطنين عن طريق التوكل على الله والاستناد إلى حمايته وقوته التي لا شك فيها، إلا أن المبالغة في الإقتصار عليه وحده دون اتخاذ الاسباب في التعاطي مع الفيروس والإكتفاء أن الله تعالي الأقدر على مواجهته من بين الفرقاء جميعاً، على اعتبار أنه جند من جنود الله، كما تروج لذلك المعلومة التي يقدمها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، كوصفة فعالة في حماية الناس من هذا الوباء، والمخزلة في :"ذكر الله والصلاة على رسول الله على نحو مستمر -التي لست ضدها كما يمكن أن يتبادر للأذهان المريضة- وذلك لأن حركة اللسان تستجلب اللعاب مما يجعل الحلق رطباً وهو ما يغني عن الأدوية التي تقي من مخاطر هذا العدو الخطير، بحسب الفهم المتخلف والأفكار البئيسة والإجتهادات الغبية التي من شأنها تعطيل العمل الجاد في البحث عن العلاج، الذي اتحد العالم من أجل الوصول إليه..

وأختم مقالتي بما ذكرني به هذا الهُراء وتلك البلاهة وتانك الجهالة وذاك الغباء، الذي يدخل في باب ما يمكن أن يسمى قانونا التجهيل العمدي، أي تجهيل الناس قسرًا، الجريمة التي تستوجبُ العقاب، ذكرني بفكرة الكاتبة المصرية "فاطمة ناعوت " في رغبتها في سن قانون يجرم ويكافح ما أسمته "التجهيل العمدي" وأنقل هنا بعض الفقرات من نص مقالتها : "في حياتي القادمة، إن كان ثمة تناسخُ أرواح، وإن حدث وغدوتُ ملكةً أو رئيسةَ دولة، أو مُشرّعة قضائية مثلا، سأصكُّ قانونًا حازمًا حاسمًا ناجزًا لا ثغرات به، يُعتقَلُ بموجبه كلُّ مَن يُروّج لمغالطات علمية مُضلّلة، أو يُطلق معلومةً معرفية مغلوطة"،  فهل يمكن أن يجرم "التجهيل العمد" في بلادنا يوما ما حماية لعقولنا وعقول أبنائنا من الجهل والتجهيل ؟؟ـ

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم