صحيفة المثقف

قصر الثعلب (جرح المرحلة وعمق المعنى) للروائي ابراهيم سبتي

طارق الكنانيلاشك ان رواية قصر الثعلب للروائي ابراهيم سبتي تنتمي لروايات الفنتازيا، وهي انعكاس حقيقي لتجربة حياتية عاشها الكاتب في سلسلة احداث مرت على البلد وجاءت بسياق (الفلاش باك)، فالكاتب قد تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة جاءت ضمن سياق استجابة الممثل المحبوب لصداقته ودعاه الى ذلك العالم المبهرج ليتم تكريمه بدرع الصداقة الذهبي حيث يكتشف ان الشخص الذي جاء هو ليس نفس المعجب الذي راسله طوال سنوات حيث توفي المعجب الاصلي قبل سنة من هذا التكريم في حادث انفجار جاء نتيجة تردي الوضع الأمني في العراق والذي خلقته القوات الأمريكية باحتلالها للبلد وانسحب الموقف ذاته على المعجب المصري ليعكس لنا الحالة الاقتصادية والصحية المتردية في مصر التي سببت وفاة (فرج) شقيق (رضوان) المصري، لقد كان هو الاخر معجبا بنفس الممثل الذي دعاه للتكريم ايضا حيث تقمص رضوان شخصية شقيقه فرج كما تقمص محمد شخصية شقيقه احمد ليعكس لنا الروائي حالة الغش والتزوير المتفشية في مجتمعاتنا ليبررها بعد ذلك بعدة عوامل سيمر علينا ذكرها من خلال تسليط الضوء على احداث الرواية .

ان انتشار ادب الفنتازيا في السرد العراقي اصبح ظاهرة ملفتة للنظر ما بعد 2003 حيث جاء نتيجة لأحداث غير طبيعية عصفت بالمجتمع العراقي ووضعته امام صور ومشاهد لم يستوعبها الفرد العراقي بكل تفاصيلها حيث اعتبر بعضها نسجا من الخيال، وفي الحقيقة كانت هذه الصور مشهدا يوميا بإمكان ان يراه الكل فقد تغيرت انماط التعاملات اليومية واختفت الانساق اليومية المتبعة قديما، تلبية لحاجة مستجدة وهي فقدان الأمن وغياب دور الدولة والذي جاء نتيجة الاحتلال الذي تعرض له العراق، ومن خلاله تم فرض ثقافة جديدة على المجتمع لتواكب تطلعات المحتل واهدافه في رسم صورة مجتمعية ونمط جديد للتعامل في المجتمع العراقي .

بدأ الكاتب يستعرض بدايات الفعل الذي فرضه الاحتلال واسقاط فكرة التحرير والانقاذ التي جاء بها المحتل، حيث كان يصف حالة التسلية التي يشعر بها الطيار أثناء الحرب وقنصه للجنود الفارين من ارض المعركة، فالمحتل لم يحسب قيمة الانسان التي طالما تشدق بها، فعملية القتل الغير مبرر للجنود العائدين كانت مؤشرا للكاتب بأن ما يحدث هو ليس تحرير انما هو تخريب لقيم انسانية كان المحتل يؤطر صورته الاعلامية بها وهو عنها بعيد بل العكس تماما .وكذلك ما كانت تتبعه الشركات الأمنية في تعاملاتها اليومية مع الشارع العراقي وحوادث القتل المتعمد والغير مبرر الذي كانت تمارسه .

اتخذ الكاتب صورة الممثل العالمي ايستوود وهو بطل افلام الكابوي والسباغيتي كصورة يطل من خلالها على الثقافة الامريكية والنظام المجتمعي الامريكي يخاطب من خلالها المعجبين بالحلم الامريكي الذي طالما دغدغ خيال الكثير من الناس الذين عاشوا تحت ظروف القهر والظلم والفقر في بلد يمتلك من الخيرات الكثير، وكان هؤلاء الناس يتأملون ان تنجلي هذه المؤثرات عن المشهد الاجتماعي بعد الاحتلال، لقد نجح الكاتب في هذه الاستعارة البسيطة لما اسماه هو بالحلم الامريكي، فالمشاهد التي صورها في بداية الرواية كانت ثقيلة الايقاع بعض الشيء قد تشعر القارئ بالملل الذي سرعان ما يتبخر عندما تبدأ المغامرة الحقيقية وهي اثناء اكتشاف البطل شخصية المعجب الحقيقية وتنطلق حالة الاثارة بشكل متزايد وغير مبالغ فيه، مع غياب كثير من التفاصيل التي تجاهلها الكاتب، فالقارئ يحتاج الى تلك التفاصيل الصغيرة ليبقى مشدودا الى الفعل الدرامي وتصاعد ايقاعه عبر حركة بطل الرواية، فمثلما اعاد للذاكرة الكثير من الاحداث التي مرت به كجندي اثناء انسحابه من الكويت، اثناء حرب الخليج، واستكمالا لمشاهد الاحتلال التي اظهرت لنا حالات التسليب والقتل في اهم شوارع بغداد، كان المفروض ان يسلط الضوء على حياة هذا البطل الاسطوري الذي اكتفى على وصفه بعبارات منمقة وتارة مخيفة جاءت على لسان خادمه العربي والذي صور من خلال هذا الخادم السوداني تبعية الانظمة العربية للدول الكبرى امثال امريكا .

لقد كانت الاستعارات في الرواية غاية في الدقة والموضوعية ففي مشاهد التعذيب والمتابعة لرفيقه المصري رضوان عبر الكاتب عن سطوة القوى الغاشمة التي تتصرف مع الاخر الضعيف بعنجهية كبيرة وهي تعلم انه غير قادر على الرد .

لقد كشفت الرواية عن الكثير من الخيبة التي واجهها هؤلاء الذين يحلمون بمجيء امريكا حيث تكشفت الحقائق بشكل جليّ واصبح العراقيّ غارقا في دوامة الهرب من المجهول، فالمشهد الاخير الذي استيقظ فيه احمد عن كابوس كان هو بيت القصيد، الذي اراد من خلاله الكاتب ان يوضح اننا مازلنا نعيش بهذا الكابوس .

بسبب تنامي الحاجة إلى الهروب من الواقع المؤلم Escapism الذي نعيشه في ظل هذه الظروف، التي شهدنا خلالها أكبر الحروب المدمرة والتغيرات الحاسمة في تاريخ العراق، وما يزال العراق يشهد حتى الوقت الحاضر الحرب والفقر والمجاعة والمرض، وبسبب الحاجة إلى السيطرة على تلك الحشود الهائلة من البشر عن طريق وسائل الإعلام، كما هي الحال في بقية المجتمعات ظهرت لنا عدة اعمال درامية وروايات منها (فرنكشتاين في بغداد) للسعداوي و(مثلث الموت) و( السقشخي) ل(علي لفتة سعيد) و(تسارع الخطى)لأحمد خلف (جاسم وجوليا) لزيد الشهيد... وغيرها الكثير، وتستمر هذه النزعة على نحو أوسع وأكفأ بفضل تقانة المعلومات ؛ والتي قد توظف سياسياً لتحويل أنظار العالم وللتعمية عما يحدث في الواقع.

يتبقى لنا ان نذكر بعض المصطلحات التي استخدمها الكاتب وكانت غريبة في موضعها فمثلا هو استخدم كلمة (بطل رعديد):في حين ورد في لسان العرب لإبن منظور (الرعديد: الجبان) ج4- ص128 .

واستخدم كلمة (صَفَنَ) بدلا من سكت الجميع او صمت الجميع حيث ورد في لسان العرب ج5 ص 261 (الصفن: وعاء الخصية، والصُفْنُ، كالسفرة بيت العيبة والقربة يكون فيها المتاع واهل البادية يجعلون فيها متاعهم.

واستخدم الكاتب عبارة (يقف متبخترا): وهي صفة للمشي وليس للوقوف

مُتبختِر: (اسم)

 مُتبختِر: فاعل من تَبَختَرَ

بَختَرَ: (فعل)

 بَخْتَرَ في مشيه: مَشَى مِشْيَةَ المعجَب بنفسه

 بَخْتَرَ: تمايل وتَثَنَّى

تَبَختَرَ: (فعل)

 تبخترَ يتبختر، تَبَخْتُرًا، فهو مُتبختِر

 يَتَبَخْتَرُ الرَّجُلُ: يَمْشِي فِي بُطْءٍ وَتَمَايُلٍ وَغُنْجٍ مُعْجَباً بِنَفْسِهِ

 تبختر الشَّخصُ: تكَبَّر، واختال، أقْبَل يتبخْتر زَهْوًا .

تبقى رواية قصر الثعلب عميقة المعنى تحاكي ظرف قاهر واحداث كبيرة عاشها المؤلف في حقبة زمنية تحتاج الى التاريخانية لتوثق من خلالها احداث جرت بأسلوب ادبي شيق وهذا ما انتجته لنا مرحلة ما بعد الاحتلال كفعل طبيعي يتبناه الادباء العراقيون في مرحلة مفصلية من تاريخ العراق الحديث . 

 

طارق الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم